عربي وعالمي

المتحور الجديد يلغي مؤتمر “براءات اختراع للقاحات كورونا”

أفاقت منظمة الصحة العالمية، ومعها العالم بأسره، يوم الجمعة الفائت، على كابوس جديد حمله المتحور الأفريقي الجديد (أوميكرون) الذي أطلق صفارات الإنذار في الدوائر الصحية العالمية، منبهاً إلى أن نهاية الجائحة ما زالت قصية، ومهدداً بإطالتها أكثر مما كان متوقعاً منذ أسابيع قليلة فقط. وبينما كانت مدينة جنيف تحشد كل طاقاتها اللوجستية استعداداً لافتتاح المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية، أعلنت إدارة المنظمة إلغاء هذا اللقاء المرتقب الذي كان من المفترض أن يبت بمسألة تعليق براءات اختراع اللقاحات ضد «كوفيد 19»، بعد أن توالت طيلة يوم الجمعة، التدابير العالمية بوقف الرحلات الجوية مع بلدان الجنوب الأفريقي التي سيتعذر على وزرائها الوصول إلى جنيف للمشاركة في أعمال المؤتمر.

ولم يعد مستبعداً، بعد قرار الاتحاد الأوروبي تعليق الرحلات الجوية مع جنوب أفريقيا وليسوتو وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق وناميبيا وسوازيلاند، أن تحذو منظمة الصحة حذو منظمة التجارة وتلغي الدورة الاستثنائية لجمعية الصحة العالمية، التي من المقرر أن تبدأ غداً في جنيف.

من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة عن إجراءات مماثلة تدخل حيز التنفيذ اعتباراً من اليوم (الأحد)، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن: «اطلعت من مستشاري الطبي الأول وفريق الخبراء على المتحور الجديد (أوميكرون)، وسنعمل دائماً بالتوصيات التي تصدر عن العلماء في هذا الصدد». وأضاف بايدن أن هذا التطور يؤكد مرة أخرى ضرورة تعليق براءات اختراع اللقاحات وتسريع توزيعها على البلدان الفقيرة.

وفي أول رد فعل لها على تدابير الحظر الجوي التي فرضتها دول عديدة، قال ناطق بلسان حكومة جنوب أفريقيا: «هذا الحظر على السفر يعاقب جنوب أفريقيا بسبب من قدراتها المتطورة في إجراء التسلسل الوراثي للجينوم ورصدها السريع للمتحورات الفيروسية الجديدة. هذا الامتياز العلمي كان من المفترض مكافأته وليس معاقبته. لقد رصدت متحورات أخرى في العديد من البلدان، ولم تتخذ أي تدابير مماثلة لتلك التي اتخذت الآن ضد بلدان الجنوب الأفريقي».

وفيما ترزح أوروبا تحت وطأة موجة وبائية جديدة، حيث تحطم بلدان الوسط والشرق الأوروبي، كل يوم، أرقاماً قياسية في عدد الإصابات اليومية، وتتنامى الحركات المناهضة للقاحات في معظم بلدان الاتحاد، رفعت منظمة الصحة العالمية تصنيف التهديد الذي يشكله المتحور الفيروسي الجديد «أوميكرون» إلى درجة «مثير للقلق»، وهي الأعلى في تراتبية تصنيفها للمخاطر الوبائية، ليصبح المتحور الخامس الذي يبلغ هذه المرتبة منذ ظهور الجائحة في مثل هذه الأيام من عام 2019.

ويخشى خبراء المنظمة أن هذا المتحور الذي طرأ عليه أكثر من ثلاثين تحولاً، وظهر لأول مرة في جنوب أفريقيا، قد يكون أسرع سرياناً من جميع الطفرات المعروفة لفيروس كورونا المستجد، ويرجح أن يحمل خطر إصابة المعافين من الفيروس، وبالتالي لا يستبعد أن يكون أكثر مقاومة للقاحات.

وتجدر الإشارة إلى أن سريان الفيروس لفترة طويلة بين السكان يؤدي عادة إلى تعرضه للتحور مرات عديدة، لكن تصنيفه ضمن درجة «مثير للقلق» في عرف منظمة الصحة يعني أن هذه التحورات يمكن أن تجعله أسرع سرياناً، وأن تؤدي إلى أعراض سريرية أكثر خطورة، وأن تكون الإصابة التي تنشأ عنه أقدر على الإفلات من الحماية التي تولدها اللقاحات أو التعافي من الوباء.

وكانت منظمة الصحة نبهت، في بيان صدر عنها مساء الجمعة، إلى أن هذا المتحور يسري بسرعة كبيرة في غالبية ولايات جنوب أفريقيا، حيث رصد للمرة الأولى يوم الأربعاء الفائت، ثم ظهر في بوتسوانا وإسرائيل وهونغ كونغ ومؤخراً في بلجيكا على شخص سافر إلى مصر وتركيا. لكن مع مرور الوقت بدأت تتوالى الأنباء عن رصد إصابات محتملة بهذا المتحور في عدد من البلدان الأوروبية الأخرى، حيث أفادت السلطات الصحية الألمانية، أمس (السبت)، بأنه «من المحتمل جداً وجود إصابة واحدة في الأقل بالمتحور الجديد بعد أن رصدت تحولات مطابقة لمتحور (أوميكرون) على مصاب وصل مؤخراً من جنوب أفريقيا». وقالت إن الفيروس يخضع للتسلسل الوراثي «لكن ثمة شكوكاً عالية بأنه من المتحور الجديد». وطلبت وزارة الصحة الألمانية من جميع الذين وفدوا مؤخراً من بلدان الجنوب الأفريقي أن يخضعوا فوراً للفحص، وأن يحدوا من التواصل عن قرب مع الآخرين ريثما تظهر نتيجة الاختبار.

