أقلامهم

ليش يا مسلّم..؟!

لا توجد في التاريخ “حركة احتجاجية تصعيدية” دائمة…ما يوجد هو عبارة عن “موجات” تصاعدية وتنازلية تطول وتقصر، ولا توجد “ثورة دائمة”، فالثائر في واقع غير ثوري في أي مكان بالعالم يتحول مع الوقت إلى إنسان “أهبل” يسير خارج سياق الواقع إلى أن يتمكن منه الخيال فيصبح وحيداً معزولاً عن الناس تدريجياً لأنه يقصر تفكيره على ما يدور في ذهنه وليس في الواقع وتناقضاته والناس وظروفهم وطبيعة قدراتهم..

وما اتعس السياسي الذي يعمل بعيداً عن الواقع والناس. فالسياسي، أو بالأحرى المناضل السياسي الوطني الديمقراطي الناجح، هو من يفكر موضوعياً في الواقع ثم يعمل على المساهمة في تغيير هذا الواقع إلى أن تنضج التناقضات وتتحقق الحالة الثورية أو الحالة التغييرية التي لا يعود فيها المحكومون يقبلون بأن يُحكموا بالطريقة السابقة؛ ولا يصبح فيها الحاكمون قادرين على الحكم بالطريقة السابقة، وتتسع فيها حركة الجماهير وتقوى ولا يمكن السيطرة عليها، وهو الأمر غير المتحقق الآن.

أما اليوم فإن مزاج الناس يميل نحو التهدئة وخاصة بعد سلسلة من القوانين المقيدة للحريات والمعطلة لفعل وإرادة التطور، وتشديد القبضة الأمنية. وهذا شيء مفهوم ومبرر… فالمهمة الرئيسية تقع على الساسة في توفير بيئة مناسبة وميزان قوى ملائم لحركة الناس والتصدي لمثل هذه القوانين ولفك القيد من على حركة الناس.

دخل البراك السجن وخرج منه يوم الجمعة الماضية بخطاب تقليدي لم يلبى طموحنا بالتغيير و دون أن نشعر أنه تغير كي يغيرنا مما سبب لي بوادر لخيبة أمل، لكن سرعان ما أنقذنا بخطابه التاريخي الاثنين الماضي.

إن ما طرحه البراك في خطابه الاثنين الماضي إنما هو خطاب يأتي في السياق الواقعي لحركة الجماهير والتطور الطبيعي للمجتمع، ولعل ما غاب عن الكثير أنه مثلما لاتوجد ثورة دائمة فإنه بالمقابل لا يوجد هدوء دائم، فهذا الهدوء الذي اتسم به “خطاب البراك” لن يستمر طويلا خصوصا ما لم يجد له آذاناً صاغية من كل الأطراف وعقولاً مبادرة وبصيرة مدركة لما ستؤول له مجريات الأحداث. هو فرصة تاريخية لكل الأطراف لالتقاط انفاسها وأخذ نفس عميق للتفكير من جديد وبأسلوب مختلف.

إن قدر الملهم والمناضل هو السعي لإحداث التغيير والتضحية…فالتضحية دون تغيير هي مجرد خسائر تثقل كاهل المناضل وتحوله مع مرور الوقت إلى العدمية، بحيث لا يشعر بفائدة من كل ذلك.

اخيراً لنتذكر أن اسياد قريش لم يكونوا أصحاب فكرة بل كانوا أصحاب سلطة، ومحمد (ص) واتباعه لم يكونوا أصحاب سلطة بل أصحاب فكرة، ومع مرور الوقت وبعد (صلح) الحديبية، الذي بدا كأنه تراجع فقد انتصرت الفكرة على السلطة.