اقتصاد

الكويت تلتفت الى صناعة الطاقة النووية

بعد قلة اكتراث دامت عقوداً من الزمن، التفتت دول عربية إلى الطاقة النووية السلمية، وبدأت العمل بجد على جعلها مصدراً رئيسياً للطاقة حيث أبدت بلدان مجلس التعاون الخليجية اهتماما متزايداً بإنتاج الطاقة النووية بما فيها الكويت و قطر، غير أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت السباقة في هذا المجال حيث بدأت خطوات جادة لتأسيس الأطر القانونية والتنظيمية لتأسيس هذه الصناعة الجديدة والتي قطعت فيها أشواطا متقدمة.
بعقود بلغت عشرات المليارات من الدولارات، استطاعت مجموعة من الدول العربية أبرزها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر إنعاش صناعة الطاقة النووية السلمية على المستوى العالمي بعد أن عانت هذه الصناعة بشدة إثر موجة المد البحري العاتية (تسونامي) التي ضربت عددا من مفاعلات الطاقة النووية في اليابان في مارس/آذار 2011 وأيضا إثر انفجار مفاعل تشيرنوبيل الروسي في أبريل/نيسان عام 1986.
فقد أعلنت الإمارات بتاريخ 23-12-2009 تدشين برنامجها النووي السلمي، من خلال الإعلان عن إقامة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، على أن يبدأ البناء الفعلي للمحطات في عام 2012. وبتاريخ 27-12-2009 منحت الإمارات عقداً بقيمة 40 مليار دولار لكونسورتيوم كوري جنوبي لبناء مفاعلات نووية وتشغيلها بصورة مشتركة لمدة 60 عاما.
تتشكل صناعة الطاقة النووية السلمية بصورة سريعة في المنطقة في الوقت الذي يبدأ معه إطلاق أول برنامج مستقل للطاقة النووية السلمية في العالم العربي وفقاً لما ذكرته شركة متخصصة في الاستشارات الهندسية وإدارة الأمان والمخاطر.
نمو سريع
يقول بات لولس، الرئيس التنفيذي لشركة (اي اس آر تكنولوجي) الشركة الاستشارية الرائدة في الهندسة وإدارة الأمان والمخاطر التي تعمل في المملكة المتحدة والشرق الأوسط: أنه في الوقت الذي تلعب فيه صناعة الغاز و النفط دورا حيويا بالنسبة لاقتصادات دول الخليج العربي، بدأنا نلاحظ بروز صناعة تكنولوجية جديدة تنمو بسرعة في المنطقة تتمثل في إنتاج الطاقة النووية خصوصا من قبل دولة الإمارات التي تعمل في هذا الاتجاه من خلال خططها الخاصة بإنتاج الطاقة النووية» . وتقدر استثمارات الإمارات المتوقعة لبرامج إنتاج الطاقة بـ60 مليار دولار أمريكي.
ووقعت الإمارات عدداً من مذكرات التفاهم حول الطاقة النووية مع كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة واليابان. يقول مايكل بامبوس نائب رئيس (اى اس ار تكنولوجي) في الإمارات: «اعتقد أن إنتاج الطاقة النووية سوف يوفر للإمارات واحدا من الطرق الأفضل لتنويع مصادر الطاقة بدلا من الاعتماد الشديد على الغاز الطبيعي، وفي الوقت نفسه سيساهم في التقليل من الانبعاثات الكربونية التي تعد الأعلى على مستوى العالم».
ويرى بامبوس: «أن بدء الإمارات لبرنامجها النووي، يستدعي استصدار التراخيص والنظم المطلوبة للتأكد من تطبيق متطلبات السلامة خلال عمليات التصميم والبناء والتشغيل والصيانة إضافة إلى مراحل إنهاء عمل المفاعلات النووية في المستقبل».
خيار واعد
ومن جانبه يضيف لويس : «استنادا إلى السمعة الطيبة التي تحظى بها (اي آر آر تكنولوجي) في هيئة الطاقة الذرية البريطانية والأعمال التي ننفذها لصناعة الطاقة عالميا، فان الشركة تأمل أن تكون جزءا من نمو صناعة الطاقة النووية في المنطقة وأن تقوم بتقديم خبراتها الواسعة والفريدة في المجالات الفنية والإدارية وإصدار التراخيص التنظيمية التي يمكن أن تساهم بها في صناعة الطاقة الواعدة في الإمارات العربية المتحدة» .