وفي هولندا، رصدت الأجهزة الصحية، أمس، 61 إصابة بكوفيد بين 600 مسافر وفدوا إلى أمستردام على متن طائرتين يوم الجمعة من جنوب أفريقيا. ويخضع المصابون لحجر صحي طيلة أسبوع حتى ظهور نتائج التحليلات الجارية في جامعة روتردام.

ويُلفت إلى أن ردة فعل الاتحاد الأوروبي أمام ظهور هذا المتحور تختلف جذرياً عن ردة فعلها عندما ظهر متحور دلتا، حيث كانت تدابير الاحتواء أبطأ وأقل تشدداً ومن غير أي تنسيق بينها. وفي أقل من 24 ساعة تحولت أوروبا إلى المنطقة الأكثر تحصناً في العالم، بعد أن كانت حتى يوم الجمعة الفائت الأكثر انفتاحاً وفقاً لمنظمة السياحة العالمية، التي أفادت بأن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي كانت حتى مطلع هذا الأسبوع مغلقة فقط بنسبة 7 في المائة مقابل 65 في المائة لحدود آسيا والمحيط الهادئ و9 في المائة لأفريقيا.

وفي ألمانيا، التي أصبحت البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في الاتحاد الأوروبي، لم يعد طرح الأسئلة الدراماتيكية مقصوراً على المستشارة أنجيلا ميركل ووزير الصحة، إذ تساءل، أمس، لوتار فيلير، مدير معهد روبرت كوخ، قائلاً: «كم من الضحايا يجب أن يسقط بعد لنقتنع بأن كوفيد19 ليس مرضاً عادياً وعابراً؟»، مخاطباً ملايين الألمان الذين ما زالوا يترددون في تناول اللقاح أو يرفضونه، علماً بأن التغطية اللقاحية في ألمانيا لم تتجاوز بعد 68 في المائة من السكان البالغين.

وكانت المفوضية الأوروبية والبلدان الأعضاء في الاتحاد وضعت نصب أعينها، منذ أيام، هدفاً رئيساً يتمثل في تكثيف حملات التلقيح، عن طريق الإقناع أو الإكراه، في البلدان التي ما زالت تغطيتها اللقاحية متدنية جداً مثل بلغاريا ورومانيا، أو تلك التي لم تبلغ فيها بعد المستوى الكافي لاحتواء الفيروس مثل النمسا وألمانيا واليونان.

وبعد أن قررت النمسا فرض إلزامية اللقاح اعتباراً من مطلع فبراير (شباط) المقبل، أعلنت، أمس، البرتغال أنها ستبدأ بفرض اللقاح على جميع السكان بعد أعياد الميلاد مباشرة، علماً بأن التغطية اللقاحية فيها بلغت 90 في المائة.

ولتعزيز هذه الجهود الأوروبية، حضت المفوضية شركات الأدوية التي تنتج اللقاحات على تحسين لقاحاتها، وقالت فون دير لاين إن «العقود التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع شركات الأدوية تنص على تعديل اللقاحات لتكييفها فوراً مع التحورات الجديدة التي تظهر». وكانت شركة فايزر/بيونتيك، التي تنتج اللقاح الأكثر تداولاً في بلدان الاتحاد الأوروبي، تجاوبت مع تصريح رئيسة المفوضية، إذ تعهد ناطق باسمها، أمس، أن يكون اللقاح الجديد المعدل جاهزاً في مهلة لا تتجاوز مائة يوم، في حال تبين أن اللقاح الحالي ليس فاعلاً ضد المتحور الجديد الذي ظهر في أفريقيا. يذكر أن منظمة الصحة كانت أشارت، أمس، إلى احتمال أن يكون متحور «أوميكرون» أكثر مقاومة للقاحات من الطفرات السابقة. وكان خبراء المنظمة الذين يتابعون تطور المتحور الجديد قد أشاروا، أمس، إلى أن «كوفيد 19 اكتسب مزيداً من السرعة من حيث السريان وقدرة أكبر على الفتك ومقاومة العلاجات، بما فيها اللقاحات».

لكن رغم كل ذلك، أعطى هذا التطور الجديد في المشهد الوبائي مزيداً من الزخم للأصوات المطالبة بإعطاء الأولوية لتعميم اللقاح على جميع البلدان قبل المباشرة بتوزيع الجرعات الإضافية في البلدان الغنية. وأعلنت المفوضية الأوروبية، أمس، أنها قررت إلغاء الموافقة المسبقة على تصدير اللقاحات اعتباراً من مطلع السنة المقبلة.