برلمان

عن سؤال الجنسية والهوية… والخنجر المسموم في خاصرة الوطن

سؤال “من هو الكويتي؟” على المستوى القانوني، لم يكن مطروحا أو محل بحث حتى ثلاثينيات القرن العشرين، وهو حتى ذلك الوقت لم يشكل قضية أو يثير جدلا داخل الكويت. ولعل أول مرة يطرح فيها هذا السؤال كان بمناسبة انتخابات المجلس التشريعي عام 1938، وكان المعيار الذي اعتمد عليه في التفرقة بين الكويتيين وغيرهم – بحسب ما جاء في مذكرات خالد العدساني – قائم على أساس الهجرة إلى الكويت والاستيطان بها قبل الحرب العالمية الأولى التي وقعت بين عامي 1914-1918. لكن ذلك لم يعطي لكل الكويتيين الذين ينطبق عليهم هذا المعيار الحق في المشاركة بانتخابات المجلس التشريعي، حيث ظل هذا الحق قاصرا على الطبقة التجارية، وقد تراوحت أعداد الناخبين في تلك الانتخابات بين 300 إلى 420 شخصا تقريبا.

وبعد حل ذلك المجلس ظلت هذه المسألة عالقة دون تحديد واضح ودقيق، إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم 2 لسنة 1948 بتنظيم الجنسية الكويتية، والذي اعتبر أن الكويتي هو كل من حافظ على إقامته الدائمة في الكويت منذ عام 1899، لكن هذا القانون لم يطبق ولم يعمل به وظل غير معروف، ولم يتم حصر المواطنين الذين يعتبرون كويتيين بموجب أحكامه.

وفي عام 1959 أعيد طرح هذه المسألة بمناسبة عزم الدولة على وضع قانون جديد للجنسية الكويتية. وكان أول سؤال شغل تفكير واضعي القانون هو الأساس التاريخي الذي بناء عليه يتم تحديد جنسية التأسيس، وانتهى الرأي في هذه المسألة إلى اعتماد عام 1920 لارتباطه بواقعة تعاون جميع المتوطنين في الكويت في بناء سور المدينة وتصديهم للدفاع عنها من الهجوم الذي تعرضت له في معركة الجهراء. وعلى هذا الأساس صدر المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 بشأن الجنسية الكويتية، والذي نص في المادة (1) منه على أن: “الكويتيون أساسا هم المتوطنون في الكويت قبل سنة 1920، وكانوا محافظين على إقامتهم العادية فيها إلى يوم نشر هذا القانون. وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع”. وهذه المادة تحدد من يستحق (الجنسية بالتأسيس)، وهي تنطبق فقط على المتوطنين قبل عام 1920 ومن يولد لهم قبل نشر القانون سنة 1959. وبهذا المعنى فهي تعتبر مادة انتقالية مؤقتة يقتصر دورها على تعريف من هو الكويتي بالتأسيس، وحصر من تنطبق عليهم هذه الصفة، والذين يكون لهم وحدهم حق الحصول على الجنسية طبقا للمادة الأولى التي يفترض أن يتوقف العمل بها بعد أدائها لهذا الدور.

ونصت المادة (2) على أنه: “يكون كويتيا كل من ولد، في الكويت أو في الخارج، لأب كويتي”. وهذه المادة تحدد من يستحق (الجنسية بصفة أصلية). وقد جاء النص فيها عاما ومطلقا دون قيد أو تخصيص، بمعنى أن كل من يولد لأب كويتي يعتبر كويتيا بصفة أصلية، سواء كان والده مستحقا للجنسية بالتأسيس أو اكتسبها بالتجنيس.

وكلا الجنسيتين المشار إليهما (بالتأسيس أو بصفة أصلية) لا تملك الدولة أي سلطة تقديرية في منحهما، فالجنسية في هذه الحالة تعتبر حقا لصاحبها بمجرد ثبوت توطنه في الكويت قبل 1920 (بالنسبة للجنسية بالتأسيس)، أو ثبوت انتسابه لأب كويتي (بالنسبة للجنسية بصفة أصليا). كما أن حاملي كلا الجنسيتين يتمتعون بذات الحقوق دون أي فرق بينهما.

