آراؤهم كتاب سبر

شعر اللفظ وشعر المعنى!!

على غرار ماسطره يراعي الأديب أحمد أمين في مقاله الماتع أدب اللفظ وأدب المعنى، نريد أن نتكلم عن شعر اللفظ وشعر المعنى، ولا نريد أن نبحث تعريف علماء الفن للبلاغة، كما فعل أحمد أمين، حتى تسلم مقدماته من الخطل فتسلم له النتائج، نحن نريد في هذا المقال أن نسلط الضوء على بعض الأبيات التي اهتم شعراؤها باللفظ تارة، وبالمعنى تارة أخرى، وإن كنت من وجهة نظري لا أحب التساهل في سبك البيت بحيث يكون كأنه جملة بسيطة تدرس لطلاب المرحلة الابتدائية، ولا أحب الإغراق والتعمق في طلب المعنى بشكل يضفي على البيت طابع الألغاز، وخير الأمور أوسطها، والآن أضع لك أخي القارئ بيت اهتم راعيه باللفظ فقط دون المعنى، وهو قوله:

الله يبيض وجه بعض الرجاجيل
والا بعضهم سود الله وجهه
فالبيت هذا حقيقة لا يستحق أن يأخذ مكانا بين الجواهر الجميلة التي زينت عقد القصيدة، فالبيت لا يعدو أن يكون جملة مفيدة، بل لو وضع في جملة لكان أوجز وأجمل!!، فالشعر ضرب من ضروب الإبداع والفن، فلابد ألا تغيب أسمى صفات الشعر، وهي الجمال، فالشعر كالعدسة المكبرة تبحث عن الجمال في كلام الناس وتضعه في قالب جميل ليمتع المتلقي، أما الطريقة التي صاغ فيها الشاعر بيته فطريقة سطحية جدا، استهجنها الأدباء منذ القدم، فالجاحظ على سبيل المثال استهجن قول الشاعر:

لا تحسبن الموت موت البلى
فانما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا
أفظع من ذا لذل السؤال
وقال: إن قائل هذه الأبيات لا يمكن أن يكون شاعرا، ولولا مخافة الاستهزاء لقلت وابنه كذلك!!
 أما الفريق الآخر الذي جعل المعنى هو الأساس، ولو كان على حساب اللفظ وجمالية السبك، فلا أريد ضرب أمثله لهم؛ فشعراء الحداثة ليسوا عنا ببعيدين، نظرة عابرة فقط في أي نص لأي شاعر حداثي تتضح لك الحال المؤسفة التي وصل إليها القوم، حتى أصبحت نصوصهم أشبه بهذيان المجانين!!
 أما الفريق الثالث فهو بمثابة نقطة التقاء النهرين، نهر اللفظ ونهر المعنى، فهم أخذوا من كل فريق مزاياه، وشاركوا كل طائفة بما تملك من جمال وتفردوا بالكمال الإبداعي، وهم بحمدالله كثر، ولولا وجودهم لقلنا على الشعر الشعبي السلام، وأضرب مثالاً برجل من الرعيل الأول وهو فهد عافت، انظر كيف مزج المعنى باللفظ وأظهر الجمال في أبهى صوره في شطره الذي قال فيه: ( جنون استقبل الوردة من اللي يذبح الساقي ) فكم ترك للمتلقي مساحات شاسعة يطلق لفكره فيها العنان للتامل والتلذذ بجمال وكيفية تقرير هذه الحقيقة المؤلمة، فكيف تستطيع أن تاخذ الوردة وهي من رموز اللطف والرقة ممن لطخت يداه بدماء الابرياء!!!، واختم بمثال لشاعر من جيل الشباب وهو المبدع محمد بن فطيس عندما قال:

تبي تشوف اشجع رجل في حياتك
شفني وانا مقفي على كثر ما اغليك
فكم حمل هذا البيت من شموخ وعزة مع الاعتراف بسطوة وقساوة لحظات الوداع، هكذا يكون الإبداع وهذا هو الشعر الذي يستحق القراءة وأما غير هذا فلا يستحق أن يسمى شعرا!!!.
أبو الجوهرة
عبدالكريم دوخي المنيعي
تويتر:do5y