أقلامهم

عبد الرحمن العوضي : بخلط الأدوار ستضيع المسؤولية

الهرم المقلوب بالوضع السياسي في الكويت

د. عبد الرحمن العوضي 
كان المرحوم أحمد الربعي يستعمل تصور الهرم المقلوب في إدارة الكثير من الأمور في الإدارات الحكومية، وليته كان معنا ليرى كيف توصل الأمر إلى أن يكون مجلس الأمة يتحرك كالسلطة التنفيذية. والسلطة التنفيذية تنتظر قرارات مجلس الأمة، ولا نعرف ماذا سنعمل خاصة إذا كانت هذه القرارات اتخذتها أغلبية المجلس. لأنه في حالة عدم موافقة الحكومة على تلبية قرارات المجلس فإنه يقوم بإصدار التشريعات الملزمة لتطبيق هذه القرارات من قبل الحكومة.
لقد اختلطت الاختصاصات التي وردت في الدستور لكل سلطة، وبخلط الأدوار ستضيع المسؤولية، وسيضيع منا أسلوب المراقبة البرلمانية على أعمال الحكومة، فالمفروض أن ما تقوم به السلطة التشريعية هو مراقبة أعمال الحكومة، وتنفيذ برامجها. والغريب فعلا ما سيقوم به المجلس إزاء برنامج الحكومة، ومن قبل ازاء ما ورد في خطاب صاحب السمو الأمير، وخطاب سمو رئيس مجلس الوزراء وما تضمناه من أفكار واقتراحات كان من المفروض أن تلتزم بها السلطتان التنفيذية والتشريعية، فكيف يتصرف المجلس مقابل ما ستطرحه الحكومة من أولويات من مشاريع وبرامج، وما مصير المطالبات بتنفيذ خطة التنمية التي كان يتشدق بها الأعضاء في حملتهم الانتخابية؟
فعلا أصبح الأمر مقلوبا، ولا أعتقد أن البلاد ستسير وفق منهج واضح إذا كانت الأدوار قد اختلفت، وأصبح مجلس الأمة هو السلطتين التشريعية والتنفيذية. ومثل هذا الحال في نظري معناه توقف التنمية وتوقف عجلة المشاريع التي يضمنها برنامج الحكومة وخططها المستقبلية.
هل يجوز مثل هذا الأمر؟ وهل الوعد الذي قطعه النواب على أنفسهم بأن يسيروا وفق منهج واضح ويتعاونوا مع الحكومة، أو أن المجلس قد اختار أن يستأثر بتنفيذ مطالبه. فكل لجنة من لجان المجلس لها أولويات خاصة بها وتطالب الحكومة بتنفيذها.
رحم الله الأخ المرحوم أبوقتيبة، لأنه لو كان معنا لرأى تحقق رؤيته الصائبة في تسيير امور البلاد. لقد أصبح الهرم المقلوب هو الواقع المر الذي سيوصلنا بطبيعة الحال الى نهاية غير سارة.
لا يا إخوان، لن ننتخبكم ولم نعقد عليكم الآمال بأن تتصرفوا بهذه الصورة، فهذه صورة حقيقية عن ديكتاتورية البرلمان وهو أمر مرفوض لأنه أهم وأخطر مخالفة للدستور، بجانب أنه يجلب الفوضى وعدم المراقبة والتصرف بصورة عشوائية حسب ما ترغبه فئة أو مجموعة من أعضاء مجلس الأمة.
هذا الأمر في نظري ينعكس على مسيرتنا الديموقراطية، ويجب أن يعلم غالبية أعضاء المجلس أن المسؤولية قد أصبحت كبيرة جدا ولا يجوز أن يتسلط المجلس ويتصرف بصورة ديكتاتورية دون النظر لواقع بلدنا، ووضعنا الذي يجب حمايته وعدم السماح بالتفرقة والتشتت وتضارب الآراء والتوجهات، فانتظروا برنامج الحكومة، وما يترتب عليه من نصيب في خطط التنمية، فتصرفكم بهذه الصورة سيؤدي إلى فساد في القرار والرأي والابتعاد عن كل ما فيه منفعة لبلدنا.
ارحمونا يا ناس، واتركونا نستمتع ببعض الوقت، ويكفينا ما عانيناه قبل حل المجلس والانتخابات التي أوصلتكم إلى المجلس، إنه تحد لكم، ويجب أن تعوا الدرس الآن، لأن الأمور لا تؤخذ بـ «القوترة»، وعليكم بالتدبر والتفكير قبل إثارة كل هذه الزوابع اليومية في وسائل الإعلام وفي مجلسكم الموقر. تذكروا أن الديموقراطية تعني الانتظام والنظام وعدم التخبط والسير وفق الأهواء والمطالب المؤقتة. وكان الله في عونكم، ونطلب منكم الهداية والتوفيق.