أقلامهم

عبدالمحسن جمعة متسائلًا: ماذا استفادت «حماس» من اللعب مع طهران؟!

في كل إقليم في العالم وفي كل دولة هناك أقليات وأحزاب وتجمعات مختلفة، نادراً ما يمكن لعدو أن يخترقها أو يوظفها في مشروع مضاد لانتمائها ووطنها، إلا في العالم العربي فهناك بازار كبير لأي عدو يريد أن يخترق العرب ويمزقهم ويحقق مشروعه، وذاك البازار مفتوح منذ مئات السنين، الأقليات الطائفية والعرقية ومعظم الأحزاب السياسية العربية كلها مستعدة أن تتوظف في مشاريع الغرب والشرق والفرس، وحتى لو أصبح للبنغال- مع احترامي الشديد لهم- مشروع في المنطقة العربية ووفروا مالاً وقوى استخباراتية تدعمه لوجدوا فصيلاً يعمل معهم ضد وطنه.
 لو طفنا العالم لوجدنا آلاف الأقليات بجميع أنواعها في أستراليا وأميركا والصين وإسبانيا وروسيا والأكوادور وكورسيكا في فرنسا…إلخ، ولكنها مندمجة في وطنها، وإن كان لها مطالب فهي في حدود الوسائل المتاحة القانونية والسلمية، ولا يمكن لأي قوى أن توظفها في مشروع ضد وطنها، إلا عندنا فالأكراد ينشئون دولة بشكل عرقي في العراق، وعشرات الشركات الإسرائيلية في أربيل تقدم خدمات استشارية اقتصادية وأمنية لهم، من أجل سواد عيونهم!، والعلويون يقتلون شعبهم ليحكموا الأغلبية بالقوة، و”حزب الله” مسيطر على الأغلبية في لبنان بسلاحه، وكل قبيلة تريد أن تقتطع جزءاً من السودان وتعلنه دولة بتشجيع أوروبي- أميركي، والأقلية الحوثية تريد الاستيلاء على كل اليمن، والأقباط والنوبيون وأهل سيناء يتم إحياء نوازع انفصالية لديهم، وباقي النماذج من التركمان والمارونيين والدروز والبربر…إلخ، والحركات الجهادية السلفية يستخدمها كل أعداء الإسلام لتدمير الأمة، حتى الأغلبية الحاكمة في بغداد تعتبر أقلية في محيطها وامتدادها الطبيعي، وهو ما يتطلب منها أن يكون لديها حدود في قراراتها التي قد تضر بإقليمها.
حركة حماس الفلسطينية، أو حركة المقاومة الإسلامية أو جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية، أحد النماذج التي استغلتها إيران في مشروعها لاختراق العالم العربي، ولكن “حماس” حزب سياسي ذو خلفية دينية لا أقلية عرقية أو طائفية، فمنذ اتفاقيات أوسلو للسلام في بداية تسعينيات القرن الماضي وهناك أطراف رافضة لها، وتريد إلغاء تلك الاتفاقية لإضرارها بمصالحها أو مشاريعها في المنطقة، وأهم هذه الأطراف هم الصهاينة المتشددون الذين قتلوا إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق لمنع تنفيذها، والأنظمة الاستبدادية وأهمها نظام الأسد في سورية، وبالطبع الإيرانيون الذين كانت سلعتهم الرائجة، ومازالت، القضية الفلسطينية لخطف عقول وقلوب البسطاء العرب، فالإيرانيون لم يقاتلوا يوماً من أجل فلسطين، بينما يموت لهم العشرات وهم يقتلون أهل سورية في حلب وإدلب وحمص، والحل السلمي كان سيفسد بضاعتهم التي يستخدمها أيضاً النظام (الأقلوي) التابع لهم في سورية، وكذلك صنيعتهم وهو الحزب الطائفي في جارتها لبنان الذي رفض أوسلو، ولكنه في 2006 وافق على شروط جبرية مذلة بوجود قوى دولية على أرضه وتراجع إلى خلف نهر الليطاني.
فمنذ فضيحة “إيران كونترا 1985″، التي اشترت بموجبها إيران أسلحة من تل أبيب، أصبحت لدي قناعة أن كلام إيران عن قضية فلسطين هو عبارة عن وسيلة لتحقيق مشروعها القومي للتمدد والهيمنة على العالم العربي، وكنت أصف عمل “حزب الله” بأنه عمل عسكري للاستيلاء على أرض في جنوب لبنان لتشكيل جيب إيراني في العالم العربي وعلى البحر المتوسط، يتناوش مع إسرائيل لتكون ورقة تستخدم في يد طهران مع الغرب.
ولنعد إلى “حماس” التي مزقت الصف الفلسطيني، وأطلقت العمليات الانتحارية في عام 2000 فأخذت صور تفجير الحافلات والمطاعم في تل أبيب على الشاشات العالمية تبريراً لانسحاب إسرائيل من التزاماتها في اتفاقيات أوسلو، وأنجحت محاولات شارون الذي دخل المسجد الأقصى لهذا الغرض، وتم بناء الجدار العازل، وتدمير المؤسسات والبنى التحتية الفلسطينية، والتي كانت من الممكن أن ترسخ نضالاً مشابهاً لنضال الأفارقة في جنوب إفريقيا أمداً طويلاً دون عسكرة المقاومة.
 كما كان لانفصال غزة وتدميرها بحروب عبثية، وقفت طهران منها موقف المتفرج بينما رجالها يموتون على أرض الشام من أجل النظام العلوي السوري، دور في إعطاء إسرائيل مبرراً لتقول للعالم إنه لا يوجد شريك فلسطيني موحد لإنجاز سلام شامل معه، كما استُغِلت غزة لإنشاء جماعات مسلحة متشددة تستنزف مصر وتشغلها في سيناء، وهو ما يجعل القاهرة اليوم تتخذ الموقف اللامبالي لكل ما يحدث للعرب السُّنة في المشرق العربي وفي الشام تحديداً، وعلينا أن نراجع حقيقة أسباب وجود القيادي في “حزب الله” سامي شهاب في مصر وإنشائه خلية هناك، ولا يمكن أن يقول لي أحد إن “حماس” ورجالها طوال سنواتهم في دمشق لم يكونوا يعلموا ماذا تفعل… وماذا تريد طهران وما هو مشروعها في المنطقة؟