يحتدم الجدال حول مدى صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة في ظل غياب الحكومة، ولا يخفى تأثير حضور الضاغط السياسي على بعض الآراء التي طرحت في هذا الشأن.
وهذه المسألة لم تكن تحظى بكثير من الاهتمام منذ صدور الدستور عام 1962 حتى تقريبا عام 2008، عندما بدأت الحكومة تتعمد الغياب عن جلسات مجلس الأمة رغبة في تعطيل أعماله. وقد تكرر هذا المسلك الحكومي حتى بات سمة من سمات الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية، وهو ما جعل هذه القضية حاضرة بقوة في المشهد السياسي، وترتب عليها الكثير من التصعيد والتوتر في العلاقة بين المجلس والحكومة.
وبعد الانتخابات الأخيرة ظن الجميع أن هذا المسلك لن يتكرر، وأنه لو تكرر فإن المجلس لن يعلق جلساته على حضور الحكومة، إلا أنه – ومع الأسف الشديد – عادت الحكومة الحالية لتكرار ذات المسلك، وكان موقف رئيس المجلس هو رفع الجلسة بسبب غيابها أو اعتذارها عن حضور الجلسة، وهو ما أثار لغطا وسخطا في الشارع السياسي.
وبتاريخ 5/3/2023 أقام السيد أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة مؤتمرا صحفيا بين فيه وجهة نظره في هذه المسألة، وأكد أنه لن يعقد جلسة المجلس في ظل غياب الحكومة، مستندا في ذلك على عجز المادة (116) من الدستور، والسوابق البرلمانية، وبعض الآراء القانونية. واختتم مؤتمره بالقول بأنه يرحب بكل الانتقادات والآراء المعارضة، وأن موقفه يأتي التزاما بالدستور واحتراما لنصوصه. كما أعقب ذلك بتوزيع ملزمة ضمنها كل الآراء والحجج التي استند عليها.
ويكتسب هذا الأمر أهميته لأنه صادر من رأس السلطة التشريعية، ومن شخصية وطنية قضت حياتها في الدفاع عن الدستور والمكتسبات الشعبية. إلا أن هذه الحقيقة يجب ألا تقف حائلا دون معارضة الرأي الذي انتهى إليه، وهو الأمر الذي رحب به رئيس المجلس ودعا إليه، إيمانا منه ومنا أن البلد ودستورها وأمانة الأمة وحقوق الأجيال القادمة أكبر وأعظم من جميع الأسماء.
ونظرا لخطورة هذه القضية وأثرها على الحياة الدستورية والمؤسسة التشريعية، والتزاما أيضا بالدستور واحتراما لنصوصه، وجدت أنه من المهم التعرض لهذه المسألة، ردا وتعقيبا على الرأي الذي ذهب إليه رئيس المجلس، ولبيان ما أراه صحيحا في هذا الشأن. والسؤال المطروح هنا: هل تصح جلسات المجلس في ظل غياب الحكومة؟
وسوف نتناول في هذه الورقة المختصرة – التي أعدت على عجالة – الحجج التي يتبناها الرأي الذاهب إلى عدم صحة انعقاد جلسات المجلس في ظل غياب الحكومة، والتي أوردها رئيس المجلس في ملزمته، وهي تتلخص في النقاط التالية:
– عجز المادة (116) من الدستور.
– السوابق البرلمانية.
– بعض الآراء القانونية، وأخصها رأي الدكتور عثمان عبد الملك الصالح.
ونتناول هذه الحجج على التفصيل التالي:
أولا: المادة (116) من الدستور:
تنص المادة (116) من الدستور على أنه: “يسمع رئيس الوزراء والوزراء في مجلس الأمة كلما طلبوا الكلام، ولهم أن يستعينوا بمن يريدون من كبار الموظفين أو ينيبوهم عنهم، وللمجلس أن يطلب حضور الوزير المختص عند مناقشة أمر يتعلق بوزارته. ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها.”
ومن الواضح أن هذا النص – في الأساس – يتعلق بتنظيم حق الوزراء في الكلام بجلسات المجلس، وحقهم في الاستعانة بكبار الموظفين، وحق المجلس في طلب حضور الوزير المختص.