وذكرت دراسة لحكومة دولة الإمارات أن الطلب على الكهرباء في الدولة يتوقع أن يرتفع سنويا إلى أكثر من 40.000 ميغاوات بحلول عام 2020 بنسبة نمو تصل إلى 9 % سنوياً. وأشارت الدراسة إلى أن كميات الغاز الطبيعي غير كافية لتلبية الطلب على تشغيل معامل إنتاج الطاقة إضافة إلى ما تخلفه المحروقات النفطية المستخدمة في إنتاج الطاقة من مشاكل للبيئة.
وقد برز موضوع إنتاج الطاقة في الدراسة «كخيار واعد من ناحية ملائمته للبيئة وعائداته التجارية التي يمكن أن تساهم بصورة كبيرة في اقتصاد الإمارات وتأمين الطاقة المستقبلية لها».
طموحات سعودية
ومن جانبها تتبنى السعودية طموحات ضخمة في مجال الطاقة النووية تكفي لإرساء عقود بمليارات الدولارات على عدد من الشركات المتخصصة في بناء المفاعلات نووية تضمن لها العمل في صحراء المملكة لعقود مقبلة .
وتنتظر السعودية وفقا لتقرير أعدته وكالة أنباء رويترز، بعض التطورات العلمية في صناعة المفاعلات النووية تتعلق بتطوير الجيل الثالث وتصميم مفاعلات صغيرة لتبدأ بتنفيذ خطة طموحة لبناء عدد من المحطات النووية، ستجعلها من أكبر أسواق صناعة المحطات النووية. تتبنى السعودية طموحات ضخمة في مجال الطاقة النووية تكفي لإرساء عقود بمليارات الدولارات على عدد من الشركات المتخصصة في بناء مفاعلات نووية تضمن لها العمل في صحراء المملكة لعقود قادمة.
وإثر تراجع أنشطة شركات بناء المفاعلات النووية حول العالم عقب كارثة تسونامي في اليابان، وما نتج عنها من خلل في مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان، وهو ما تسبب في أسوأ أزمة نووية عالمية منذ كارثة المفاعل الروسي تشرنوبيل عام 1985 اشتدت المعارضة للطاقة النووية في كثير من الدول إلى جانب ارتفاع تكلفة البناء.
عودة الشعبية
غير أن التكنولوجيا النووية عادت لتكتسب شعبية في الشرق الأوسط حيث تؤدي زيادة الطلب على الكهرباء إلى تقلص صادرات النفط والغاز. وفي أواخر 2009 اختارت الإمارات كونسورتيوم شركات كورية لبناء أول محطة كهرباء نووية في الخليج محطمة آمال قطاع الصناعة النووية في فرنسا في بناء محطة قرب العاصمة أبوظبي.
لكن قد يكون للشركات الفرنسية نصيب في البرنامج النووي الأضخم في السعودية مع عزم الرياض على بناء محطات بطاقة تصل إلى 17 ألف ميغاوات لتصبح واحدة من أكبر الأسواق في العالم خلال العقدين المقبلين. وشيدت مجموعة المحطات النووية في فرنسا اعتمادا على نوع واحد من التكنولوجيا وتتسم مثل هذه الاستراتيجية بكثير من المزايا من الناحية الاقتصادية.
لكن وليد أبو الفرج نائب رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة والمسؤول عن توجيه الخطط النووية للمملكة قال إن التوجه المرجح هو بناء مجموعة محطات مختلفة لتلبية الطلب سريع النمو على الكهرباء. وأضاف أبو الفرج أن ثمة مزايا فريدة لتنويع التكنولوجيات المطلوبة من حيث توفير فرص عمل ونقل المعرفة مضيفا أن جميع الدول التي تتصدر المنافسة حاليا سبق للسعودية أن وقعت معها اتفاقيات تعاون نووي وهي فرنسا وكوريا والصين والأرجنتين.
تفضيل المفاعلات الأصغر
ومن بين الشركات العالمية التي تشتهر حالياً ببناء مفاعلات الجيل الثالث تبرز شركات ميتسوبيشي وأريفا الفرنسية وتوشيبا كورب ووستنغهاوس وجي.إي هيتاشي وكيبكو الكورية.
