أقلامهم

نادين البدير: أكانت ثورات أم خيانات؟

شيء أسماه العرب ربيعاً

نادين البدير 
أقف بين نيران الثورة وبين استبدادية الوطن
لا أكتب ما يطمئن الحكومات. أنا من هواة استفزاز الأنظمة. مقتنعة بأن من مهام المواطن ابقاء النظام بحالة قلق. لكني لا أتمكن من اخفاء مشاعري أو كتابة شيء أنافق به الشعوب لمجرد أن الثورة ضد الأنظمة.
مَن الأهم؟ حريتي أم وطني؟
لم أطرح بحياتي تساؤلاً أقارن به حريتي بأي شيء، فالحرية منتصرة سلفاً على الحياة نفسها. ومهما أنفقت لأجلها من أثمان لم أندم. فهل للحرية ثمن بالأصل؟
لكن وطني نقطة ضعفي الوحيدة الكبيرة.
أعيد السؤال : حريتي أم وطني؟
أن أعيش حرة أم أن يحيا وطني؟
أختار بين نيران التفكك التي أحدثها مفعول الديموقراطية (المتقدمة) وبين حدود وطني المنيعة وسط استبداد أو حتى فساد.
خيارات عربية معقدة، ولست محظوظة لأني أطرحها
خيارات جلبها ما أسميناه جميعا. ربيع العرب
هل أسمع اليوم من يحكي عن التقسيم؟ وهل المتهم اسرائيل أم الغرب؟
أذناي لا تسمعان سوى عدد من مواطني الداخل يثرثرون بتغيير الحدود واعادة رسمها من جديد.
أكانت ثورات أم خيانات؟ من يهدد دولته بالتقسيم؟
من يهدد نفسه بالانتحار؟
أهالي برقة يريدون الانفصال. أهالي برقة أصابتهم لوثة
لم تكن ثورة ضد الأنظمة اذاً بل ضد الأوطان. الآن، وجهوا اتهامكم المعتاد للأنظمة بأنها سبب كراهيتكم للأوطان وأكسجين الثورات العربية الذي تنفسناه كان وهماً؟ وكل الأماني التي منينا النفس بها. كانت تشخيص مريض للأمور؟ تشخيص غريق؟ وربيع ظننا أنه عاد الينا قبل سنة لم يكن بحقيقته أكثر من فصل غائم مكفهر مغبر باق منذ سنة ليست سوى البداية. هذه كلمة كل من يسمع تأففاً أو تذمراً. يتفاءل بأن الوقت ما زال ببدايته، وأن كل ما يحدث فترة أولية طبيعية تلي أي ثورة.
هل من الطبيعي اذاً أن نحكي عن كونفيديراليات وفيديراليات؟ ان كان الجواب نعم فأدعو ألا تصل الثورات الربيعية البراقة لبلدي، لأني سأذبح من يحكي عن تقسيمه قبل أن ينهي جملته.
الثورات العربية لم تلقن الحكومات دروسا قاسية بل لقنتنا نحن أقسى الدروس. أولها التوقف عن تبعية العواطف. كان مأمولا أن يكون الربيع العربي ربيع حرية لكن الفصل الخائن أتى بحكومات لم تناضل يوماً الا لحرية تنظيمها الدولي. الربيع العربي جلب لبرلمانات الثورة نواباً لا يؤمنون بالحريات على جميع أنواعها وليس تغاضيهم عن الحريات السياسية اليوم سوى لضمان استحواذهم على شيء من التركة، فقد سئموا حياة التخفي والاختباء خلف عباءات الحريم السوداء. الربيع ولد أنظمة تريد سحق كل تقدم مر من هنا.
أقسى من ذلك. الربيع أتى بحكومات لا تؤمن بحدود أوطاننا، بل بالأممية الاسلامية، شيء أشبه بالشيوعية.
ما زلنا نصر على أنه ربيع؟
يبدو أننا نخلط بين فصل الربيع وفصل تساقط الأوراق.
قبل أيام سهرت أتابع احدى القنوات. كان لقاء عن تونس بعد الثورة دار بين سيدة من المجلس التأسيسي ورجل معارض ومشاركة جمهور من الشباب والشابات،، احتدم النقاش. المعارض يؤكد الردة الحضارية التي تصيب تونس فالمتشددون يضايقون الناس بحياتهم اليومية، هو صيدلي ويروي تهديدات تصل للصيادلة، رجال التطرف يداهمون الصيدليات ويقسمون للعاملين بها أنه ان لم يتم نزع اعلان دواء يحمل صورة رجل عاري الصدر «فسنفجر الصيدلية بغضون نصف ساعة» لاحظوا أن المكان المستهدف صيدلية وليس ملهى ليلياً وأن الصورة تابعة لشركة أدوية طبية وليست صورة راقصة عري بأفيش لفيلم بورنو… السيدة تحتد بالصراخ وتؤكد أن الحريات محفوظة بظل الحكومات الاسلامية الجديدة، الشباب والشابات يتأففون ويتسابقون لإثبات أن القمع باطراد حتى بروفيسورات جامعاتهم يتعرضون للاهانة أمامهم لمختلف الأسباب منها الاختلاط والحكومة تعرف عن هذا السقوط الحضاري والفكري لكنها تغض الطرف.
مقدم البرنامج يسألهم هل تتمنون عودة زين العابدين بن علي؟ أرفض معرفة الاجابة. لكني أستمر في المشاهدة. لم لم أتفاجأ من أيادي شباب وشابات تلوح في الهواء تطالب بعودة بن علي؟
تعلق السيدة: أنتم لا تمثلون البقية، تجيبها الحاضرات: ليست هناك احصائية لكننا نعرف أن أعدادا كبيرة منا تتمنى عودة بن علي، فالحريات تتضاءل تدريجياً
اذاً هو فصل تساقط الأوراق. فصل تساقط الحريات.
وحين أتخيل أن المدعو (ربيع) يصيب بلادي (لا قدر الله) التي تفتقد للحريات الاجتماعية والسياسية وللفنون والسينما وحرية الحركة والابداع وتملؤها الرقابة فما الذي سيسحقه الربيع؟ أتصور أن يتم اعدام الشعب بالشوارع خوفا من ارتكاب الخطايا ودرءا للمعاصي المحتملة.
يعود المتفائل لمحاولة اقناعي بأن الأمر سيتطلب سنوات وأن الشعب الذي أطاح بالأنظمة السابقة سيطيح بأي نظام مستقبلي ظالم وكلها أربع أو خمس سنوات. تؤلمني النظرة الوردية للحياة العربية. أي شعب سيتمكن من اسقاط الصاعدين اليوم؟
رأيناهم بمصر يثورون من جديد قبل أشهر ولم يتمكنوا من مقاومة أحد.
رأينا الشباب تقلع أعينهم ويتعرضون لما كانوا يتعرضون له زمن الحكم السابق نفسه ولم يتمكنوا من اسقاط أحد. اتهمهم الجميع، حتى الاعلام، اتهمهم باشاعة الفوضى والبلطجة وبأنهم شلة (صايعين ضايعين) انتسبوا لموكب الثورة. رغم أنهم أصل الثورة.
فأين شباب الثورة الأصليون؟ أين اختفيتم؟ لماذا أيقظتمونا؟ ولماذا تمادينا نحن في الحلم؟
لا تعذروني واغضبوا. لكني لا أشتم أو أرى أزهار الربيع. ليس هناك أي ربيع بل فصل قاس. فصل جديد خامس.