آراؤهم

المعلم من ذئب إلى حمل ومن جلاد إلى ضحية

من المفارقات التي تثير الإشفاق على النظام السوري أن ترى ذئابه يتحولون إلى حملان وجلاديه إلى ضحايا.. هذا ما أراد وليد المعلم أن يسوّقه في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يحاول استدرار عطف المجتمعين بأسلوب مخزي ومعيب يستحي منه أي مواطن سوري، ويأنف أن يكون هذا الوليد ممثلاً لسورية والناطق باسمها في المحافل الدولية.
وليد المعلم الذي خرج علينا بالأمس يشطب أوروبا من خارطة العالم ويتحدى الشرق والغرب في أن يتمكنوا من لي ذراع النظام الذي هو أقوى من الخالق (أستغفر الله العظيم) كما جاء على لسان طالب إبراهيم أحد أبواق النظام المتهالك يوم الثلاثاء 27 أيلول الحالي وعلى الهواء مباشرة في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة، وقف هذا الوليد كسير الجناح في الأمم المتحدة أمام العالم يتباكى على سورية التي يقطّع أوصالها ويذبح رجالها وشيوخها ونسائها وينكل بأطفالها ويمثل بفتياتها، ويستبيح مدنها ويدك دور عبادتها ويقصف مآذن مساجدها أسياده بدم بارد وعلى مرآى ومسمع من العالم منذ أكثر من ستة أشهر، في قمع ممنهج ومقنن لثورة سلمية خرج الشعب السوري متظاهراً بصدور أبنائه العارية مطالباً بالحرية والكرامة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وصولاً إلى الدولة المدنية التي غيّبها حزب البعث القائد والموجه للدولة والمجتمع بقوة البسطار منذ ما يقرب من نصف قرن، لتجد هذه الجماهير المتظاهرة التي لا تحمل بأيديها إلا الورود وأغصان الزيتون، سلاحها هتافات حضارية ونداءات محقة.. لتجد في مواجهتها الجيش بدباباته ومدرعاته ومجنزراته، التي ظلت لأكثر من أربعين سنة في جحورها لا تجرؤ على الظهور في مواجهة العدو الصهيوني الذي يحتل الجولان العزيز منذ ما يزيد على 44 سنة، ورجال الأمن ببنادقه ورصاصه، والشبيحة بالسواطير والسكاكين والعصي والهروات، ليكسروا شوكة الشباب الثائر ويعيدوه إلى مربع الخوف الذي كسره هذا الشباب بكبرياء وصبر وصمود لم يسبقه إليه أحد لا ماضياً ولا حاضرا.
وقف هذا الوليد بوجهه الكالح وجسده المترهل المتهاوي وقامته الخائرة كنظامه أمام العالم يردد ما سمعناه وسمعه العالم لأكثر من ستة أشهر عبر ناطقيه الرسميين وأبواقه المقرفين التي تأنف الأذن عن سماعهم والأعين من النظر إليهم.. وقف مردداً نظرية المؤامرة على سورية وما يحاك لها من تقسيم وتفتيت وفوضى، وانتشار العصابات المسلحة والخارجين على القانون والمندسين والسلفيين والمتطرفين والإرهابيين، الذين يروعون الناس ويقتلون رجال الأمن وشرفاء الجيش والأكاديميين ويدفعون البلاد إلى الدمار والخراب، وبعد هذه السلسلة من الأكاذيب يرفع المعلم رأسه ويحدق بالحضور عله يرى على وجوههم التأثر، فيجد البعض يتثاءب والبعض الآخر في أحاديث جانبية لا يعيرون من كذب هذا الوليد أي انتباه، وقد مجوا سماع هذه الأسطوانة المشروخة التي لم تعد مكان تصديق عند عقلاء الناس أو مجانينهم.
المعلم في كلمته انتقد العقوبات الاقتصادية الخجولة التي اتخذتها بعض دول العالم بحق النظام رداً على القمع الوحشي الذي خلف بعد ستة أشهر من الثورة ما يزيد على أربعة آلاف شهيد ومثلهم من المفقودين ونحو 40 ألف معتقل و30 ألف مهجر، وراعه مشهد جثمان حمزة الخطيب الذي نهشته أنياب ذئاب وضباع النظام، ومشهد حنجرة بلبل العاصي إبراهيم قاشوش وقد انتزعت من مكانها، ومشهد الفتاة زينب الحصني وقد فصل رأسها عن جسدها وقطعت أطرافها وبقر بطنها وانتزعت أحشاؤها، متذرعاً بأن هذه العقوبات – كما قال – تطال المواطن السوري في لقمة عيشه ورغيف خبزه، مدعياً أن النظام سيعمل على التخفيف من معاناة مواطنيه بكل الوسائل والسبل وتوفير الأمن لهم، ولسان حاله يقول: في رفع وتيرة قمعهم والتعجيل بقتل شبابهم وفتيانهم وفتياتهم، وحصار المدن والبلدات والقرى وتقطيع أوصالها، وقطع الماء والغذاء والدواء والاتصالات عنها حتى يعود الناس إلى زرائب مزارع أسياده، دون أن تهضم معدته المصابة بالقرحة المزمنة أن الشعب السوري العظيم قد شب على طوق العبودية وكسر قيوده وحطم أصفاده وداس خوفه!! 