وتحرص السعودية على الاستعانة بمفاعلات أصغر في المجمعات الصناعية ولكن أبو الفرج ذكر أن السعودية ستمتنع عن شرائها إلى حين صدور لوائح عالمية أوضح بشأن استخدامها.
وهناك 435 مفاعلا نوويا للأغراض السلمية تعمل حول العالم إلى جانب 67 مفاعلا قيد التنفيذ. ويقول الاتحاد العالمي للطاقة النووية إن طموحات المملكة النووية متواضعة مقارنة بالصين التي تشيد محطات بطاقة 29.9 غيغاوات وتعتزم بناء محطات أخرى بطاقة 59.8 غيغاوات.
وتبني الهند محطات بطاقة 5300 ميغاوات وتنوي بناء مفاعلات أخرى بطاقة 15100 ميجاوات على الأقل في حين تبني روسيا مفاعلا بطاقة 9.16 غيغاوات وتخطط لتشييد آخر بطاقة 24 غيغاوات. وتظل السعودية أحد أكبر أسواق التصدير المحتملة للشركات المشيدة للمفاعلات النووية حول العالم خلال العقدين المقبلين إذ أن الصين تشيد عددا أكبر من مفاعلاتها النووية ودائما ما تفعل روسيا ذلك.
وفي هذا الصدد قال جوناثان كوب المحلل في (دبليو.ان.ايه) وهو رابطة عالمية لشركات الطاقة النووية أنه «بمقدور السعودية أن تصبح سوقا هامة للصناعة النووية على مستوى العالم». وأضاف «يتميز العمل مع عدد من الشركات بمنح دول حديثة العهد بالطاقة النووية خبرة أوسع مع العمل مع لاعبين رئيسيين في الصناعة العالمية. اختارت الصين التعاون مع أكثر من شركة وأفاد ذلك برنامجها النووي الطموح كثيرا».
ويشير حجم البرنامج السعودي إلى تشييد 11 مفاعلا كبيرا على الأقل أو أكثر في حالة الجمع بين أكثر من نوع من المفاعلات. وتبلغ طاقة أكبرها 1630 ميغاوات.
ويبدو أن السعودية عازمة على بناء أكثر من نوع واحد. ولن تلتفت دولة تحاول توفير ملايين البراميل من النفط الثمين تهدرها محطات الكهرباء في فصل الصيف من كل عام لبضعة عوامل تعوق بناء مفاعلات جديدة في أماكن أخرى مثل معارضة أنصار البيئة وتذبذب الأسعار في سوق الطاقة وارتفاع تكلفة البناء الأولية وطول مدة التنفيذ.
وقال لويس ايتشيفاري مدير وكالة الطاقة النووية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا «لا تواجه السعودية المشكلة التي تعترض بناء محطات نووية حاليا ألا وهي القدرة المالية لتنفيذ ذلك». وأضاف أن البرنامج السعودي ضخم إلى حد يبرر الاستعانة بنوعين من تكنولوجيا محطات الطاقة النووية.
مصر والهند
بدأ البرنامج المصري كمشروع في الوقت ذاته الذي بدأت فيه الهند مشروعها النووي. وكان المشروعان المصري والهندي حسبما ذكرت ويكيبيديا بمثابة توأمين ترعاهما علاقة وثيقة ربطت بين الزعيم المصري جمال عبد الناصر والزعيم الهندي جواهر لال نهرو، لكن مصر أخفقت فيما نجحت الهند، التي تستطيع الآن تصنيع محطة نووية بأكملها دون حاجة إلي خبرة الخارج، كما تملك ما يزيد عن 30 قنبلة نووية!.
و قد مرت مصر بثلاثة فرص حقيقية لتنفيذ برنامجها النووي الذي لا يزال يتطور حتى الآن. إلا أن المتغيرات من الظروف السياسية، والاقتصادية، والكارثية أحياناً تسببت في توقف أو بطء تنفيذ البرنامج النووي المصري.
وتحاول مصر حاليا إعادة مشروعها النووي للمرة الرابعة على التوالي. وذلك لتوفير الطاقة الكهربائية لتقليل الاعتماد على النفط والغاز في إنتاج الطاقة. على الرغم من أن عمر البرنامج أصبح الآن 50 عاما منذ انطلاق فكرته لأول مرة.
