آراؤهم

11 سبتمبر.. فضيحة الديمقراطية الأميركية

بدأت الكارثة “الأميركية” في تشيلي حين نجحت المعارضة المتمثلة في التيارات والأحزاب اليسارية في التوحد خلف مرشح واحد في الانتخابات الرئاسية مما رجح كفته ونجح بعدها الرئيس سيلفادور أليندي ذو الخلفية الاشتراكية في انتخابات حرة ونزيهة، حيث أعتبر أول رئيس يساري منتخب ديموقراطياً في أميركا اللاتينية. وعلى إثر ذلك ثارت حفيظة الحكومة الأميركية، وكعادتها وبخفة يد نزعت قناع الديموقراطية وظهر الوجه الحقيقي البشع للرأسمالية الأمريكية.
وبعد أن أثبت الرئيس التشيلي المنتخب صدق اطروحاته ومبادئه مع الأحزاب المتحالفة معه؛ حيث بدأت عملية تأميم الثروة الوطنية الضخمة والتي كانت تحت سيطرة الشركات الأمريكية كمناجم النحاس، وبطبيعة الولايات المتحدة الأميركية فإن أكثر ما يغضبها هو تأثر مصالح شركاتها الضخمة وخسارتها. ومن هنا، بدأت محاولات أمريكا في الانقلاب على الديموقراطية التشيلية، وتعرى الثعلب هنري كيسنجر وزير خارجية الحكومة الأميركية الشهير حيث كان له تصريح فج خارج عن الأطر الديبلوماسية المعروفة وبعيد كلياً عن الكياسة وبشكل سافر قال: “لا أفهم لم يجب أن نجلس جانباً ونراقب دولة تسير في طريق الشيوعية”، ما يوحي بوجوب التدخل وتغيير الحالة الديموقراطية التشيلية إلى النقيض.
بدأت أميركا في مد خيوطها المالية داخل التشيلي باتجاه “الخونتا” –المجلس العسكري التشيلي- ونجحت في استمالة القادة العسكريين من المنتمين للعهد الرأسمالي السابق في تشيلي، حيث وجدت ضالتها في عدة قادة من البرجوازيين العسكريين الذين أغضبهم التغيير الإشتراكي الثوري الذي قد يهدد مصالحهم ومراكزهم الطبقية.
وبمساهمة الطبقة البرجوازية التشيلية الموالية لأميركا ثار بعض مؤيديها معها ضد الرئيس أليندي، والذي شعر بوجود نية عسكرية للإنقلاب غير أنه استبق ذلك بتعيين “أوغستو بينوشيه” قائداً عسكرياً عاماً لتفادي الانقلاب.وأصبح “بينوشيه” هو المشكلة بعد أن كان أداة للحل، حيث أنه كان هو المخطط الأكبر والمدبر لمؤامرة الانقلاب المدعومة من أميركا، وبحجة تفادي الأزمة قام بينوشيه بعملية انقلاب غادرة ودموية، حيث شكل مجلساً عسكرياً للانقلاب، وفي 11 أيلول/سبتمبر 1973 اتجه اوغستو بينوشيه مباشرة إلى قصر الرئاسة بعد أن قصفته القوات الجوية الموالية للانقلاب وبرفقة فرقة من المشاة والدبابات حاصر بينوشيه القصر، وجرى قتال عنيف جداً في محيط القصر، قتل على إثره الرئيس سيلفادور أليندي بعد أن رفض عرض الاستسلام والهروب المقدم من قائد الانقلاب العسكري “بينوشيه”. وسيطر المجلس العسكري برئاسة بينوشيه، وبسرعة فائقة تدل على موالاتهم لأميركا والرأسمالية، ألغيت جميع العلاقات مع “كوبا” وعادت العلاقات مع أميركا وبالطبع عادت الشركات الأميركية للسيطرة على الثروة التشيلية من زراعة ومناجم واستعباد للعمال.
المعرفة التاريخية ومعرفة جذور القضايا مفتاح رئيسي لفك طلاسم الواقع الحاضر، وقصة الانقلاب الدموي في تشيلي دليل واضح على سياسات أميركا المتناقضة والمضادة للديمقراطية غير المتماشية مع مصالحها المالية. وإن كانت القناعة بشيطانية السياسة الأميركية تحتاج لفضيحة كبرى فالفضائح الأميركية تملأ التاريخ الحديث بداية بحرب فيتنام وليس انتهاء بغزو العراق طبعاً، ومروراً بمقتل ثلاثة آلاف تشيلي وسجن نحو ثمانية وعشرون ألفاً كلهم من اليسار المناهض للرأسمالية وذلك فقط للحفاظ على مصالح الشركات الأميركية المالية.