سبر القوافي

إلى الخفجي وإلى من يسكنها

العذاب ليس بالضرورة أن يكون جلد الذات بالندم على ما فات وجرى أمره وانتهى في الماضي، أو كما يستعمل البعض السوط في الجلد أيضًا، ولكن بطريقة أشد خطرًا وضررًا وأثرًا, البُعد عن من أحبه أعتبره عذاب كما يعتبره غير فيصل من الأعداد الكثيرة من البشر, تُريد أن تُعذبني؟ دع الحبيب يبعد عني مسافات أرهق في قطعها, دعوني أعبر عن بُعدها الذي لا يقدر إلا بمئات الكيلومترات عن الرياض , يقسوا على فؤادي الحنين والشوق إليها, هو عذاب، بل جحيم إذا أردت الصدق أيها القارئ الكريم, بُعد المسافة نعمة؛ فالأشرار يحلقون بعيدًا عن بعض مدن قلوبنا الجميلة هناك يبعدون عنا المسافات ولله الحمد والمنة, البعض لا نقاسمه الحب؛ نتيجة انعدام دخوله من عتبات قلوبنا لنُحبه ونرمي بحبل بالشوق إليه, حتى الآن لم أظهرها من أتحدث عنها، هي الخفجي ينبض قلبي شوقًا إليها, تشغل بالي حينًا من الوقت, وأبعث إليها رسائل خفية تكاد تشتعل من لهيب المحبة, لو جمعت رسائل الشوق في كل شهر لبلغت ما لا تتصوره أنت, سأشتاق حتى ألقاكِ, سأشتاق ولن أملّ، بل سأعلق على المستقبل كل الآمال للقاء بكِ يا الحبيبة والمحبوبة, الكثير من الذكرى أحملها معي وضعتها في صندوق الذكريات الجميلة, صنعت بالتعاون معها قوالب من الذكريات تسر الناظرين وتبعث فيهم الدهشة والاستغراب من المنظر الذي يستحق كل ما ذكر سلفًا عن حق, جمل كثيرة من الذكريات بمراحل الطفولة والمراهقة والرجولة كتبت بعضًا منها ثمة في الخفجي المحافظة وعسى أن تأخذ في الاتساع فتكون بعد ذلك مدينة بعد أن كانت محافظة في الماضي, بالنسبة لنسيانها أمر مستحيل حدوثه إلا إذا نسيت اسمي، فبهذه الحالة قد أكون كائن غريب بكل ما تحمله الكلمة من معنى, بالإمكان أن تكتشف تلك الغرابة بطريقة أو بأخرى ولن يتم الوصول إلا بعد توفيق الله, لا أحب أن أقترب من الخيانة ولا أتمنى أن أقع في دائرتها يومًا؛ لأنني ببساطة أكره ذلك جدًا, أحاول أنا أكون وفيّ بكل ما يدعوني للوفاء قدر المستطاع، ومن هذا الباب أردد: لن أنساكِ ما حييت ولن أنسى كل ما كتبته سابقًا من سطور, لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنسى كل ما جمعته هناك من كل الأشياء الخالدة في الجمال, ولمن لا يعرف من تكون الخفجي هي محافظة وجزء لا يتجزأ من مملكتنا الحبيبة, تقع في المنطقة الشرقية قريبًا من الكويت التي أحبُّها وأملك أحباباً فيها, أحب البحر الذي يحد الخفجي وأمارس التأمل عنده في كل زيارة لها, في الختام وقبل أن أودعكم على آمل اللقاء بكم أعترف بأنني ولدت من الخفجي وخرجت من مستشفى لا يحضرني اسمه – للأسف – لأنقله لكم هنا، وأشكر الله على كل شئ, هي الخفجي أخرجتني إلى الحياة الدنيا بعد الله ورحم أمي, إلى من يحبني ويكرهني أدعوه لزيارتها, ليثني عليها أو ليشتم فيها ومن يفعل ذلك سيندم؛ لأنه سيرى كل شئ جميل ثمة, أفتخر بأنني ولدت منها والأهم أنني ولدت من رحم أم عظيمة، بل مدرسة يتعلم منها فيصل وإخوته كما هو الحال مع والدهم منبع كل قوة تكمن فينا, أخيرًا أهدي هذه السطور إلى الخفجي وإلى من يسكنها.

فيصل خلف – كاتب سعودي

faisalbinkhalaf@