ثم بينت المواد (4)، (5)، (7)، (8) طرق وشروط اكتساب الأجانب للجنسية الكويتية، وهو ما يطلق عليه (الجنسية بالتجنس)، وهي ترتبط بمدة إقامتهم الطويلة أو تقديمهم أعمال جليلة للكويت، أو بزواج الأجنبية من كويتي. ومنح الجنسية بناء على تلك المواد يعتبر سلطة تقديرية مطلقة للدولة دون إلزام عليها في ذلك، حتى لو توافرت الشروط المنصوص عليها بتلك المواد في حق المتقدم لاكتساب الجنسية. أما أبناء المتجنسين الذين يولدون بعد اكتساب آبائهم للجنسية فإنه يعتبرون – وفقا لما بيناه سلفا – كويتيين بصفة أصلية طبقا للمادة (2) من القانون، ليس للدولة أي سلطة تقديرية في منحهم الجنسية.

أما المادة (6) فقد حظرت حق الانتخاب أو الترشح أو التعيين عضوا في أية هيئة نيابية على كل من يكتسب الجنسية (الجنسية بالتجنس) قبل انقضاء عشرة سنوات من تاريخ كسبه لها. ثم عدلت بالقانون رقم 70 لسنة 1966 حيث حذف حق الترشيح، وتم تمديد الفترة اللازمة لنيل حق الانتخاب إلى عشرين سنة بدلا من عشر سنوات، ثم عدلت مرة أخرى بالقانون رقم 130 لسنة 1986 والذي نص بشكل صريح هذه المرة على الحرمان نهائيا من حق الترشيح أو التعيين في أي هيئة نيابية، كما مدد المدة اللازمة لنيل حق الانتخاب إلى ثلاثين سنة بدلا من عشرين، وأخيرا عدلت بالقانون رقم 32 لسنة 1995 الذي خفض المدة اللازمة لاكتساب حق الانتخاب إلى عشرين سنة من تاريخ كسب الجنسية، مع الإبقاء على الحرمان النهائي من الترشح أو التعيين في أي هيئة نيابية.

والقانون – بحسب العرض السابق – يفترض أن هناك (جنسية بالتأسيس)، وهي جنسية مؤقتة تنتهي بانتهاء جيل التأسيس. وهناك (جنسية مكتسبة بالتجنس) تمنحها الدولة بناء على سلطتها التقديرية لمن تنطبق عليهم شروط اكتسابها. وهناك (جنسية بصفة أصلية) ينالها أبناء الكويتيين الذين حصل آبائهم على الجنسية بالتأسيس أو بالتجنس.

ولقد كشفت الحوارات التي دارت في لجنة الدستور حول المادة 82 منه – والمتعلقة بالشروط الواجب توافرها في عضو مجلس الأمة – عن إقرار أعضاء اللجنة بحق أبناء المتجنسين باعتبارهم كويتيين (بصفة أصلية)، حيث جاء في محضر الاجتماع رقم 11 المنعقد بتاريخ 5 يونيو 1962، على لسان وزير العدل حمود الزيد الخالد أنه: “بالنسبة للمتجنس فيبقى محروما من حق الانتخاب والترشح. أما بالنسبة لابن المتجنس المولود بعد تجنس والده، فإنه يصبح كويتيا بالمولد، وبالتالي له جميع الحقوق في الانتخاب والترشح إذا بلغ السن القانونية المحددة”. لكن وزير الداخلية الشيخ سعد عقب على هذا الكلام بالقول: “إنا نتبع الآن طريقة أخرى، وهي أننا نحرم المتجنس من حق الترشح والانتخاب، كما أننا نعتبر ابنه حاصلا على الجنسية بالتجنس، وبالتالي يسري عليه ما يسري على والده، لأن الفرع يتبع الأصل. وبالتالي فإن نفس الحكم في الحرمان من حق الترشح والانتخاب يسري عليه كما هو ساري على والده”. فرد عليه وزير العدل بالقول: “لا، فالكويتي المولد لأب متجنس بعد تجنسه يصبح كويتيا بالمولد أو كويتيا بالأصل له ما لنا وعليه ما علينا من واجبات”. وقد أيد الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان ما ذهب إليه وزير العدل، وأكد بأن أبناء المتجنسين يعتبرون كويتيين بصفة أصلية وفقا لقانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959. حيث قال في ذات الاجتماع: “أني اطلعت على قانون الجنسية الكويتي، وكل أصحاب الجنسية الأصلية فيه بالمولد. فأما يولد لأب كويتي أو لأم كويتية مجهول الأب، أو يولد مجهول الوالدين بأرض الكويت، فهذه كلها حالات الجنسية الأصلية وهي بالمولد كلها”. وفي اجتماع اللجنة رقم 18 المنعقد بتاريخ 3 أكتوبر 1962، أكد الدكتور عثمان أنه: “وفقا للمادة 82 (من الدستور) يكون الحق في الترشيح وفي الانتخاب مقصورا على الكويتي بصفة أصلية. أما المتجنس فهو محروم من هذا الحق، فلا يجوز له أن ينتخب أو ينتخب، إنما يجوز لأولادهم المولودين بعد التجنس أن ينتخبوا لأنهم يصبحون كويتيين بالولادة أي بصفة أصلية”.