وقد أوجبت المادة في عجزها أن تكون الوزارة ممثلة في جلسات المجلس، وهذا الوجوب هو التزام يقع على الوزارة، وتقصيرها في هذا الالتزام يثير مسؤوليتها السياسية، ولكنه لا يبطل جلسات المجلس طالما توفر لها النصاب القانوني اللازم لانعقاده.
فهذه المادة، أولا: لم تشترط حضور الحكومة لصحة انعقاد جلسات المجلس. وثانيا: لم تنص على بطلان جلسات المجلس في حالة عدم حضورها. والبطلان لا يجوز افتراضه في ظل غياب دلالته وغياب النص عليه، كما أن الإبطال يحمل – فيما يحمله – معنى العقاب، ولا يجوز معاقبة المجلس بإبطال جلساته بسبب فعل الحكومة. فضلا عن ذلك فإنه من غير المستساغ عقلا ومنطقا أن تمتلك الحكومة إمكانية تعطيل جلسات المجلس الذي يتولى الرقابة عليها، وهذا عين الانحراف في تفسير النص، وهو الحاصل في الواقع العملي في ظل تبني مثل هذا التفسير.
وكانت المادة (97) من الدستور قد حددت بشكل واضح شروط صحة انعقاد جلسات المجلس، حيث نصت على أنه: “يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه…”
وإضافة شرط جديد لصحة انعقاد الجلسات يفترض أن يكون واضحا بقدر وضوح هذا النص الأخير، ولا يجوز استنباطه تكلفا وتعسفا من نص لا يحمل هذه الدلالة. خاصة إذا كان هذا الاستنباط من شأنه تعطيل جلسات المجلس وأحد سلطات الدولة دون مسوغ ولا مبرر قانوني.
إن الاستناد على نص المادة (116) من الدستور، للقول بشرط حضور الحكومة لصحة انعقاد جلسات المجلس، لا يؤدي فقط إلى تعليق جلسات المجلس على حضور الحكومة، بل قد يؤدي إلى اعتبار أن حضور أحد الوزراء فقط غير كاف للانعقاد الجلسة، باعتبار أن عجز المادة التي يستند عليها أصحاب هذا الرأي ينص على وجوب “تمثيل الوزارة… برئيسها أو ببعض أعضائها”، ولم يقل “بأحد أعضائها”، والتبعيض هنا – كما جاء في كلمة السيد العضو جاسم الصقر في جلسة المجلس المنعقدة في 17/11/1981 – يعني “أكثر من واحد”.
ومجمل القول في شأن المادة (116)، أنها وإن كانت أوجبت تمثيل الوزارة برئيسها أو ببعض أعضائها، إلا أنها جعلت من ذلك التزاما على الحكومة، وليس شرطا لصحة انعقاد جلسات المجلس، وبالتالي لم ترتب على عدم حضورهم بطلان الجلسة.
ثانيا: السوابق البرلمانية:
رغم أهمية السوابق البرلمانية، إلا أنها لا تمثل حجة في ظل حضور النص، وهي حتما لا يعتد بها إذا خالفته أو انحرفت عن التفسير الصحيح له، والأخطر من ذلك أن تكون هذه السوابق سببا في تعطيل أعمال البرلمان وجلساته، وما يترتب على ذلك من تعطيل للسلطة التشريعية.
كما أن السوابق البرلمانية في شأن تفسير نص المادة (116) من الدستور على النحو الذي يجعل من حضور الحكومة شرطا لصحة انعقاد جلسات المجلس، لم ترقى يوما لأن تشكل عرفا مستقرا، إذ أنها كانت دائما محل جدل ونقاش واعتراض وانتقاد.
وهذا الأمر كان واضحا في جلسة المجلس المنعقدة بتاريخ 17/11/1981، والتي أكدت فيها الحكومة – على لسان وزير العدل – أن حضورها ليس شرطا لصحة انعقاد جلسات مجلس الأمة.
