أقلامهم

عودة المدارس.. امتحان لكفاءة مؤسسات الدولة

تقف الكويت هذه الأيام أمام واحد من أهم تحديات تجاوز التداعيات السلبية، التي فرضها فيروس كورونا (كوفيد- 19) على مختلف أوجه الحياة الطبيعية، في بدايات العام الماضي، والمتمثل بعودة التعليم وفق النظام التقليدي (الكلي أو الجزئي) في بداية العام الدراسي المقبل، بعد إغلاق المدارس منذ فبراير 2020 والتوجه في العام الأخير نحو “التعليم عن بعد” (الأونلاين).

ورغم ضبابية المشهد بشأن عودة العمل بالمدارس، بكل تداعياته السياسية والشعبوية والفنية، فإنه من المهم تأكيد أن عودة التعليم التقليدي في الوقت الحالي، بعد عام من التعليم “أونلاين”، تعد أولى الأولويات المفترضة أمام مجلس الوزراء، بل يمكن اعتباره تحدياً تمتحن فيه كفاءة مؤسسات الدولة من عدمها، بعد أن قدمت وزارة التربية خطتها للعودة إلى الدراسة عبر التعليم المدمج (تقليدي وأونلاين) في الفصل الدراسي الأول، تمهيداً للعودة الكاملة للنظام التقليدي في الفصل الدراسي الثاني، شرط موافقة السلطات الصحية، مما يعني ضرورة التوسع في عمليات التطعيم لتحصين أكبر شريحة مستهدفة من المرتبطين بحقل التعليم، مدرسين أو إداريين أو طلاباً، إلى جانب إعطاء قيمة أكبر لإعلان مجلس الوزراء، هذا الأسبوع، انحساراً تدريجياً لحدة موجة إصابات كورونا، مما يعطي أولوية لعودة الأعمال الضرورية الخاصة بالتعليم والأعمال، وليس العودة المعاكسة للمنطق، كالتوسع في فتح المجمعات التجارية والمطاعم.

تكاليف ونتائج

ولعل مسألة العودة إلى المدارس في الكويت تأتي كأقل تحديات القضية التعليمية، التي تعاني منذ سنوات عديدة عدم اتساق النتائج مع ما يُنفق سنوياً على التعليم، فالكويت تنفق سنويا على التعليم العام -دون احتساب تكاليف التعليم العالي- 2.3 مليار دينار، أي ما يعادل 10% من إجمالي الانفاق العام في الميزانية العامة للدولة هذا العام، وما يوازي 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يتجاوز ما تنفقه دول مثل سنغافورة أو ألمانيا أو كندا على التعليم، أما النتائج فتأتي – حسب مؤشرات المنتدى الاقتصادي العالمي – أسوأ من حتى الدول الفقيرة بما بين 105 و97 عالمياً على مختلف المؤشرات المرتبطة بالتعليم، مع تأكيد أن المبلغ الضخم الذي تنفقه الكويت على التعليم العام يصرف بنحو 90 في المئة على رواتب العاملين في وزارة التربية، وليس مثلاً على برامج التدريب والتطوير وتنمية المهارات وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.

وقف التدهور

وهذا لا يعني فقط أن طريق إصلاح التعليم في الكويت طويل، بل يؤكد أيضاً أهمية وقف التدهور في التعليم العام بالعودة إلى الأوضاع الطبيعية لإمكانية إصلاحها، خصوصا في ظل تنامي المخاوف المرتبطة بكفاءة مهارات القراءة والكتابة والتكوين النفسي للطلاب، لا سيما في المراحل التأسيسية، فضلاً عن سهولة الغش والنجاح بنسب عالية تتجاوز المنطق للمراحل النهائية، الأمر الذي يعني أن السوء الذي يصيب مخرجات العملية التعليمية (التعليم الثانوي) بكل آثاره السلبية على التعليم العالي، ثم سوق العمل، لا يعد شيئاً، مقارنة بالتخريب الذي طال مدخلات التعليم (التعليم الابتدائي)، مما يعني أننا أمام تحدٍّ تنموي يؤثر في البداية على كفاءة التعليم، وصولاً إلى تعميق اختلالات سوق العمل.

تطوير «الأونلاين»

لا شك أن نظام “الأونلاين” بصيغته، التي تمت العام الماضي، ساهم بدرجة كبيرة في التخريب المتعمد للتعليم… وبالتالي، من المهم إيقافه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن “التعليم عن بعد” كجزء من المنهج التعليمي يمكن مراجعته بشكل علمي، ليكون مدخلاً لمناهج رقمية مرنة تراعي بدرجة معينة التطورات التكنولوجية، ليس لاعتماده كنظام تعليم بديل للتعليم التقليدي، حتى في فترات الطوارئ الخاصة بالجائحة، خصوصاً أن معظم الأنشطة التي تقل أهميتها عن التعليم قد عادت بشكل شبه كامل، كما كانت قبل الجائحة، مما يدعم فكرة إعادة العمل الكامل بالأنشطة الأكثر أهمية، وفي مقدمتها التعليم.

دعم وعبء

إن معاناة قطاع التعليم في الكويت نتيجة تراكمات من الإهمال والفشل على مدى سنوات طويلة، حتى بات شباب الكويت، الذين يفترض أنهم يمثلون عامل دعم للدولة ومؤسساتها، عبئاً على مؤسسات التعليم العالي؛ يتم تكديسهم في الجامعات الخاصة والجامعة الحكومية اليتيمة والبعثات الخارجية والكليات التطبيقية، دون اعتبار لجودة التعليم أو احتياجات سوق العمل، بل فقط لتجاوز أعباء القبول والضغوطات السياسية، التي يمكن أن تنشأ عن عدم قبولهم… وهذا الأمر يشكل تحدياً جوهرياً على المدى المتوسط على الأقل لسياسات إصلاح التعليم، التي لا يمكن أن تبدأ ما لم يواكبها إنقاذ كلي وواضح، لأكبر تحدٍّ يواجهها الآن، وهو إنقاذ البلد من تخريب جيل كامل معتمد على تعليم مزور باسم نظام “الأونلاين”.

«التعليم عن بعد» يمكن مراجعته وتطويره بشكل علمي ليكون مدخلاً لمناهج رقمية مرنة تراعي بدرجة معينة التطورات التكنولوجية

شباب الكويت الذين يفترض أنهم يمثلون عامل دعم للدولة ومؤسساتها باتوا عبئاً على مؤسسات التعليم العالي!

محمد البغلي / الجريدة