ونستخلص من مجمل الحوارات التي درت في لجنة الدستور أن أعضاء اللجنة – خاصة وزير العدل حمود الزيد الخالد – كانوا يقرون بأن أبناء المتجنسين يعتبرون كويتيون بصفة أصلية، وهو ما يتوافق مع قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 وفقا لما أكد عليه الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان، وبالتالي فإنه يفترض أن يتمتعوا بكل الحقوق السياسية المقررة للكويتيين بصفة أصلية بما في ذلك الحق في الترشيح والانتخاب والتعيين في الهيئات والمجالس النيابية.

ومصداقا لما تقدم أجازت المذكرة التفسيرية للدستور – بشكل واضح وصريح – إدخال أبناء المتجنس ضمن الجنسية الأصلية، بل واعتبرت أن ذلك هو الحكم الصحيح، حيث نصت على أنه “يكون الترشح حقا لأبناء المتجنس إذا ما أدخلهم قانون الجنسية ضمن حالات الجنسية بصفة أصلية، وهو الحكم الصحيح المعمول به في الدول المختلفة”.

ولكن المؤسف أن التطبيقات العملية لقانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 قد انحرفت انحرافا شديد عن التطبيق الصحيح، حيث دأبت الدولة على منح الجنسية بالتأسيس – طبقا للمادة الأولى – لكل من يولد لأب كويتي بالتأسيس، في حين تمنح الجنسية لمن يولد لأب متجنس طبقا للمادة التي تجنس بناء عليها والده، مع اعتباره متجنسا مثل والده، وبذلك تم حرمان أبناء المتجنسين من حقهم في اعتبارهم كويتيين بصفة أصلية طبقا للمادة الثانية من قانون الجنسية. ونتيجة لهذا التطبيق الخاطئ ظلت المادة الثانية من القانون معطلة، فلا هي مطبقة على أبناء الكويتيين بالتأسيس، ولا على أبناء الكويتيين بالتجنس، على الرغم من أنها الأساس الذي تبنى عليه الجنسية الأصلية بالميلاد، والتي يفترض أن يتم من خلالها دمج وتوحيد الشعب وخلق التجانس بين أبناء المجتمع الواحد الذي يتكون جله من الكويتيين بصفة أصلية من المولودين لآباء كويتيين (سواء بالتأسيس أو بالتجنس).

إن هذا الانحراف في تطبيق القانون لم يقتصر – فقط – على حرمان أبناء المتجنسين من حقهم في نيل الجنسية بصفة أصلية، وبالتالي حقهم في الترشيح والانتخاب والتعيين في الهيئات النيابية، بل إنه تسبب فيما هو أخطر من ذلك، وهو شطره للمجتمع من خلال التفريق بين أبناء المؤسسين وأبناء المتجنسين، وبالتالي خلقه لما يمكن أن نطلق عليه حالة من “الطبقية السياسية” التي يعلوا فيها بعض الشرائح الاجتماعية على بعض، بما يخل بالوحدة الوطنية ويناقض الغاية التي كان يتطلع إليها القانون عند وضعه.

