محليات

ثروة قومية تقدر بـ7 آلاف كيلومتر من الطرق أحوج ما تكون إلى عودة اللجنة الفنية الاستشارية تحت مظلة مجلس الوزراء

يعتبر ارتفاع وتطور مستوى شبكات النقل معيارا واضحا يدل على مدى رقي وتقدم المجتمعات والدول في جميع أنحاء العالم.

وعلى النقيض من الهدف المنشود من الحكومات المتوالية على مدار السنوات العشر الماضية لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي بحلول عام 2035، تحولت طرق الكويت إلى ما يشبه “كعب أخيل ” الذي يفسد بضعفه وسوء أوضاعه كل إنجاز يتحقق على المستوى العام في البلاد.

فما إن يشيد صرح أو ينجز مشروع عملاق حتى ينسى الجميع الإضافة التي تحققت بمجرد استخدامهم لشبكات الطرق السيئة والمتواضعة والتي لا ينسجم مستواها مع رؤية رفع مؤشر التنافسية العالمية بتشييد بنية تحتية متطورة، ولا مع حجم الانفاق عليها والذي يقدر بمليارات الدنانير لتغطية تكاليف الإنفاق على استيراد الموارد الطبيعية لصناعة الطرق وتكاليف عمليات الإنشاء والرقابة والصيانة الدورية.

كما تؤكد النظرة السريعة على مؤشر جودة الطرق مقدار ما وصلت إليه مرتبة الكويت من استمرار تراجع ترتيبها من سيء إلى أسوأ طوال السنوات العشر الأخيرة.

فقد احتلت الكويت المرتبة الخامسة عام 2010 خلف كل من الإمارات وعمان والسعودية والبحرين وهو ما لا يليق بدولة لها ما يقارب 40 سنة من الخبرة في مجال رصف وصيانة الطرق، ثم أخذت تنحدر بالترتيب عاما بعد عام حتى وصلت في العام 2019 للمرتبة العاشرة عربيا خلف كل من مصر والمغرب والأردن والجزائر، وهي الدول التي احتلت المراكز من السادس وحتى التاسع على التوالي فيما كانت المراكز الخمس الأول من نصيب دول مجلس التعاون وفي الصدارة دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة قطر، التي كانت تحتل المركز السابع خلف الكويت عام 2010.

وبحسب مصادر أكاديمية شاركت في عدد من لجان التحقيق التي شكلت في الوزارة على مدار السنوات الست الأخيرة لدراسة أسباب تدهور الطرق، فإنه من المستبعد تحقيق أي إنجاز ملموس في حل مشكلة تطاير الحصى، طالما ينتهج الوزراء المتعاقبين على الوزارة مبدأ إلغاء قرارات من سبقهم دون دراسة، وتفضيل الحلول التي يطرحها غير ذوي الاختصاص بطرق انتقائية لا تتماشى مع تطبيق توصيات اللجان الفنية السابقة بشمولية والتزام.

ولإثبات ذلك تشير المصادر إلى أنه من إجمالي 42 توصية رفعتها 5 لجان تحقيق متخصصة إلى وزراء الأشغال المتعاقبين ومجلس الوزراء بهدف تحسين جودة الطرق ومواجهة تطاير الحصى طبقت الوزارة على استحياء توصية واحدة هي: استبدال الخلطة الإسفلتية المعروفة ب “خلطة مارشال” بالخلطة الإسفلتية الجديدة المارشال المحسن و”السوبر بيف” بالرغم من أن أحدا لم يجزم حتى الآن بأن خلطة مارشال المستخدمة في صناعة الطرق منذ الحرب العالمية الثانية هي السبب في الظاهرة من عدمها، كما أن أحدا في الكويت كذلك لا يستطيع أن يجزم بعدم تكرار التطاير في المناطق التي رصفت باستخدام الخلطة الجديدة لسبب بسيط، وهو أن التطاير يحتاج إلى وقت لحدوثه وأنه من المبكر جدا الحكم على الخلطة الجديدة.

وبحسب تقدير الخبراء فإن الكويت تملك نحو 7 آلاف كيلو متر من الطرق تكلفة إنشاء الكيلو متر الواحد مليون دينار بخلاف الجسور والأنفاق – وبعيدا عن تكلفة الصيانة التي لا تقل عن 50 مليون دينار سنويا – ما يعنى أن لدينا استثمار يزيد حجمه عن 7 مليارات دينار كويتي مما يحتم علينا معرفة أهم عوامل المحافظة على تلك الأصول وهي كيفية إجراء صيانة فاعلة.

