أقلامهم

جاسم الخرافي يرد على مطالبة بودي له بعدم الترشح: قرار الترشح لن نختلف عليه

جاسم محمد الخرافي
الترشح قرار لن نختلف عليه
أخي وصديقي وابن خالي العزيز جاسم بودي، اطلعت على مقالتك المنشورة في صحيفتكم الغراء في عددها الصادر بتاريخ 25/ 11/ 2011، بعنوان «جاسم الخرافي… لاتترشح»، وأود ان أعبر لك في البداية عن خالص تقديري لما جاء فيها من مشاعر الود التي عبرت عنها وهي مشاعر تعودتها منك وأبادلك إياها، غير أني أود توضيح بعض مما جاء فيها وذلك من باب الإثراء لا بداعي الرد.
اتفق معك بأننا نمر بمرحلة صعبة نشفق على من يتحمل المسؤولية فيها، وقد أصبت في وصفها، فالممارسة السياسية حادت عن طريق الصواب، وارتفعت نبرة الصوت العالي والتهديد والوعيد، وتم تهميش المؤسسات الدستورية، وأخشى أن أقول إنه حتى نظامنا القضائي الذي هو حصننا ودعامة نظامنا الديموقراطي لم يسلم كذلك من خطاب سياسي يتبناه البعض ليصف كل شيء بالسوء إلا من يقف في صفهم، ولعل الحادث الأليم باقتحام مبنى مجلس الأمة، وهو الذي حزنت بسببه الكويت ولم تشهد له نظيراً كان تعبيراً صارخاً عن كل ذلك، وأساء لتجربة ديموقراطية وضع أساسها الحكم والشعب الكويتي لتكون نموذجاً واسلوب حياة، ان ذلك كله دون شك مبعث قلق ليس لك ولي فقط وانما هو قلق عام، والمصلحة الوطنية تقتضي التوقف عنده والعمل على معالجته.
وأود ان أؤكد لك في البداية بأن قرار ترشحي للانتخابات المقبلة من عدمه أنت أول من سيعلمه، لانك تعلم متى وكيف أتخذه، وإن كنت قد تأخرت في قرار الترشح في الانتخابات الماضية فإنك تعرف بأن ذلك القرار لم تحكمه اعتبارات شخصية فقط وانما جاء في سياق اعتبارات أخرى، وفي إطار رؤية للمصلحة الوطنية ومقتضياتها، وفي ضوء تقييم موضوعي لما هو ممكن لصيانة مسيرة ديموقراطية وضع اساسها الآباء والأجداد، وكل خشيتي من الحديث المبكر عن انتخابات رئاسة المجلس هو أن يقحم هذا المنصب المهم في تنافس وصراع يعطل انجازاتنا ويلحق ضررًا بعملنا النيابي، ولعلك تعلم ما أعني بذلك وربما أشرت له أنت ضمناً، بينما عبرت عنه أنا بوضوح في خطابي في افتتاح دور الانعقاد العادي.
ما ذكرته عن بساطة وتسامح وخصال شخصية أخرى بحقي في مقالتك هو أمر أشكرك عليه جزيل الشكر، ولكن تلك أمور شخصية، وحين تكون المسألة استقرار وطن، ومستقبل جيل، ومصير خيار ديموقراطي اخترناه نهجاً، فإن الأمر جد مختلف، إذا ستجد الإصرار على المصلحة الوطنية، والصلابة في الموقف، والحكمة في القرار والحرص على دولة المؤسسات والقانون، وأنت تعرف ذلك عني.