ولقد ظل هذا التطبيق الخاطئ للقانون قائما لما يزيد عن ثلاثة عقود، ولكن على إثر الحالة الوطنية التي قامت في الكويت بعد تحريرها من الغزو العراقي عام 1991، والتي كانت ترفض التفرقة بين أبناء الشعب الواحد الذين امتزجت دمائهم وتضحياتهم أثناء الغزو، قام الاتحاد الوطني لطلبة الكويت بتحريك هذه القضية عام 1992، وقاد حملة طلابية تطالب بتصحيح الخطأ التاريخي في تطبيق القانون، وتدعو إلى توحيد الجنسية الكويتية.

ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الغزو العراقي الذي وقع عام 1990، كان لا يقل في رمزيته ومعناه وأثره وخطورته وحجم التضحيات التي بذلت فيه من قبل جميع أبناء الوطن وكافة أطيافهم، عن سنة التأسيس التي حددت بقانون الجنسية بعام 1920 لارتباطها بملحمة بناء السور ومعركة الجهراء التي كانت تمثل تهديدا حقيقيا للكويت.

وبناء عليه أصدر مجلس الأمة القانون رقم 44 لسنة 1994 (الذي تقدمت الحكومة بمشروعه)، والذي أضاف فقرة للمادة 7 من القانون رقم 15 لسنة 1959 تنص على التالي: “أما أولاد المتجنس الذين يولدون بعد كسبه الجنسية الكويتية فيعتبرون كويتيين بصفة أصلية…”. وقد جاء في المذكرة التفسيرية لذلك القانون أن المادة الثانية من قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 نصت على أن: “يكون كويتي كل من ولد في الكويت أو في الخارج لأب كويت”. ومؤدى ذلك “أن كل من يولد لأب كويتي يعتبر كويتيا بحق الدم، وهو يكتسب هذه الجنسية وبقوة القانون ومنذ ولادته دون حاجة لأي اجراء آخر… وهذه الجنسية تعتبر هي الجنسية الأصلية، وهي تمثل الأساس العام لتحديد جنسية الكويتيين في المستقبل… ولما كان هذا النص قد جاء عاما دون أن يشترط في جنسية الأب أن يكون كويتيا بالتأسيس أو بصفة أصلية أو بالتجنس، فقد أعد مشروع القانون المرفق بإضافة فقرة ثالثة إلى المادة السابعة من قانون الجنسية لبيان أن أولاد المتجنس الذين يولدون له بعد تجنسه يعتبرون كويتيين بصفة أصلية طالما أنه ولدوا لأب يتمتع بالجنسية الكويتية في تاريخ الولادة”.

وما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون يحمل إقرارا صريحا وواضحا – من الحكومة – بأن ما جرى عليه العمل طوال 35 عام (منذ عام 1959 حتى 1994) كان خطأ في تطبيق القانون، وطالما كان الأمر كذلك فإن الاجراء الصحيح الذي كان يفترض الأخذ به هو إعادة تطبيق القانون بالشكل الصحيح (وليس تعديله بإضافة الفقرة المشار إليها)، بحيث يتم منح أبناء الكويتيين (سواء بالتأسيس أو بالتجنيس) الجنسية بصفة أصلية طبقا للمادة الثانية من قانون الجنسية، إلا أن العمل قد استمر على منح الجنسية بالتأسيس – طبقا للمادة الأولى – لأبناء الكويتيين بالتأسيس، ومنح أبناء المتجنسين الجنسية بصفة أصلية طبقا للفقرة الثالثة من المادة 7 المضافة بالقانون رقم 44 لسنة 1994، وهذا يعني أن هذا القانون الأخير وإن كان قد أقر بأن أبناء المتجنسين يعتبرون كويتيين بصفة أصلية، وبالتالي منحهم الحق في الترشيح والانتخاب، شأنهم شأن أبناء الكويتيين بالتأسيس، إلا أنه حافظ – من الناحية الشكلية والمعنوية – على حالة الطبقية السياسية بتفريقه بين السند والأساس القانوني الذي يستند عليه الحق في نيل الجنسية بصفة أصلية لكل من الطرفين (وذلك بتأشيره على شهادة الجنسية بما يفيد هذا المعنى)، وأبقى على تعطيله لنص المادة الثانية من قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959، وكأن المراد هو الانتقاص من درجة الانتماء الوطني لأبناء المتجنسين، والإصرار على وضعهم في درجة أقل مع إظهارهم بهذه الصورة، بما يساهم في تكريس الحواجز بين أبناء المجتمع، وهذا الوضع يفرغ شعار الوحدة الوطنية من مضمونه ويجعله محلا للشك، إذ لا يمكن تحقيق وحدة وطنية صلبة بين فئات تشعر بعدم المساواة، وترعى السلطة التمييز بينها.