إلا أن هذا الأمر لم يتحقق بشكله الصحيح على أرض الواقع حيث أنه تم تبني وتطبيق خلطة اسفلتية جديدة على عجالة وبدون دراسة علمية فنية مسبقة تثبت جدارتها وما زاد الأمر تعقيدا أن الوزارة طرحت عقود لتصميم الخلطات الإسفلتية بطريقة السوبر بيف ومختبرات الطرق غير مجهزة بالأجهزة والمعدات اللازمة لذلك ، وفنينها غير مدربين على هذه الاختبارات الأمر الذي يصعب معه التحقق من الخلطات لاعتمادها كما يصعب تطبيق فحوصات ضبط الجودة أثناء التنفيذ.

والدليل على العشوائية والتخبط في التعامل مع الأزمة، أن الوزارة حين لجأت لتطبيق خلطة السوبربيف لم يكن المقاولين لديهم دراية بكيفية تطبيقها وهو ما دفعهم للاستعانة ببعض الخبرات من المملكة العربية السعودية كما لم يكن لدى مهندسي مختبرات الطرق في الوزارة نفسها علم بآلية الرقابة الفاعلة لضبط الجودة والكفاءة لمثل تلك الخلطات وطرق اختباراتها والتي تحتاج إلى أجهزة متخصصة وتدريب عملي يتماشى مع متطلبات فحوصات منظمات المواصفات العالمية التي طورت هذا النوع من الخلطات لضمان جودة الرصف وكفاءة الطرق تحت الأحمال المرورية المختلفة ، وللتأكد من مقاومة أو حساسية الخلطة الإسفلتية للرطوبة أو الماء والتي باتت تشكل أحد أسباب تطاير الحصى على الطرق.

ثم قامت الوزارة بالاتفاق مع مختبر المركز العربي للقيام بجميع أعمال التصميم للخلطات والفحوصات وعمليات ضبط الجودة ومنحته حق تحديد أجور الفحوصات (وهو احتكار)، ولم تبين الوزارة ما هي الأسس القانونية أو الفنية التي تم على أساسها منح مختبر المركز العربي (فقط) حق الانتفاع بمثل هذه المميزات في الوقت التي كانت تحتاج فيه البلاد لأكثر من مختبر حتى يمكن تطبيق فحوصات ضبط الجودة التي اعتمدتها وزارة الأشغال من المواصفات القطرية.

ويبدأ التقصير والإهمال في أداء المهام بالتعامل مع صناعة الطرق في البلاد من نقطة التصميم إذ لا يمكن تصميم طرق من دون معرفة الأوزان المرورية التي يتحملها الطريق، ووفقا للمصادر فإنه حتى الآن لا يوجد لدى الوزارة القدرة على تحديد العمر الافتراضي لأي طريق أو حتى شارع بالدقة الكافية حسب معايير التصميم، وذلك لعدم معرفتها الدقيقة بالأوزان المرورية على طرق البلاد، وهو الأمر الذي تتطلب معرفته إدارة صيانة الطرق، لتحديد برامج الصيانة الدورية وتحديد الميزانيات المستقبلية المطلوبة للمحافظة على جودة الطرق.

ومن بين الأمور المغيبة كذلك اهمال متابعة كفاءة الطرق خلال عمرها الافتراضي وتقييم وضعها باستمرار لسرعة تحديد الإجراءات المطلوبة قبل أن يصل الأمر إلى مرحلة يحتاج معها إلى إزالة الأسفلت بشكل كامل أو إجراء صيانة كاملة كما نراه حاليا، هذا وقد اكتشفت إحدى لجان التحقيق قيام أحد الوزراء السابقين بشراء سيارة متخصصة لهذا الأمر قبل عام 2006 ولكنها ظلت حبيسة لا يعلم أحد عنها شيء حتى طلبت اللجنة عام 2018 بتشغيلها لتكتشف أن لدى الوزارة إدارة كاملة انشئت قبل ذلك بسنوات طويلة وتم شراء تلك السيارة وكذلك شراء نظام ذكي يقوم بتحليل البيانات الواردة من السيارة التي تعطلت أجهزتها ولم يعد يعمل منها سوى جهاز واحد خاص بقياس خشونة الشارع وحتى اليوم لم يتم الاستفادة من أي معلومة خزنت عبر أجهزتها في نظام KIMMS الذي تكلف أموالا طائلة كما أهملت توصية اللجنة بشراء سيارة أخرى جديدة (لإجراء مسح شامل ودوري لجميع الطرق ما يعطي الوزارة بيانات كاملة عن الطرق ويضمن توفير ملايين الدنانير في ميزانية الصيانة).

