آراؤهم

سورية أغدا ألقاك

بلى إنني مشتاق وعندي لوعة ،،،، ولكن مثلي لايذاع له سر  
لعل هذا البيت الذي ترنم به أبو فراس الحمداني حال سجنه يفسر لنا واقع كثير من محبي ذلك البلد الجميل الذي يعد مشفى طبيعيا لكل من يروم الطبيعة الخلابة والجمال الأخاذ. 
زرتها قبل ثورتها المجيدة فكان الحب من النظرة الأولى. أردت معاودة النظرة مرات ومرات ولكن منعني ما نابها من ألم وعذاب ما انفكت تقاسي ويلاته! 
سورية بلد واحد ولكن بداخله عدة بلدان مختلفة الأهواء والأمزجة، فأنت في حلب حيث الشهامة والمروءة، والتصوف والتدين، وفي حمص حيث الأصالة وامتزاج البداوة بالحضارة، وثمة جمال آسر للبشر في تلك البلدة، كيف لا وعراقة الأنساب متجذرة فيها وممتدة إلى عدنان وقحطان بسبيل؟ 
وفي دمشق حكايات ألف ليلة وليلة، تعيشها في الميدان والصالحية والحميدية التي تجثو على صدر مسجدها الخالد المسجد الأموي فتقضي أطيب الأوقات في عاصمة الأمويين، ولا تسمع  عندئذ إلا عبارات الترحيب والمجاملة والثناء. 
وفي ريفها يسلب عقلك بهاء بساتينها، وحسن حدائقها الغناء. فأنت تتقلب هنالك بين أشجار العنب والبرتقال والخوخ مما لذ طعمه وتعدد مذاقه من الأطايب، وإذا ظمئت فإن العيون المتفجرة من باطن الأرض تطفئ ذلك الظمأ، وتروي العطش، ولا غرو فهي عيون ربانية إذ لا حاجة لغاز أو كلور! ولا لتناضح عكسي أو تكثيف وتبخير! فهي لذة للشاربين بتدبير حكيم خبير. 
وفي حوران تشعر أنك بين أهلك وبني جلدتك، فالناس هناك ماهم إلا امتداد طبيعي لقبائل الجزيرة العربية، فاللسان قريب والعادات متماثلة ، والكرم والشجاعة ونصرة المظلوم عنوان لهم. إنها رمز العزة والإباء، وعنفوان العظمة والكبرياء. 
وحال توجهك شرقا فأنت في الدير الذي يقابلك فاتحا ذراعيه لفراته، متلهفا بكل شوق لكل زائر، فرحا لقدومه، ومستعدا لإكرامه.   
ولا ننسى مدن الساحل بموانئها بانياس واللاذقية، هنالك السحر الحلال يسلب عقل الحليم ويتركه حيران، وثمة خليط عجيب من  المذاهب، وفي المحصلة فإن الناس يعيشون بسلم اجتماعي وبتفاهم وتناغم، ويسودهم التواد والتراحم. 
ولكن الأحرار في بلاد الشام المباركة تركوا كل ذلك خلفهم ظهريا، وأبوا إلا حياة عزيزة مرددين قول أبي الطيب المتنبي:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم.      بين طعن القنا وخفق البنود
واطلب العز فى لظى ودع     الذل ولو فى جنان الخلود
إنهم يعيشون بألم في انتظار أمل، أمل بحرية طعمها في البداية أشد من العلقم، ولونها أحمر قان، ولكنها تبشر بغد مشرق يسير الواحد منهم رافعا رأسه لا يخشى إلا الله. 
وكأن شوقي على موعد معهم مرة أخرى بعد ثمانين سنة من وفاته إذ يقول : 
وللحرية الحمراء باب         بكل يد مضرجة يدق
وفي عجز بيت آخر: 
وعز الشرق أوله دمشق.