ولعله من المناسب في هذا المقام أن نعود لجلسة مجلس الأمة المنعقدة بتاريخ 25 يونيو 1994 أثناء مناقشة القانون رقم 44 لسنة 1994، لنستعرض بعض ما قاله وزراء في الحكومة وأعضاء في مجلس الأمة حول هذا الموضوع في ذلك الوقت:

– النائب مشاري العصيمي: “من حيث الموضوع… أنا كنت أول المنادين فيه، وأعتقد أنه ما يحتاج إلى إصدار قانون، الحكومة طبقة نص المادة 2 من قانون الجنسية تطبيق خاطئ من سنة 60 إلى الآن، …، أنا مع هذا الموضوع بدون قانون أصلا، ما يحتاج إلى إصدار قانون، هذا حق للمواطن يستمده من نص القانون، التفسير الخاطئ للقانون طوال 35 سنة كان خاطئ…”

– النائب الدكتور أحمد الخطيب: “أرجو من الأعضاء الكرام أنه لما يناقشون هذا الموضوع يعرفون أنه قاعدين يناقشون مأساة كويتيين موجودين الآن على الساحة الكويتية، …، خلونا نمشي هالموضوع، ونعطيهم حقهم السياسي. يا جماعة ترا هذا قاعد يضرنا ويضر سمعتنا، …، لا نلعب في مشاعر الكويتيين يا جماعة، حرام عليكم، …، مثل ما قال الأخ مشاري، ما يحتاج له قانون تفسير خاطئ كان مكمن يسونه (يقصد الحكومة) بدون هذا القانون…”

– وزير الداخلية علي صباح السالم: “أحب أن أؤكد بأن تقديم الحكومة لهذا المشروع (هو) عمل نصبوا إلى أن نصل بأخوة لنا يعيشون على هذه الأرض واكتسبوا الجنسية الكويتية، نصبوا إلى أن يكتسبوا جميع الحقوق، وهناك بيان (للحكومة) بودي أن أقرأه لكي نؤكد أن مشروع الحكومة مشروع جاد وليس لدى الحكومة رأي آخر إلا التصويت على هذا المشروع، …، الكتاب أحب أن أقرأ بعض الفقرات فيه، موجه لحضرة الأخ الفاضل رئيس المجلس، والأخوة أعضاء المجلس: في بداية نظركم اليوم لمشروع قانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية الكويتية رقم 15 لسنة 1959، يهم الحكومة بهذا المقام أن تعلن بصراحة ووضوح أن موضوعات الجنسية بصفة عامة تلقى دائما من الحكومة كل اهتمام، وأنها لحريصة كل الحرص على إيجاد كافة الحلول التشريعية التي تضمن في النهاية أن لا يغبن صاحب حق، وبما يحفظ لبلادنا العزيزة كيانها وأمنها، لذا فقد سارعت الحكومة إلى إعداد مشروع القانون المطروح على المجلس اليوم، والذي تم مناقشته بجلسات عدة لمجلس الوزراء، كان آخرها في 6/2/ 1994، حيث انتهى مجلس الوزراء إلى الموافقة على مشروع القانون المذكور وإحالته إلى مجلس الأمة. وإذ يسعدنا أن يلقى مشروع القانون المعروض تأييد ومباركة المجلس، باعتباره خطوة هامة في هذا المجال ومحققا لصالح شريحة من أبناء الكويت…”

– وفي مداخلة أخرى للدكتور الخطيب، يقول لوزير الدولة: “أبيك تقولي شنو النص القانوني أو الدستوري إللي اعتمتوا عليه في حرمانهم (يقصد أبناء المتجنسين) من حق التصويت كل هذه السنين؟! مع إن المادة واضحة، المادة الثانية واضحة، كل واحد مولود لأب كويتي له حق، …، ما هي الفتوى إللي اعتمتوا عليها للتطبيق الخاطئ كل هذه السنين، حتى نحسن النية (في هذا المشروع الذي تقدمت به الحكومة، لأني لا أعتقد أنه جاء بحسن نية).

