آراؤهم

بين الشعبوية والحوكمـة!

إن وظيفة نائب مجلس الأمة هي وظيفة بالغة الأهمية، وتكمن أهمية نائب الأمة من مهامه التي ترتكز على أمرين: الأول “تشريع” القوانين التي تسري على كل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والثاني “الرقابة” على الأداء الحكومي (السلطة التنفيذية). وفي أثناء عضويته للبرلمان ستعترض النائب تحديات عدة منها عدم فهم بعض ما يُطرح من موضوعات سواءً في جلسات البرلمان أو لجانه، وتحدي ضغط الناس نحو قضايا معينة في وسائل التواصل الإجتماعي (ما يطلبه المشاهدون)، بالإضافة إلى عدم التنسيق النيابي النيابي (مخامط إنجازات!) أو الحكومي النيابي وغيرها من تحديات.

ومع الأهمية البالغة لوظيفة عضو مجلس الأمة إلا أن شروط الترشح لعضوية البرلمان قد تمثلت فيما يلي:
-أن يكون اسمه مدرجاً بجداول الانتخاب.
-ألا يقل سنه في يوم الانتخاب عن ٣٠ سنة.
-أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها.
-أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقاً للقانون.
-ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، كما يحرم من الانتخابات كل من أدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية.

ونلاحظ في الشروط السابقة أنها لا تتناسب مع أهمية المهمة البرلمانية والتحديات التي تواجه النائب، حيث أنها خلت من المؤهلات العلمية وكذلك المعارف الفنية/المهارية لوظيفة عضو مجلس الأمة. إذ كيف لنائب أن يوافق على موازنة الحكومة المليارية وهو لا يعي الفرق بين الأصول والخصوم؟ أو كيف لنائب سيشرع للدولة والناس وهو لا يُفرّق بين القانون والمشروع والاقتراح بقانون، أو كيف له أن يدير الاختلافات أو يتفاوض ويحاور ويُقنع وهو لم يمارسها أو يتدرّب عليها ويعرف أهميتها، وغيرها من مهارات ومعارف.

مما سبق نعتقد أننا بحاجة ماسة لـ “حوكمـة العمل البرلماني”، وأول ما يتم البدء به هو تطوير شروط العضوية والتي نقترح أن يكون المرشح لعضوية مجلس الأمة حاصلاً على مؤهل علمي جامعي من إحدى الجامعات المعتمدة لدى الجهاز الوطني للإعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، وأن يدخل المرشح برنامجاً تأهيلياً مكثفاً لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أثناء فترة الانتخابات لتدريبه على أبرز المعارف والمهارات اللازمة لممارسة مهامه وأدواره على أكمل وجه مثل صياغة القوانين وقراءة الميزانيات وأنواع ودرجات التشريع (قانون- مشروع بقانون- مقترح بقانون، إلخ..)وإدارة الاجتماعات والاختلافات، ومهارات الحوار والنقد البنّاء والتفاوض والإقناع، وبعد الانتهاء من البرنامج يتم اختبار المرشح اختباراً تحريرياً، ومن ينجح يستمر بالسباق الانتخابي ومن لا ينجح يتم شطب ترشحه للانتخابات، وبذلك نكون قد رفعنا مستوى “الأهلية والكفاءة” لعضو مجلس الأمة وهي من أهم مبادى الحوكمة.

بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً، فمن الجدير بعضو مجلس الأمة أن يكون له “وعي” Awareness يصحح تصوراته للأمور، و”قيم” values يحدد على أساسها مواقفه، و”مستشارين مُؤتمنين” يرشّدون توجهاته وقراراته، وإلا فيساهم النائب من حيث لا يشعر برداءة وفساد التشريع، أو سيكون عُرضة لضغط وسائل التواصل الاجتماعي نحو قضايا محددة يسميها البعض شعبية وذلك لكثرة المطالبين بها وليس بالضرورة لجدواها واستدامتها!.
وفي هذا السياق يقول د. غازي القصيبي:
“إنّ الذين يبحثون عن الشعبيّة يندر أن يجدوها. على المرء أن يُرضي ضميره، وأن يؤدي واجبه. إذا جاءت الشعبيّة بعد ذلك فبها ونعمت، أما إذا تناقضت متطلبات الشعبية مع متطلبات الواجب فيجب أن تكون للواجب الأولوية المطلقة.”

•ومضات•
الاستدامة كما يعرفها د. عمر الشهابي: تلبية حاجات وطموحات الجيل الحاضر دون الإخلال بالقدرة على تلبية احتياجات أجيال المستقبل.

الشعبية: هي أن تكون المطالب والمواقف لصالح الشعب وبذات الوقت تحقق الاستدامة.

الشعبوية: هي أن تكون المطالب والمواقف لصالح الشعب أو بعض فئاته وبذات الوقت لا تحقق الاستدامة.

د. عبدالرحمن بدر القصّار
متخصص بالحوكمـة
عضو هيئة تدريس – الجامعة العربية المفتوحة
X & Instagram: @Dr_aalqassar