كما أكد في ذات الجلسة السيد العضو مشاري العنجري أن اشتراط حضور الحكومة لصحة انعقاد جلسات المجلس يعد “مخالفة للدستور”، وأنه “لا يجوز العرف بوجود النص”، واستنكاره أصلا لوجود عرف بقوله “أي عرف؟! وقد حصل هذا مرة واحدة”، كما طرح سؤالا جوهريا قال فيه: “أنا أود أن أستفسر، لو سمح الله وحدث في مرة من المرات وتكرر نفس الحادثة؟”، فلم يجاوب الرئيس على هذا السؤال، واكتفى بالقول “لا، لن يحدث…”، ولا يزال سؤال السيد العضو مشاري العنجري معلقا دون إجابة حتى الآن بعد أن صدق حدسه وتكررت الحادثة، بل وأصبحت نهجا تتبعه الحكومة لتعطيل جلسات المجلس!!
وفي سياق الحديث عن السوابق البرلمانية، يجب إلا نغفل الاحتجاجات التي عبر عنها أعضاء مجلس الأمة، بل والأمة بأسرها، خلال السنوات الماضية، عندما كان رئيس المجلس يرفع الجلسات بسبب عدم حضور الحكومة، وهو المسلك الذي اعتبره معظم النواب خرقا للدستور وتعطيل للمؤسسة التشريعية، وما ترتب على ذلك من تصعيد سياسي أخذ وجوها عدة، وكان سبب في استقالة أكثر من حكومة وحل أكثر من مجلس، وهذه كلها تعتبر أيضا من السوابق البرلمانية، بل إنها أكثر حجية ودلالة من غيرها، خاصة أنها تمثل موقف معظم النواب وليس موقف رئيس المجلس فقط.
كما أن تفهم أو قبول رفع جلسة معينة بسبب انسحاب الحكومة، ونتيجة ما تفرضه بعض المواءمات السياسية المتعلقة بتلك الجلسة تحديدا، لا يعني أبدا التسليم بعدم صحة الجلسة في ظل غياب الحكومة، ولا يعني تحويل الموائمات السياسية – المؤقتة – إلى قواعد قانونية دائمة وملزمة.
ومن ذلك يتبين أن تعطيل جلسات المجلس بسبب عدم حضور الحكومة كان دائما أمراً منتقدا – سياسيا وقانونيا وشعبيا – ومنظورا إليه باعتباره تفريغ للدستور من محتواه، وتعطيل للمؤسسة التشريعية، وهذا يؤكد أنه لم يشكل في أي يوم من الأيام عرفا مستقرا أو يكتسب حجية أو يتحول إلى قاعدة قانونية ملزمة.
ثالثا: رأي الدكتور عثمان عبد الملك الصالح:
جاء في الصفحة (561) من كتاب “النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت” للدكتور عثمان عبد الملك أنه: “يلزم لصحة الجلسات أن تكون الوزارة ممثلة فيها، برئيسها أو ببعض أعضائها”.
وكان الدكتور عثمان عبد الملك – في أحد محاضراته المبثوثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي – قد تعرض للمادة (107) من الدستور التي تنص على أنه: “… إذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطاته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن…”
حيث جاء في كلامه نصا: “بأن الحكومة، وهي صاحبة الشأن وهي الخصم وهي طرف في النزاع، سوف لا تملك المجلس من أن ينعقد، ومن ثمة يبقى معطلا. لا نعتقد أن المشرع الدستوري حينما وضع المادة (107) من الدستور أراد لها أن تكون حروف جوفاء. فإذا لا يمكن إعمال نص المادة (107) من الدستور بربطها بالمادة (116) من الدستور، أي أن الحكومة عندما تحل المجلس سوف لا تملك نفسها في هذا الخصوص. إذا هنا نجد بالطبيعة وبالضرورة وباللزوم، وإعمال النص خير من إهماله، وتصور فكرة التوازن التي سوف تحدث بين السلطات، والفراغ الدستوري الذي سيحدث، فإنه لا محالة هنا بأن نقول بإنه عند إعمال نص المادة (107) من الدستور – وهذا ما يتفق وشرعة العقل والمنطق والحس القانوني السليم – فإن شرط وجود الحكومة في هذه الجلسات ليس شرطا قانونيا، وأن الجلسة سوف تكون قانونية حتى في غياب الحكومة، وبغير ذلك تكون المادة (107) من الدستور غير موجودة في الدستور، حروف جوفاء ميتة، لا معنى لها في هذا الخصوص. يحل المجلس وإلى الأبد، وهي تقول يعود إلى الانعقاد وكأن الحل لم يكن، ثم نقول المادة (116) تأتي فلا يكون الانعقاد لأن الحكومة لا تريد ذلك، لا نعتقد أن هذا هو التفسير السليم للدستور، ونقول أنه في مجال تطبيق نص المادة (107) من الدستور لا مكان لإعمال نص المادة (116) من الدستور.”
