يبدو أنَّ ما حدث في مصر من ثورة أطاحت بنظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك لم يقتصر أثرها على تغيير نظام جثم على صدور المصريين قرابة الثلاثين عاماً بل تجاوز الأمر إلى ثورة على ما يمكن الإطلاق عليه بموروث شعبي لاقى عبر الأزمان معارضة لم يكن صداها يتجاوز حوائط المساجد.
تلك هي الثورة على تلك الأضرحة والقبور التي تنسب لمجموعة من الأولياء والصالحين ألف الناس زيارتها والتنسك حولها وتقديم النذور والقرابين علَّ ذلك يكشف عنهم كربة أو يمنحهم عطاء.
تلك الثورة التي أخذت اليوم طابع القوة والجرأة والمبادرة بتغيير ذلك الواقع حيث قام مجموعة من السلفيين بالمنوفية بسكب الكيروسين على الألواح الخشبية الخاصة بضريح سيدى عزالدين بمدينة تلا وأشعلوا بها النيران، مما أدى إلى احتراق الضريح بالكامل، وتمكنت قوات الدفاع المدنى من السيطرة على الحريق قبل امتداده للمسجد الملاصق للضريح، وتم تحرير محضر بالواقعة وباشرت النيابة التحقيق.
وفي غضون ذلك ألغت جامعة القاهرة ندوة الشيخ «محمد حسان» أحد القيادات السلفية، التى كان مقررا لها اليوم الاثنين بمدرج العيوطى فى كلية التجارة، خوفاً من حدوث صدام بين أنصار السلفيين من الطلاب من جهة وبين طلاب الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
فيما قالت مصادر إن إلغاء ندوة الشيخ حسان ليست له أى علاقة من قريب أو بعيد بجهاز أمن الدولة المنحل، وإن السبب الأساسى يرجع إلى تصاعد موجة السلفيين فى المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة، مشيرة إلى صعوبة السيطرة على الجامعة فى هذا الوقت، وأن وجود الشيخ حسان سيجمع عدداً كبيراً من السلفيين وهو الأمر الذى قد يؤدى إلى كارثة فى حال وقوع صدام بين الطلاب خاصة طلاب الإخوان والسلفيين.
ومن جانبه، قال الشيخ محمد حسان إن هناك حملة إعلامية ضد الإسلام، للتخويف منه بصفة عامة، وأضاف، خلال محاضرته بمسجد التوحيد بشبرا الخيمة مساء أمس الأول، إن مصر عاشت حالة من الفزع، بسبب تضخيم أصحاب الفضائيات للأحداث، مشيرا إلى أن الإسلام ما كان متهما ولن يكون قط.
ومن ناحيتها رفضت الأمانة العامة للفتوى بدار الإفتاء نقل مقابر الأولياء والعلماء والصالحين إلى أطراف محافظة القاهرة، مؤكدة أن الحفاظ على تلك القبور وإحياءها بالزيارة «هو الذى جَرى عليه عملُ المسلمين سَلَفاً وخَلَفاً، وأنه لا يجوز نقلها شرعاً».
وقالت الأمانة، فى ردها على ما ورد إليها من محافظة القاهرة: «لا يجوز شرعاً نقل المقابر إلا بشروط شرعية عدة، منها وجود مالكين على قيد الحياة للمقابر (أشخاصاً كانوا أو جهات) حيث أكد أهل الخبرة أن أجساد الموتى بها قد تحولت إلى الصورة الترابية»، مشددة على أنه لا يجوز للدولة إجبار ملاك هذه المقابر «إن وجدوا» على البيع أو التنازل بغير رضاهم الكامل.
وأوضحت الأمانة أنه يستثنى من تلك الإجازة نقل مقابر العلماء والأولياء والصالحين، التى لا يجوز مطلقاً نبشها بغرض نقلها وما كان منها موقوفاً، كمقابر سفح المقطم، لافتة إلى أن تجميل هذه المناطق وتشجيرها وتخضيرها أمر حسنٌ مندوب إليه، وكذلك إخلاؤها وتطهيرها من المجرمين أمر واجب لازم، ويمكن إدراك وتحصيل هذا كله مع الحفاظ عليها فى صورة المقابر.
وأكدت أمانة الفتوى أن «هذه المقابر جزء من هوية الأمة وركن من تاريخها، فقطاعٌ كبير منها يُعَدُّ أحد معالم القاهرة الفاطمية والمملوكية والعثمانية، مما يجعلها تمثل تراثاً معمارياً تاريخياً لابُدّ من المحافظة عليه، ويجعل وجودها مرتبطاً بمواثيق دولية متعلقة بالمنع من هدم الآثار، وكثير من دول العالم الموصوفة بالتقدم والرقى الحضارى توجد مدافنها فى وسط مدنها أو حولها بلا غضاضة، بل هى من المزارات السياحية ومعالم الجمال فى هذه البلاد».
ولفتت الأمانة فى ردها إلى أن التذرع بإرادة تحويل هذه المنطقة إلى مساحة خضراء ليس من باب الضرورة العامة، ولا هو من قبيل الحاجة التى تنزل منزلة الضرورة، لأن الذى يقع فى رتبة الضرورات ما تعلّق بحفظ أحد المقاصد الشرعية الخمسة، وهى: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، بحيث يَختَلّ أحدها لو لم يتم ذلك، وكذلك لا يترتب على تفويته بخصوصه مشقةٌ تَلحَق بالخَلق.
أضف تعليق