– وزير المواصلات ووزير الكهرباء والماء جاسم العون: “أحب أن أطمئن الدكتور الخطيب إنه إذا كان هو مستعد أن يوافق على مشروع القانون بعد النقاش، فالحكومة مستعدة أن توافق عليه بدن نقاش…”

– وزير الدولة لمجلس الوزراء عبد العزيز الدخيل: “ما تفضل به الأخ وزير الداخلية من اهتمام الحكومة بهذا الموضوع، لا سيما وأنها أعلنت ذلك بقرار من مجلس الوزراء، …، نحن نتفق من أن يصوت على هذا المشروع بدون نقاش، وأتمنى أن يوافق المجلس على ذلك”.

– النائب عبد الله الرومي: “فيما يتعلق بالموضوع، التعديل الذي قدمته الحكومة لا محل له، فيكفي فيه نص المادة 2 من قانون الجنسية، المشاريع بقوانين وتسن القوانين للحالة التي تتضمن نقص، وبالتالي لا يوجد نقص تشريعي في هذه المسألة، والخطأ ليس من المجلس، خطأ الحكومة في السنوات السابقة حينما طبقت نص المادة الثانية تطبيق خطأ”.

– النائب عبد المحسن جمال: “نحمد الله سبحانه وتعالى أن أهل الكويت يجمعون على إنصاف بعضهم البعض، وهذه في الحقيقة قضية إيجابية، …، لا شك بأننا لو طبقنا قانون الجنسية منذ البداية لما احتجنا اليوم إلى أن نعقد هذا الاجتماع لإصدار تشريع جديد، أو لتعديل مادة جديدة في قانون الجنسية، فالمادة الثانية في قانون الجنسية واضحة بأن من ولد لأب كويتي خارج أو داخل الكويت يعتبر كويتي. هذه المجموعة من المواطنين ظلموا في هذه السنوات الماضية، لأن منذ ولادتهم من أب كويتي كان في الحقيقة يجب أن ينالوا الحق السياسي، …، أمر مفروغ منه أن ننصف هؤلاء. أيضا انصاف أي فئة مظلومة في المجتمع الكويتي هو ضمان أكيد لأمن هذا البلد، هذا الأمن الذي دنس في 2 أغسطس 1990 فوقف الشعب الكويتي بجميع فئاته وبجميع مجاميعه، واختلط الدم الكويتي والعرق الكويتي، المرأة والرجل وصاحب الجنسية بالتجنس وصاحب الجنسية بالتأسيس، اختلطت دماءهم وعرقهم وأناتهم وصبرهم مع بعضهم البعض، فسجل الشعب الكويتي ملحمة تاريخية يستشهد بها العالم أجمع هذا اليوم. ولا شك بأن عدم ظلم فئة على فئة أخرى، خاصة الفئة التي بيدها القرار سوف يكون ظمانا أمنيا لهذا البلد، …، أي شعب إذا تماسك وأعطى أبناءه الثقة وأعطى أبناءه الجنسية الواحدة، أصبح شعبا يحترم في العالم، …، أنهي كلامي بالقول بأن هذه القضية يستحقها أبناءنا وأخوانا المتجنسين، …، نريد أن نقول بأن الكويت أصبحت الآن جنسية واحدة، هذه هي الخطوة الأولى أتمنى أن تتلوها خطوات مشتركة بين الحكومة والشعب الكويتي، لأن هذا هو توجه الأغلبية في الكويت”.