ومن الواضح أن الدكتور عثمان قد فرق هنا في الحكم بين نص المادة (107)، ونص المادة (116) من الدستور، فجعل حضور الحكومة غير لازم لصحة انعقاد جلسات المجلس بالنسبة للأولى، وجعله لازما بالنسبة للثانية. إلا أن هذا التفريق لم يستند على نص وإنما جاء اجتهادا منه، استنادا كما قال “لما يتفق وشرعة العقل والمنطق والحس القانوني السليم”، وتطبيقا لقاعدة “إعمال النص خير من إهماله”، وانسجاما مع “تصور فكرة التوازن بين السلطات”، وتجنبا “للفراغ الدستوري الذي سيحدث” نتيجة تعطيل جلسات المجلس، لينتهي من كل ذلك إلى القول “نجد بالطبيعة وبالضرورة وباللزوم” عدم اشتراط حضور الحكومة لصحة انعقاد جلسات المجلس، وأنه بغير ذلك “تكون المادة (107) من الدستور حروف جوفاء ميتة”، ليعقب على كل ذلك بالقول “لا نعتقد أن هذا هو التفسير السليم للدستور”.
وما جاء في كلام الدكتور عثمان لا يعد استثناء من القاعدة المقررة في نص المادة (116) من الدستور، ولا يفهم منه ذلك، ولكنه يؤكد القاعدة الأصلية – التي تتفق وشرعة العقل والمنطق والحس القانوني السليم – والتي تقضي بأنه لا يجوز تعطيل جلسات المجلس بإرادة الحكومة، ولا ينبغي ترك مصيره معلقا بيدها، لأن الحكومة – بحسب كلامه – “وهي صاحبة الشأن وهي الخصم وهي طرف في النزاع، سوف لا تملك المجلس من أن ينعقد، ومن ثمة يبقى معطلا”
إذا فالعلة التي استند عليها الدكتور عثمان في تفريقه بالحكم بين النصين، هي “تعمد الحكومة عدم حضور جلسات المجلس حتى يبقى معطلا”، وهذه العلة قد تتحقق في كل الأحوال، سواء عند عودة المجلس للانعقاد بعد حله إعمال نص المادة (107) من الدستور، أو في أدوار انعقاده العادية.
وطالما كانت هذه هي العلة، فإنه لا وجه للتفريق هنا بين نص المادة (107) ونص المادة (116) من الدستور، إذ في كل الأحوال فإن “الحكومة، وهي صاحبة الشأن وهي الخصم وهي طرف في النزاع، سوف لا تملك المجلس من أن ينعقد، ومن ثمة يبقى معطلا”
فالقاعدة هنا – التي يفترض أن تجري على النصين – هي “عدم جواز إبقاء المجلس معطلا بسبب إصرار الحكومة على عدم حضور جلساته”
ولذلك يمكننا القول بضمير مرتاح أن ما ذهب إليه الدكتور عثمان كان قائما على انتفاء تصوره لإمكانية غياب الحكومة عن جلسات المجلس في أدوار انعقاده العادية، مع تصور إمكانية غيابها عن جلساته بعد عودته للانعقاد إذا لم يتم إجراء الانتخابات خلال شهرين من حله، وفقا لنص المادة (107)، وهذا التصور كان هو مناط التفريق عنده بين حكم تلك المادة، وحكم المادة (116) من الدستور.
