فن وثقافة

دراما #رمضان ..
“العاصوف”.. نبش التاريخ والتجنّي عليه

رغم أن الحكم على أي عمل فني أو منتج ثقافي لا يمكن أن يكون دقيقاً وموضوعياً ما لم يكن منتهياً، وواضح المرامي والأهداف، إلا أن ما أثاره مسلسل العاصوف للفنان ناصر القصبي من الجدل بسبب أفكاره التي ترصد الواقع السعودي خلال فترة السبعينات، يدفعنا إلى التوقف عنده مبكراً، نظراً لأهمية الموضوع الذي يتناوله المسلسل، خاصة وأنه يناقش مرحلة مهمة من تاريخ المملكة، ويعرض صور الماضي في مجتمع اتسم بالمحافظة على العادات والتقاليد منذ زمن بعيد. وهو ما جعله يفجر جدلاً واسعاً في الشارع السعودي تجلى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك منذ بث الحلقة الأولى منه.

ومع أنه يعد عملاً درامياً مميزاً باعتماده على الأرشيف، والمشاهد والصور القديمة والملامح التاريخية، ومحاولة تجسيد تلك الصورة التي كانت قائمة في تلك المرحلة، بيد أن من الطبيعي القول إن الحلقات الأولى مع الأسف لم تكن موفقة، وهذا الرأي ليس من باب التسرع في الأحكام أو العاطفة في معالجة الأمور، كما يحلو للبعض أن يزعموا، ولكن لأن بعض المشاهد التي احتوتها الحلقات الأولى يمكن وصفها بأنها تمثل “تجنّياً على تاريخ آبائنا وأجدادنا” وموروثنا الأصيل، إضافة إلى أنها “تعطي انطباعاً سيئاً عن السعوديين” في ذلك الوقت من تاريخ المملكة، رغم أن القائمين على هذا العمل الدرامي يقولون: إنه يسعى إلى إظهار الصورة الحقيقية للسعوديين قبل “الصحوة” ويكشف المسكوت عنه.

ومع أننا لا نريد الحكم مسبقاً إلا أن ثمة تساؤلات كثيرة حول ما عرض في الحلقة الأولى كمشهد الطفل اللقيط، أو المرأة التي تنتظر خروج زوجها من أجل خيانته مع رجل آخر، وهو ما فجر موجة استياء واسعة. وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن المرامي الفكرية للمسلسل تصب في محاربة التطرف، لكن أحداً لا يمكنه الزعم بأن محاربة التطرف تبدأ من مهاجمة القيم والمبادئ، لأن هذه القيم والمبادئ والعادات، كانت ومازالت السياج الحصين بالنسبة للمجتمع، فضلاً عن أن الحديث عن قصص كهذه في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة حساسة، من شأنه أن يفتح ثغرات تسمح لكل متطفل أو أجنبي متآمر للعبور من خلالها، واستغلالها استغلالاً ردئياً، من أجل استهداف المملكة والتهجم عليها وعلى تاريخها ومجتمعها، وتشويه صورة المجتمع والنيل من خصوصيته.

صحيح أن في تاريخ كل أمة هناك مراحل قد يتم تجاوزها بسبب آلية التطور الطبيعي للمجتمعات، إلا أن النبش في الماضي لأجل الاستفادة منه في الحاضر والمستقبل شيء، ونبش الماضي لإظهار كل ما هو سلبي شيء آخر، وهو ما أثار الجدل الكبير حول مسلسل “العاصوف”.