– النائب مبارك الدويلة: “مشروع القانون المقدم من الحكومة يبخس أبناء المتجنسين حقهم، لأنهم يستحقون أكثر من تعديل المادة السابعة، هم يستحقون تطبيق صحيح للمادة الثانية، …، هؤلاء هم مجموعة من المجتمع الكويتي، لذلك من الأفضل والأسلم أن أعطيهم حقهم اليوم قبل الغد، وأكسب معاهم زيادة في ولائهم وزيادة في محبتهم وزيادة في آصرة الوحدة الوطنية، لو انتظرت عشرة سنوات وعشرين سنة وثلاثين سنة، سيأخذ حقه غصبن علي، لكن مع الأسف الشديد سيأخذ حقه وقد تزعزعت الثقة بيني وبينه، سيأخذ حقه وقد تزعزع مبدأ الولاء لهذه الأرض نتيجة حرمانه طوال ثلاثين سنة ولا أربعين سنة من حق سياسي كان أولى به قبل ثلاثين سنة، لذلك نعتقد بأن استمرار هذا الحرمان سيساهم في شق الوحدة الوطنية، ويساهم في زعزعت الوحدة الوطنية، وسيساهم في وجود مجتمع صغير في ضعف وهشاشة الروابط بين أبنائه، لهذا السبب نحن نعارض تعديل المادة السابعة بالطريقة التي قدمتها الحكومة، لكن – وكما قال الأخ مفرج نهار المطيري في جريدة الوطن صباح اليوم – بما أن الجود من الموجود، وبما أن هذا هو ما جاءت به الحكومة اليوم، فنعتقد بأن نقبله بشرط، أن هذا لا يلغي مشاريع القوانين الموجودة عند (لجنة الداخلية والدفاع)… سنوافق مضطرين وسنوافق غصبن علينا من حيث أن شيء أفضل من لا شيء”.

– النائب علي بوحديدة: “نتفق جميعا على عدم قبول مبدأ التمييز بين أبناء الكويت، ونستغرب وجود فوارق بين أفراد المجتمع الواحد، فالعدو لم يفرق بين الكويتيين، فمنهم من استشهد ومنهم من أسر، …، نعلم جميعا أن المجتمع الكويتي مجتمع متماسك متراص البنيان، يعشق الوحدة الوطنية ويتمسك بها، ما سطره الشعب الكويتي من أفعال خلال الأيام المريرة التي مرت علينا خلال الغز العراقي الغاشم على البلاد لهي خير دليل على تماسك ووحدة هذا المجتمع…”

– النائب عبد العزيز العدساني: وتحدث معارضا للقانون، ولكن معارضته لم تكن تتعلق برفض منح أبناء المتجنسين حقوقهم السياسية، ولكن كانت متعلقة بما أسماه التزوير الذي شمل الجنسية بالتأسيس وبالتجنيس، حيث قال: “لا يفهم من كلامي أني ضد إخواني سواء متجنسين بالتأسيس أو بالأصالة، إنما أنا سألت سؤال لوزير الداخلية، وجاني الجواب بأن من سحبت منهم الجنسية – بسبب التزوير – 376 بالتأسيس، و176 بالتجنيس، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الجنسية منحت بطريقة غير منضبطة، …، وليفهم الجميع أني لست ضد تجنيس الجنسية الثانية للأولى أو أخذ الأولى، ولكن أنا أقول بأن القواعد إللي وضعت لمنح الجنسية، والكل يعرف في هذه القاعة، بأن الجنسية منحت بطريقة عشوائية وبطريقة غير منضبطة، …، أنا أطعن حتى بالتأسيس وليس بالتجنيس، بدليل الجواب على سؤالي 376 إللي سحبت منهم بالتأسيس، …، فرجائي أن لا نخلط بين التجنيس والتأسيس لأن التزوير شمل الجميع”.

ثم انتقل المجلس بعد ذلك للتصويت على مشروع القانون نداء بالاسم، فلم يعترض عليه أحد، وامتنع عن التصويت فقط النائب عبد العزيز العدساني، في حين وافق عليه 44 عضوا من النواب والحكومة، وهم كل من: أحمد خالد الكليب، الدكتور أحمد الربعي، الدكتور أحمد الخطيب، أحمد محمد النصار، أحمد باقر، الدكتور إسماعيل الشطي، تركي العازمي، جاسم الصقر، جاسم العون، جمال الكندري، جمعان العازمي، حبيب جوهر حياة، حمود الجبري، خالد العدوة، خلف العنزي، سالم الحماد، سعود ناصر الصباح، شارع العجمي، طلال السعيد، عايض علوش المطيري، عباس حبيب المناور، الدكتور عبد الرحمن المحيلان، عبد العزيز الدخيل، عبد الله النيباري، عبد الله الرومي، الدكتور عبد المحسن المدعج، عبد المحسن جمال، عدنان عبد الصمد، علي البغلي، علي بوحديدة، علي صباح السالم، الدكتور علي الزميع، غنام الجمهور، فهد اللميع، مبارك الدويلة، محمد المرشد، مشاري العصيمي، مصلح العازمي، مفرج نهار المطيري، الدكتور ناصر الصانع، الدكتور ناصر صرخوه، ناصر الروضان، الدكتور يعقوب حياتي، أحمد السعدون.

