برلمان

نظرات في حكم المحكمة الدستورية في شأن المرسوم (136) لسنة 2022

لقد صدمت الكويت بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية بتاريخ 19 مارس 2023 في شان الطعن المقيد في سجل المحكمة الدستورية برقم (11) لسنة 2022، وسبب الصدمة هي النتيجة غير المتوقعة من الطعن ذاته ومن أعضاء مجلس 2020 وأعضاء مجلس 2022 ، ولا ابالغ إذا قلت أن الصدمة بلغت الى الجهاز الحكومي للدولة ذاته.

وهذا الحكم زاد الوضع السياسي في الدولة احتقاناً وأصبح الفرقاء أكثر تشدداً في الدفاع عن آرائهم بحق أو بغير حق، كما أنه ولد حالة احباط كبرى لدي المواطنين الذين سئموا الانتخابات وسئموا من أداء مجالس الامة المتتالية.
وقبل التعليق على الحكم المذكور أريد بيان ما يلي:-
1- أن هذا المقال صادر عن باحث اكاديمي يعمل في سلك التدريس في كلية الحقوق منذ حصوله على درجة الدكتوراه في القانون عام 1987 وما زال على رأس عمله وتخرج من تحت يديه المئات من القضاة وأعضاء النيابة ومحامي الدولة، كما أنه خبير قانوني في العديد من المنظمات الدولية ورئيس سابق للعديد من الأجهزة القانونية في دولة الكويت.
2- أن هذا المقال ليس دفاعا عن أعضاء مجلس 2020 ولا أعضاء مجلس 2022 ، فكلا المجلسين احدهما أسوء من الاخر من خلال ممارسات لا تمت للعمل البرلماني بصلة واستغلال لأدوات الرقابة الدستورية لتحقيق مأرب خاصة وإصدار تشريعات تمثل اهداراً للمال العام وتحطيماً لطموحات الشعب الكويتي.
3- أن هذا المقال نابعاً من حرصي الشديد على وطني الذي اعشقه وليس لي وطنا اخر سواه، وأتمنى أن يكون هذا المقال مساهماً في تصحيح المسار السياسي في دولتنا الحبيبة الكويت.
أن هذا الحكم جانبه الصواب في المسائل التالية:

أولاً: عدم الاختصاص

من المعلوم بالضرورة ان صاحب السمو أمير البلاد هو رأس النظام السياسي وهو أبوالسلطات الثلاث وهو الحكم الأعلى اذا حصل أي انحراف لأي سلطة عن طريقها المرسوم لها في الدستور، والأمة بأجمعها وضعت الثقة فيه وبايعته على ذلك منذ تأسيس الدولة وقبل صدور الدستور، وهذه مسألة أساسية في النظام السياسي الكويتي، فأمير البلاد حفظه الله ليس ملكاً دستورياً كما هو الشأن في العديد من الديمقراطيات الغربية وانما يتمتع بسلطات دستورية واسعة ويلعب دوراً هاماً في الموازنة بين السلطتين التنفيذية والتشريعة، ولذا فإن المادة 107 من الدستور الكويتي تمثل ترجمة صادقة لما سبق ذكره وهي تنص على:- “للأمير ان يحل مجلس الأمه بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على انه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى”.
هذا النص واضح وضوح الشمس في رابعة النهار في أن سلطة صاحب السمو الأمير غير مقيدة بأي شرط لإصدار مرسوم الحل، فهي سلطة مطلقة متى ما رأى أن مصلحة البلاد تقتضي حل مجلس الامة لاعتبارات أمنية، او سياسية، او اقتصادية، أو غيرها، ولا يحد من هذه السلطة شيء، ولذا بدأت المادة بلام الملك بقولها (للأمير) وهذا يعني في لغة العرب انه لا يملك هذه السلطة الا الأمير، وبالتأكيد انه لن يستخدمها الا اذا رأى مسوغات تجنب البلاد أي ازمة سياسية او أمنية أو غيرها.
ومن هذا المنطلق فإن هذه السلطة من أعمال السيادة التي لا يجوز للمحاكم أو غيرها التصدي لها بالرقابة او التقييد حتى وان كانت المحكمة الدستورية.
ولذا فإن الحكم المذكور الذي سمح للمحكمة بان تراقب أعمال السيادة ومنها المرسوم رقم (136) لسنة 2022 في شان حل مجلس الامة قد خالف صحيح القانون حينما قرر انه لا يوجد مسوغ لحل البرلمان بحسبان أن رئيس الوزراء الجديد لم تنشئ بينه وبين مجلس الامة أي علاقة يمكن من خلالها القول بعدم وجود تعاون هو في حقيقة الامر نوع من أنواع تقييد سلطة صاحب السمو في حل مجلس الامة وفقا للمادة 107 من الدستور، وهو خرق غير محمود للنظام السياسي للدولة وتقييد لسلطة صاحب السمو من حيث فتح الباب مستقبلاً للطعن على أي مرسوم له بحل مجلس الامة وفقاً للمادة(107) ، وهو ما يفوت الغرض من وجود هذه المادة في الدستور والتي أوكلت لصاحب السمو أمير البلاد السلطة العليا في الرقابة على اعمال السلطات واتخاذ ما يلزم لحفظ استقرار البلاد وتحقيق رفاهية شعبها وتحقيق طموحاته بالعيش الآمن والسلام الاجتماعي.
ولذا نعتقد جازمين بأن هذا الحكم صدر في مسألة تخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية لأنه صدر عن هيئة قضائية لا تملك النظر في دستورية المراسيم الصادرة وفقا للمادة(107) من الدستور، وعليه ينبغي ترتيب التنتائج المنتظرة لمثل هذا الأمر.