ولم ينس هذا الوليد مدح ولي نعمته والإطناب به في هذا المحفل الأممي – الذي لم يقابل من الحضور إلا بالاستهجان والسخرية – بقوله: (إن السيد الرئيس بشار الأسد أصدر قوانين الأحزاب والإعلام والانتخابات والإدارات المحلية وطلب إجراء مراجعة للدستور) مدعياً أنه (كلما تقدمت خطوات الإصلاح يزداد التحريض الخارجي والعنف المسلح المترادف مع العقوبات التي تفرضها بعض الدول، والتي تطال كل شرائح الشعب السوري، وبشكل مخالف لمبادئ حقوق الإنسان)، مدعياً أن (المشكلة الأخرى التي تواجه سورية هي نشاط الجماعات المسلحة التي تلبي التدخلات الخارجية)، ثم نراه يتكلم باسم الشعب السوري وكأنه ممثله الحقيقي والشرعي في هذا المحفل الأممي فيقول: (إن الشعب السوري يرفض التدخل الخارجي في شؤونه ولن يسمح لهم بتحقيق أهدافهم التي تخدم مصالح إسرائيل التوسعية) وهذه كلمة حق صدرت عن الوليد أراد بها باطل، فالنظام وحده هو من يخدم إسرائيل ويخدم مصالحها التوسعية وكل تاريخه وثائق وحقائق تدينه وتثبت أنه النظام الوحيد في المنطقة الذي حقق لإسرائيل ما لم يحققه لها كل أصدقائها منذ قيامها، فمن غير هذا النظام قدم الأرض لها (مرتفعات الجولان) وأمن حدودها ومزق فصائل المقاومة الفلسطينية وقسمها وأبعدها عن مواجهتها في جنوب لبنان، وزج بفدائيها في الأقبية والسجون والمعتقلات في سورية ولبنان، وجند بعضها لخدمة أغراضه وأجندته وتنفيذ مخططاته في المنطقة وفي العالم اغتيالاً وملاحقة لمعارضيه من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، ناهيك عن دعمه لإيران في حربها على العراق لثماني سنوات، ومشاركته في الحرب على العراق عام 1991 ودعم الغزاة الأمريكيين له عام 2003؟!
أخيراً يا أيها الوليد قليلاً من الحياء المفقود عندكم.. قليلاً من ماء الوجه الذي تبخر منذ زمن طويل عندكم.. قليلاً من الأحاسيس التي تبلدت في حنايا صدركم بفعل عوامل البطش والتنكيل، واستمراء الفساد والنهب والسلب والتدليس والتزوير.. قليلاً من شرف بعتموه في سوق النخاسة بثمن بخس.. قليلاً من ضمير غاب في أيام ليلكم الطويل، علها تنهض هذه البقايا مجتمعة من كبوتها، فتهز بقايا رجولة إن وجدت في ملامح وجهكم الذكوري، تعيدكم إلى وقفة مراجعة لهذا المنزلق الذي تسيرون فيه، وحسبكم فيمن سبقكم إليه أمثالكم في تونس ومصر وليبيا عبرة فيما آل إليه مصيرهم، وما كان يضيركم لو وقفتم وقفة مراجعة في صرح الأمم المتحدة وأعلنتم – كما فعل وزير خارجية ليبيا – انشقاقكم عن هذا النظام الدموي السادي وتبرأكم منه وإعلانكم الانضمام إلى الثورة الشعبية السلمية، وأن تكونوا إلى جانب الشعب الذي هو صاحب الشرعية اليوم بعد أن نزعها من النظام منذ اليوم الأول لهذه الثورة عقاباً له على قلعه أظافر فتية درعا وأطفالها الذين خطوا على جدران مدارسهم ببراءة عبارة (الشعب يريد إسقاط النظام)، وأنتم تعلمون قبل غيركم بحسب قربكم من النظام واطلاعكم على عوراته وخزاياه، واجتماعكم بصفوة الناس من دبلوماسيي العالم ومفكريهم وباحثيهم وما يتنبؤون به لهذا النظام من نهاية مزرية وفاجعة ونهاية حزينة لرموزه كما تنبأ الرئيس الروسي له!!