ومن جملة المناقشات التي استعرضناها – وهي معظم ما دار في الجلسة حول الموضوع – يتبين أن جل أعضاء المجلس كانوا متفقين على أن أبناء المتجنسين يستمدون حقهم مباشرة من نص المادة الثانية من قانون الجنسية باعتبارهم كويتيين بصفة أصلية، وبالتالي فإنهم مستحقين لكافة الحقوق السياسية انتخابا وترشيحا، وأن ما جرى عليه العمل طول الفترة السابقة على إقرار القانون كان خطأ وانحرافا في تطبيق القانون، كما أن المذكرة التفسيرية للقانون، والتي استعرضناها سلفا، تؤكد بأن الحكومة – التي تقدمت بهذا القانون – تقر كذلك بهذا الخطأ.

من هنا نقول أن التطبيق المنحرف للقانون، وما تلاه من معالجة متأخرة وخاطئة لهذا الانحراف، يعكس الصراع بين منطق “دولة المواطنة” ومنطق آخر لا علاقة له بالمواطنة ولا بالدستور أو القانون، يحاول الإبقاء على الانقسام وتغذيته وتوظيفه.

أما ما نشهده في الآونة الأخيرة من حملة – مستعرة ومفتعلة – مصحوبة بكم من المغالطات والتجهيل وتزوير للحقائق القانونية، بدعوى المحافظة على الهوية الوطنية، وبزعم أن أبناء المتجنسين لا يحق لهم نيل أي حقوق سياسية، لا تعبر – في حقيقتها – إلا عن ردة أخلاقية وحضارية، لا تخلوا دوافع بعض أطرافها من انتهازية رخيصة، أو عنصرية مريضة، تحاول أن تموه على أغراضها بشعارات وطنية خداعة، وتسترها بحجج قانونية ساقطة، بل “كاذبة خاطئة”، وما يروج من خلال هذه الحملة ويدفع به لتعبئة الشارع واحداث الانقسام فيه على هذه القضية، أبعد ما يكون عن الدستور والقانون، وهو حتما ليس له علاقة بالدفاع عن الهوية أو الوطنية، إنما هو خنجر مسموم في خاصرة الوطن، وفتنة تزرع وإسفين يدق بين شرائح وأبناء المجتمع الواحد، دون رادع من أمانة علمية أو وازع أخلاقي أو حس وطني.

إن الإصرار والتمادي على إثارة هذا الموضوع يعني الإيغال في تقسيم وتفتيت المجتمع، ويعني تعزيز نزعة العنصرية بين فئاته وتدمير بنيته وكيانه، ويعني غرس ورعاية بذور الشقاق وما تحمله من ثمار التمييز بين الأهل والأقرباء في البيت الواحد، والأصحاب في الديوانية الواحدة، والجيران في الحي الواحد، والزملاء في المدرسة الواحدة أو العمل الواحد، والمواطنين في الوطن الواحد، فتتنافر بذلك القلوب، وتنطوي النفوس على جراح دامية لا تنتج إلا الحقد والكراهية بسبب ذلك التمييز، وهذا يعني في المحصلة مجتمع مزعزع الأركان مهدم الجدران سهل الاختراق ومهيئ للانفجار.

إن ما يجري هو بكل المعاني جريمة خطيرة تهدد أمن واستقرار الوطن والمجتمع على حد سواء، وهو ما يستدعي تظافر كل الجهود الشعبية والرسمية لوقف هذا العبث والاستهتار… واللهم نسأل أن يحفظ هذا البلد وأهله من كل مكروه.

بقلم / المحامي فيصل صالح اليحيى

للاطلاع على المقال مع المصادر بنسخة pdf على الرابط أدناه

‎⁨عن سؤال الجنسية والهوية والخنجر المسموم في خاصرة الوطن⁩

 

الوسوم