ثانياً: الخلط بين المادة 107 والمادة 102 من الدستور.

إن الناظر الى الحكم المذكور يدرك بسهولة بان المحكمة الدستورية وقعت في خلط واضح بين حل مجلس الامة وفقاً للمادة 102 وهي المادة التي لم تشير اليها المحكمة وهي المتعلقة بمسألة عدم التعاون بين السلطتين، وهذه المادة تفترض أن تكون هناك علاقة قائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن ثبت لاحقاً استحالة أو صعوبة التعاون فيما بينهما لأسباب سياسية كثيرة، عندها يرفع الأمر الى صاحب السمو من قبل مجلس الوزراء مبيناً أسباب عدم التعاون، ومن ثم يصدر صاحب السمو امير البلاد قراراه بالحل بناء على طلب من مجلس الوزراء الموقر متى ما وجد مسوغا لذلك.
ولعمري أن هذا الأمر لمختلف شديد الاختلاف عن حكم المادة107 من الدستور التي لم تشترط أي طلب من الوزارة ولم تشترط وجود أي علاقة سيئة بين السلطيتين التنفيذية والتشريعية، وانما أوكلت الامر برمته الى صاحب السمو امير البلاد باعتباره رئيساً للدولة ورئيساً لكافة السلطات فيها لاتخاذ قرار الحل تحقيقاً لمصلحة وطنية عليا ولذا لا يجوز للمحكمة الدستورية ولا لغيرها من المحاكم ان تقرر فيما اذا كان قرار الحل صائبا من عدمه، فهذه سلطة تقديرية لصاحب السمو امير البلاد، والقول بغير ذلك يعني ان تتحول المحكمة الدستورية من محكمة قانون الى هيئة سياسية تتضاربها الأمواج وتعصف بها الرياح من كل حدب وصوب.
وكان الاجدر بالمحكمة الدستورية ان تنأى بنفسها عن النظر في دستورية المرسوم 136 لسنة 2022 وان تتصدى للطعون الانتخابية المقامة من بعض المرشحين الطاعنين في نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2022 ، لا سيما وانها انتدبت عضوين من أعضائها للاطلاع على صناديق الانتخاب والتحقق من كشوف النتائج الانتخابية.

ثالثا: انتهاك إرادة الأمة

واياً ما كان الامر، فان الامة هي مصدر السلطات وفقاً للمادة 6 من الدستور، والأمة هبت عن بكرة أبيها للانتخابات التشريعية لعام 2022 طمعاً في إيصال الاكفاء الذين يحققون طموحاتها وآمالها، فلا يتصور بعد ذلك أن يقال للامه ان ارادتكم غير سليمة وان الانتخابات باطلة!!.
أما القاء اللوم على الجهاز الحكومي للدولة وانه السبب في الوصول للحكم ببطلان المرسوم 136 لسنة 2022 تمهيداً لإبطال الانتخابات التشريعية لعام 2022 فهي حجة واهية، ذلك ان الحكم ذاته قد صرح بأن السند في اصدار المرسوم 136 لسنة 2022 هو المادة 107 من الدستور وليس المادة 102 منه، وقد صدر هذا المرسوم من صاحب السمو امير البلاد بعد تلمسه للحالة السياسية السيئة التي وصلت اليها الأوضاع في البلاد وما آلت اليه الأمور من تدهور في العمل السياسي وتخبط في النشاط التشريعي والرقابي.

ونحن نعتقد بأن المرسوم 136 لسنة 2022 قد صدر سليما خاليا من العيوب ومحققاً لآمال الامة ومهدئا للغضب الشعبي ومصححاً للمسار التشريعي، ولا توجد أي شائبة فيه.
من جميع ما سبق، فإننا نناشد ولي الامر صاحب السمو امير البلاد الى حل مجلس 2020 مرة أخرى بناء على المادة 107 من الدستور تفويتاً لأي فتنة سياسية في البلاد والرجوع مرة أخرى الي الرأي العام ليقول رأيه مرة أخرى وينتخب من يمثله حق التمثيل.
كما أننا نناشد وزارتي الداخلية والعدل الى الارتقاء في مستوى الأداء في عملية التصويت بحيث تكون بمنأى عن الطعن مستقبلاً، لأنه لا يتصور بعد هذه السنوات الطويلة من الانتخابات ان تحدث أخطاء مادية في جمع الأصوات او التحقق ممن لهم حق الانتخاب.
والله المستعان،،

د. أنور احمد راشد الفزيع

مقرر لجنة الخبراء القانونيين في منظمة العمل الدولية سابقاً
مدير الإدارة القانونية لبلدية الكويت سابقاً
مدير الإدارة القانونية لبيت التميل الكويت سابقاً

الوسوم