وخلال المفاوضات التي جرت مطلع الأسبوع الماضي في موسكو بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والمصري محمد مرسي، اقترحت مصر على الجانب الروسي المشاركة في التطوير المشترك لمناجم اليورانيوم في مصر، وذلك حسبما أعلن وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك.
كما اقترح الجانب المصري أيضا «إرسال وفد إلى القاهرة لاستئناف التعاون في مجال تطوير الطاقة النووية السلمية»، وهو ما فسر على أنه إشارة إلى نية بناء محطات جديدة للطاقة النووية في مصر.
ووافق الجانب الروسي على هذا الاقتراح، وكما أفاد الوزير، فإن مصر تخطط حتى العام 2025 لبناء محطة نووية بقدرة 4 غيغاوات.
الأردن يرفض
في 31/5/ 2012 صوت مجلس النواب الأردني الأربعاء لصالح وقف العمل في برنامج الطاقة النووية بسبب مخاوف متعلقة بالتمويل، مما يعني وقف مشروع كانت عمّان توليه أولوية باعتباره حلا لمشاكل الطاقة المزمنة في البلاد.
وطالب المجلس بالوقف الكامل للمشروع إلى حين إعداد دراسة جدوى اقتصادية وتوفير التمويل اللازم، والاتفاق على موقع مناسب لإقامة محطة طاقة نووية تراعي المتطلبات الدولية. وتأتي الخطوة في أعقاب تقرير برلماني تم طرحه استنادا إلى مسؤولين سابقين وخبراء يشككون في تقديرات عمان بأنها تمتلك 140 ألف طن من اليورانيوم في البلاد.
ويشير التقرير في المقابل إلى احتياطيات لا تتجاوز 12 ألف طن، ويضيف أن جزءا كبيرا منها عديم الجدوى من الناحية الاقتصادية. وهاجم التقرير أيضا تكلفة الإنشاء الرسمية البالغة قيمتها 5 مليارات دولار لإقامة أول مفاعل في البلاد، ويقول نواب إن تكاليف نقل النفايات والتفكيك سيجعل ثمن المفاعل يتجاوز 15 مليار دولار.
وفي سياق متصل، صوت النواب الأردنيون لصالح وقف اتفاقية الأردن للتعدين مع شركة الطاقة العملاقة الفرنسية «أريفا» التي تقوم حاليا بالتنقيب عن اليورانيوم في وسط البلاد.
موضوع كبير
وتزامن ذلك مع تصاعد حركة مناهضة لاستخدام الطاقة النووية في الأردن، حيث يخشى علماء البيئة من العبء المحتمل للمشروع على العجز في ميزانية البلاد، ويشكون في قدرة الأردن رابع أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائية- على تبريد المفاعلات النووية.
لكن مؤخراً أكد رئيس الوزراء الأردني الجديد عبد الله النسور أن موضوع الطاقة النووية في الأردن هو موضوع كبير وقد يكون موضوع المستقبل في الأردن. وأضاف خلال جلسة عقدها مجلس النواب، إن موضوع اليورانيوم والطاقة النووية في الأردن تدور حوله وجهات نظر مختلفة وهذا أمر صحي ويحدث في كافة المجتمعات الديمقراطية.
وأضاف: نتفق أن موضوع إقامة محطة نووية سلمية لإنتاج الطاقة واليورانيوم المتوفر في الأردن موضوع كبير، وموضوع وطن يتعلق بثروة كبيرة»، مبينا أن كافة البيانات التي زود بها تدل على وجود ثروة حقيقية في الأردن من اليورانيوم، والدراسات والبيانات ودراسات الشركات العالمية تؤكد بأن لدينا في الأردن كميات كبيرة من اليورانيوم تكفينا لمدة 150 عاما قادمة ويمكن استغلالها أبضا في إنتاج الطاقة.
وأكد «أننا لا يمكن أن نعتمد في الوقوف على هذا الموضوع الوطني الكبير على آراء متفرقة أو جمعيات حتى نضع مشروع اليورانيوم جانبا، فهذا موضوع عام وستوليه الحكومة قيمته الحقيقية».