من بين نقاط الخلل كذلك آلية تقييم المقاولين إذ اكتشفت احدى لجان التحقيق تقييم البعض منهم ومنحه تقدير ممتاز قبل بدء الأعمال نفسها. فضلا عن انتهاء دور مركز أبحاث الطرق الذي أنشأ في السبعينيات وكان يضم وقتها خبراء من الولايات المتحدة الأمريكية وقد تلاشى دوره في إجراء الأبحاث وتطوير مواصفات الطرق بعد تحويله إلى قطاع المركز الحكومي للفحوصات، وبالمثل لم تستفد الوزارة طوال سنوات من تعاقدها مع الاستشاري العالمي “مركز إدارة الطرق الفيدرالية ” والذي يعد الأول على مستوى العالم في أبحاث الطرق وقد انتهت علاقته بالوزارة منذ 4 سنوات.

ومما يثير الدهشة أن أغلب لجان التحقيق ركزت على دور العامل البشري في حدوث مشاكل التطاير والمتمثل في ضعف الرقابة أثناء مراحل تصميم وتنفيذ الخلطة الإسفلتية، لذا تم اقتراح إنشاء لجنة محايدة مختصة لا تتبع وزير الأشغال مع اقتراح تبعيتها لمجلس الوزراء، وتمهيدا لذلك وكالعادة حيث لا تنفك الوزارة عن ممارسة النمط العشوائي باتخاذ القرارات، شكلت “اللجنة الاستشارية الفنية لمساعدة وزارة الأشغال لحل مشاكل الطرق” ولكنها عهدت برئاستها لوكيل الوزارة مما ينفي الحيادية المنشودة لتبني وتطبيق قرارات اللجنة.

مع العلم أن الوزير الأسبق المهندس عبد الرحمن المطوع، أنشأ فريق تفتيش تابع للجهاز الاستشاري لوزير الأشغال لمراقبة الإجراءات والجهات الفنية التي تشرف على صناعة الطرق والنقل، وقد كانت أحد توصيات اللجنة الفنية تحويل فريق التفتيش لإدارة مختصة نظرا لأهميته، إلا أنه وللأسف جرى حل اللجنة الاستشارية قبل عدة أشهر كما تم نقل تبعية فريق التفتيش مؤخرا إلى قطاع المركز الحكومي وهو ما يفقده دوره الحيادي والرقابي ويقلل من فاعليته كأداة لمراقبة الجهاز التنفيذي لمشاريع الطرق، ويضعه تحت ضغوط مختلفة.

وبحسب المبدأ المتبع في الدول المتقدمة والقائم على محاسبة المسيء ومكافئة المجتهد ، أوصت لجان التحقيق خلال السنتين الماضيتين بإحالة كل من تولى الإشراف على أعمال صيانة الطرق من مسؤولين في الإدارات العليا خلال السنوات العشر الأخيرة إلى النيابة العامة للتحقيق بدورهم في هدر المال العام وقد جرى بالفعل إحالة عدد كبير منهم إلى النيابة وإلى هيئة مكافحة الفساد خلال العامين الماضيين ، ولكن وبخطوة غير مسبوقة تمت ترقية بعض هؤلاء المسؤولين رغم إحالتهم إلى التحقيق الذي لا يعرف أحد حتى الآن إلى أين انتهت نتائجه، وتم التغاضي عن محاسبة المهمل والمسيء ووصل الأمر لمعاقبة المجتهد من خلال إلغاء قرارات اللجنة الاستشارية ووأد فريق التفتيش، وتنفس الجميع الصعداء، فلا رصد لأخطاء إدارات التنفيذية في الوزارة ولا مراقبة على المقاولين.