وبناء عليه يمكننا الاستناد على ذات الحجج التي استند عليها الدكتور عثمان للقول بصحة انعقاد جلسات المجلس دون حضور الحكومة، وبل واستخدم ذات العبارات التي استخدمها – بتصرف – اسقاطا على الوضع القائم إذ ” أن الحكومة، وهي صاحبة الشأن وهي الخصم وهي طرف في النزاع، سوف لا تملك المجلس من أن ينعقد، ومن ثمة يبقى معطلا. ولا نعتقد أن المشرع الدستوري حينما وضع المادة (97) من الدستور، أراد لها أن تكون حروف جوفاء، كما لا نعتقد أن المشرع حينما وضع المادة (116) من الدستور أراد لها أن تكون سببا في تعطيل أعمال المجلس. فإذا لا يمكن ربط انعقاد جلسات المجلس برغبة وإرادة الحكومة، أي أن الحكومة عندما لا ترغب بانعقاد المجلس سوف تتعمد الغياب عن الجلسات حتى تعطل أعماله. إذا هنا نجد بالطبيعة وبالضرورة وباللزوم، وإعمال النص خير من إهماله، وتصور فكرة التوازن التي سوف تحدث بين السلطات، والفراغ الدستوري الذي سيحدث، وما يتفق وشرعة العقل والمنطق والحس القانوني السليم، ينتفي شرط حضور الحكومة لصحة انعقاد جلسات المجلس، وأن الجلسة سوف تكون قانونية حتى في غياب الحكومة، وبغير ذلك تكون جل النصوص المتعلقة بأعمال السلطة التشريعية، حروف جوفاء ميتة فارغة من محتواها. إذ يبقى المجلس معطلا وإلى الأبد طالما امتنعت الحكومة عن حضور جلساته، في حين أن المجلس سلطة رئيسية من سلطات الدولة، ثم نقول المادة (116) تشترط حضور جلسات المجلس لصحة انعقاده، وطالما أن الحكومة لا تريد الحضور فلا يصح الانعقاد. لا نعتقد أن هذا هو التفسير السليم للدستور، ونقول أنه في مجال تطبيق نص المادة (116) من الدستور لا مكان للقول بعدم صحة انعقاد جلسات المجلس في ظل الغياب المتعمد للحكومة عن حضور جلساته.”
الخلاصة:
إن النص الدستوري لا يقرأ بمعزل عن باقي النصوص، ولا يفسر بمعزل عن الغايات الكلية التي جاء الدستور لتحقيقها، ولا تحمل نصوصه على ما يؤدي إلى عكس ونقيض مراميها. ولا شك أن الغايات الكلية للدستور تتصادم مع فكرة قدرة الحكومة على تعطيل أعمال المجلس لمجرد أنها لا ترغب بحضور جلساته. ذلك أن المجلس سلطة مستقلة أنشأها الدستور، وجعل منها السلطة الممثلة للأمة والرقيب على أعمال الحكومة. وبالتالي فإنه لا يجوز لمن تقع عليه الرقابة أن يعطل أعمال من يتلوى الرقابة عليه.
ولذلك فإن ترك مصير مجلس الأمة وانعقاد جلساته بيد الحكومة هو افراغ للدستور من محتواه، وإهدار لنصوصه، وتقويض للمؤسسة التشريعية، وإخلال بحق الأمة، وهو حتما لا يستند على نصوص دستورية قاطعة، أو حجج قانونية راسخة، وكل ما قيل فيه يعتمد على تأويلات ضعيفة لنصوص حمالة أوجه، وهي تأويلات تتناقض مع “شرعة العقل والمنطق والحس القانوني السليم”، بل ومع الإعمال السليم لنصوص الدستور مجتمعة دون اجتزاء أو ابتسار، ولذلك فإن هذا المسلك – مهما تعددت السوابق البرلمانية بشأنه – لا يمثل قاعدة أو عرفا ملزما، ولا يصح الاستمرار فيه، ويجب العدول عنه وتصحيحه، حتى لا يتم تعطيل الدستور باسم الدستور.
إعداد المحامي / فيصل صالح اليحيى
أضف تعليق