لقد ذكرت في مقالتك أن الحراك السياسي في نظامنا الديموقراطي قوي وصاخب، وكنت محقاً في ذلك، ولكن ذلك لم يفاجئني، وما ولده انحراف الممارسة الديموقراطية من صعاب لم يتعبني كما ذكرت، فأنت تعرف تجربتي الطويلة في العمل الوطني، نعم إنه يقلقني كما يقلق الشعب الكويتي، فحالة الفوضى ليست أمرا مريحاً، والخروج عن المؤسسات لا يخدم الديموقراطية، ومفردات التجريح لا تتناسب مع قيم الديموقراطية. وذلك كله كما ذكرت وكما يردده الكويتيون أصبح يتفاقم ويصل إلى حدود تتجاوز مساحة أي نظام ديموقراطي وتعرض المؤسسات الدستورية للشلل، غير أن ذلك لا ينبغي أن يدفعنا لليأس أو التعب بل إلى المزيد من الإصرار على إصلاح المسيرة، والحفاظ على مكتسباتنا الدستورية حتى لا تزعزعها مصالح فئوية أو تقلل من شأنها ممارسات خاطئة.
وصدقني إذا تطلبت المصلحة الوطنية مني موقفاً فستجدني في مقدمة الصفوف، ولعلك من مهنتك كصحافي وباعتبارك صديقاً وأخاً ولما بيننا من محبة وقرابة عائلية قد خبرتني في أحداث وأزمات عديدة منذ بداية مشاركتي في العمل الوطني والشأن العام لم يفاجئني فيها حدث أو يتعبني فيها حادث. ولم تكن «الاتهامات تنهمر عليّ من كل حدب وصوب» كما ذكرت في مقالتك، بل على عكس ذلك كنت ألمس طوال تلك الفترة مشاعر الود والتقدير بل والدعم والمساندة والاحترام حتى عند الاختلاف في الرأي.
ودعني أوضح أمراً مهماً، إن الانفعال والاندفاع يولدان الأخطاء، وجل من لا يخطئ، وأنت تعرفني جيداً فلا الانفعال من شيمي ولا الاندفاع من قيمي، وحين أصر دائماً على التعاون بين السلطتين وضرورة التنسيق والتشاور والعمل الجماعي البرلماني، فإنني أكرّس مبادئ دستورية وقواعد ديموقراطية لا يمكن لتجربتنا الدستورية أن تحقق أهدافها من دونها. نعم هناك مصالح وصراعات واختلافات في الرأي، وأنا أعرفها جيداً، وأدرك عواملها وأسبابها، وأعلم أن منها ما يلحق ضرراً كبيراً بممارستنا الديموقراطية، ولكن علينا في كل الأحوال أن نواجهها ونحتويها في حدودها الدنيا، ونعمل على تكريس مبادئ وقواعد ممارسة ديموقراطية بناءة ونصّر عليها حتى وإن كانت في بيئة معادية لها. 
وتلك المبادئ وقيم الديموقراطية الحقة هي الوسيلة الوحيدة لمقارعة من وصفتهم في مقالتك بـ «الجهلاء السفهاء الذين يتسيدون المشهد السياسي».
أخي وصديقي العزيز، لقد قمت بواجبي في العمل الوطني طيلة أربعة عقود لا أتزحزح عن مبادئي ولا أتهاون في مصلحة الكويت وثوابتها الوطنية، ولن يثنيني عن ذلك أي كان، وحرصت طيلة فترة رئاستي لمجلس الأمة على الحفاظ على استقلاليتي وعلى أن تكون الرئاسة محايدة، مع الأكثرية إذا كانت صائبة، ومع الأقلية حين تتحلى بالحكمة، ومع الحكومة إذا كانت مقنعة وضدها إذا حادت عن الصواب، ومع الجميع إذا كانت مصلحة الكويت هي الغاية والهدف.
وفي الختام، صدقني أنه لم يخطر ببالي إطلاقاً أن أسأل بعد قراءة مقالتك «شعنده بو مرزوق» فأنت بالنسبة لي الأخ والصديق والقريب، وتأكد أن دوافعك أبداً لم تكن محل تساؤل بالنسبة لي فقد كنت لي دوماً سنداً ومعيناً وصديقاً صدوقاً، بارك الله فيك يا ابن الخال، وعسى الله أن يديم المودة والمحبة بيننا، ويحفظ الكويت وشعبها من كل مكروه، ولنتذكر قول الشاعر:
إن المناصب لا تدوم لواحد
إن كنت تنكر ذا فأين الأول