كتاب سبر

مقتل “البوطي”.. بين التطرّف والديمقراطية السلبية

مقتل “البوطي”.. بين التطرّف والديمقراطية السلبية 
بقلم.. سحر محمد 
لقد أثارت حادثة اغتيال محمد رمضان البوطي جدلًا بين نخبة الناس في الحق والباطل، الحلال والحرام، بخصوص مقتل رجل وعالم دين ينتمي إلى مذهب سلطة نظام ظالم يقتل شعبه أمام مرآى الجميع، فخرجت علينا العديد من التشريعات التي تبيح وتمنع.
في السياسة.. لا يعتبر الموقف مبررًا للقتل، ولا وسيلة مشروعة، حيث تقول القوانين في الشرعية الدولية أن القتل ممنوع بسبب الاختلاف في وجهة النظر وخارج القضاء، فهذا النوع من القتل يعد جريمة، وقد كان سببًا في محكمة خاصةً للمرة الأولى في التاريخ في قضية اغتيال رفيق الحريري.
والبوطي لم يُغتل بسبب آرائه الدينية ومذهبه الذي عاش بين الناس في أمان طيلة السنوات التي عاشها، إنما بسبب موقفه السياسي، مما جعل أصوات كثير من المتعاطفين مع الثورة السورية وشعبها يبتهجون فرحًا، بينما يتنازعها المتطرفون دينيًا ليجعلوا منها قضية طائفية بامتياز، مدعمين ذلك بالأدلة الشرعية وأحكامها في تشريع قتل المحرّض على مذهبهم وعلمائهم.
ليخرج الموضوعيون طرفًا ثالثًا من هذا الموقف معلنين تعاطفهم مع مقتله، ظنًا منهم أن هذا الموقف سيدحض الطائفية ويعطي الحق للآخر المختلف، وأنه موقف شريف في صف الديموقراطية في الفصل بين الرأي وصاحبه.
في كل هذا ضاعت الحقيقة التي تقول أن الإنسان محمد رمضان البوطي – مجبرًا كان أو مخيًرا – شارك في مقتل الصغار والكبار، وكان واقفًا مع نظام فاسد قامت من أجله ثورة حرية وكرامة ومساواة، ومقابل حياته نسف حياة الكثير من شعبه دون رحمة، فقد كان أحد الأدوات المحرّضة لمساندة الظالم على المظلومين.
فلم يلتفت أحدهم إلى هذه الحقيقة الغائرة وسط المذهبية الدينية واحتقان طائفيتها من جهة، ومن أخرى محاولة إصلاحها بالديموقراطية السلبية، الفريق الأول “المتطرّف” وقع في مصيدة التطرّف دون أن ينظر إلى الضحية الحقيقية، والثاني “الموضوعي” وقع في مصيدة الديموقراطية السلبية التي أرادت ان تنصف الآخر، ولكنها أوقعته في شباك المبرر للديكتاتورية.
كلا الموقفيّن يشرح لنا الخلل الذي يقع فيه العربي عند نزع الحق من الحقيقة، فيقع في مصيدة العاطفة التي تلجأ للقشور عوضًا عن اللب، وربما هذا هو السبب الحقيقي في توتر الثورات الربيعية بين النجاح والفشل في تقسيم الموقف إلى طائفية وتبرير للديكتاتورية.