أقلامهم

بدر الديحاني: مساهمة المواطنين في تحمّل عجز الميزانية تتطلب مشاركتهم في سلطة القرار

عجز الميزانية: المسؤولية بقدر السُّلطة 
كتب المقال: د. بدر الديحاني (dai7aani@gmail.com) 
القاعدة العامة هي “المسؤولية بقدر السلطة، ولا مسؤولية من دون محاسبة”، ولو طبّقنا هذه القاعدة على موضوع عجز الميزانية العامة المثار بقوة هذه الأيام لاتضح عدم مسؤولية المواطنين عن ذلك حيث لا سلطة فاعلة ومؤثرة لهم في إدارة المالية العامة للدولة، ومن ضمنها الميزانية العامة.
أضف إلى ذلك أنه في جميع مجالس الأمة السابقة على انفراد الحكومة بتغيير النظام الانتخابي، كانت سُلطة النواب مُقيّدة ومحدودة فيما يتعلق بإدارة المالية العامة للدولة، حيث لم تكن تؤهلهم لمعرفة كيفية إدارة المالية العامة أو تحديد التوجه العام للميزانية العامة وأولوياتها، بمعنى أن الحكومة هي التي كانت تتصرف مالياً كيفما تشاء، وفي حالة الاستجوابات فإن لديها دائماً أغلبية مريحة (ثلث مجلس الأمة مُعيّن، فالوزراء أعضاء فيه بحكم مناصبهم).
بعبارات أخرى، فإن مسؤولية العجز الحالي في الميزانية العامة للدولة لا يتحملها المواطنون أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة الذين تتجه الحكومة هذه الأيام إلى إلقاء أعبائه وتبعاته عليهم، بل تتحملها الحكومة، فهي مسؤولة دستورياً عن رسم السياسات واتخاذ القرارات العامة التي من المفترض ألا تترتب عليها تبعات مالية غير ضرورية، إلى جانب مسؤوليتها عن معالجة أوجه الهدر المالي واستنزاف الثروة الوطنية، ومكافحة الفساد المؤسسي، وبالذات استخدام الأموال العامة في غير أغراضها المشروعة، واستغلال الوظيفة العامة من قِبل كبار المسؤولين في الدولة قبل صغارهم من أجل مصالح ومنافع شخصية، أي منع تعارض المصالح والإثراء غير المشروع للموظفين العموميين، لاسيما كبار مسؤولي الدولة.
من هذا المنطلق فإن مساهمة المواطنين بأي شكل من الأشكال في تحمّل عجز الميزانية العامة للدولة تتطلب مشاركتهم في سلطة القرار، إذ كلما ارتفعت درجة مشاركتهم في صياغة السياسات العامة واتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة المالية العامة للدولة، ارتفعت، بالتالي، مسؤوليتهم عن نتائجها وآثارها والعكس صحيح.
وحيث إنه من المرجح، في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية، أن نواجه أوضاعاً مالية صعبة في القادم من الأيام تتطلب اتخاذ قرارات مصيرية تحافظ على ديمومة الثروة والعيش الكريم للمواطنين، فإن المطلوب هو محاسبة كبار المسؤولين عن عجز الميزانية العامة للدولة واستنزاف الثروة الوطنية ثم توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع السياسات العامة، ومن ضمنها السياسات الاقتصادية والمالية، بدلاً من بقائها، كما هو الوضع حالياً، في دائرة ضيقة للغاية، وذلك حتى يتحمل جميع المواطنين مسؤولية نجاحها أو فشلها في المستقبل، وهذا لن يتحقق ما لم يبدأ، كما ذكرنا مراراً وتكراراً، مشروع إصلاح سياسي ديمقراطي لدولة مدنيّة دستورية حديثة يشارك الجميع، من دون استثناء، في إدارتها وتحديد توجهاتها العامة على المستويات كافة، فهل نبدأ قبل فوات الآون؟