آراؤهم

أعدموا المسيء

بالإضافة لما ذكره د.خالد الحويلة في دراسته و الأستاذ المحامي أحمد المطوع في مقاله و ما سطّره المستشار عادل الكندري في حكم الاستئناف الذي يكتب بماء الذهب والذي رأى بموجبه وجود شبهة عدم دستورية في قانون المسيء، فإن هذا القانون له وجه خفيّ يثبت عدم دستوريته أيضاً. وقبل الشروع بالكتابة قمت بمشاهدة جلسة ٢٢/٦/٢٠١٦ التي أقر فيها هذا القانون بمداولتين بجلسة واحدة لأصل لمرحلة اليقين لما كنت أحسبه ظناً.

هذا القانون هو انحراف تشريعي بكل ما تحويه هذه الكلمة من دلالة. ونظرية الانحراف التشريعي هي نظرية ابتدعها السنهوري في بحثه الشهير الذي يحمل ذات العنوان ولم تأخذ النظرية حظها في التطبيقات القضائية سوى بحكم يتيم – شهير- أبطلت فيه المحكمة الدستورية العليا عام ٢٠١٢  فيمصر قانون يمنع من تولى منصباً سياسياً في عهد حسني مبارك من الترشح للرئاسة وهو ما سمي بقانون العزل السياسي. وقد نصت المادة ٣ التي أبطلتها المحكمة على التالي: “ تقف مباشرة الحقوق السياسية للأشخاص الآتي ذكرهم: كل من عمل خلال العشر سنوات السابقة على ١١ فبراير ٢٠١١م رئيسًا للجمهورية، أو نائبًا لرئيس الجمهورية، أو رئيسًا للوزراء، أو رئيسًا للحزب الوطني الديموقراطي المنحل، أو أمينًا عامًا له، أو كان عضوًا بمكتبه السياسي أو أمانته العامة، وذلك لمدة عشر سنوات ابتداءً من التاريخ المشار إليه” (عشرين خط تحت لمدة عشر سنوات) وقد قررت المحكمة بأنه قانون يفتقد للعمومية والتجريد وذلك بعد فحص مضابط الجلسة و العودة لنقاشات البرلمان وبناء على ذلك اعتبرته انحرافا تشريعيا لأنه يستقصد مرشحاً بعينه. و قد كان حينها قد تقدم أحمد شفيق بأوراق ترشحه للرئاسة.

وبالمناسبة فإن الليبيين عقب ثورتهم الدامية أقروا قانون العزل السياسي لرموز نظام القذافي ووقتوه أيضا بعشر سنوات.

نرى أنه رغم الحالة الثورية التي كانت تشتعل في نفوس الأعضاء الذي شرعوا تلك القوانين إلا أن وعيهم بعدم جواز الحرمان الأبدي من الحقوق السياسية جعلهم يؤقتون عزلهم السياسي لرموز الأنظمة المخلوعة، فبأي منطق وعلى أي سند يكون الحرمان الأبدي دستورياً؟ عموماً يبدو أني تهت عن موضع الشاهد، وهو بأن على المحكمة الدستورية أن تفحص الظرف السياسي الذي صدر بموجبه قانون المسيء و الأشخاص الذين تم استقصادهم من تشريعه حيث أن الأعضاء الذين وافقوا عليه كان لديهم-علمًا يقينياً- بأنه سيطال أسماء محددة، ففي يوم اقراره كان مسلم البراك خلف القضبان بتهمة العيب في الذات الأميرية وكانت المحاكم تنظر قضايا مشابهة لأبرز رموز الخصوم السياسيين والمنافسين الانتخابيين لرئيس المجلس و أعضاءه، لذا يبدو جلياً أن الهدف منه هو العزل السياسي للخصوم باستعمال أداة التشريع وذلك ينطوي على غاية لا تبتغي المصلحة العامة و مما ينزع عن القانون صفة العمومية و التجريد فهو إذاً انحراف تشريعي من رأسه إلى أخمص قدميه، ونأمل بأن تعدمه المحكمة الدستورية بقضائها!