فن وثقافة

السمر والبيض وعشاق الطرب.. يترنمون بأغنيات عبدالله الفضالة في ذكراه الـ44

في مثل هذا اليوم من العام 1967 أغمض الفنان الخالد عبدالله الفضالة إغماضته الأخيرة، وأسدل الستار على رحلة من الإبداع استمرت زهاء العقود السبعة، فقد توفي عن عمر ناهز 67 عاما مخلفاً وراءه إرثاً من الأعمال الخالدة ومحققاً لنفسه وللأغنية الكويتية حضوراً لافتاً في ساحة الغناء العربي، فقد كان من أشهر المطربين الكويتيين وصاحب مدرسة فنية خاصة حيث جمع بين الغناء والتلحين والتأليف، وهو أيضاً من أوائل المطربين الذين سجلوا أغانيهم خارج البلاد ويعد مدرسة متكاملة في الموسيقى الحديثة فهو فنان خلاق وموهبة اتصفت بالإبداع وإلى جانب نشاطه الفني فقد ترأس جمعية الفنانين الكويتية لأربع سنوات.

ولد الفضالة عام 1900، وتوفي في 15 أكتوبر 1967،  وسجل أول أسطوانة له في الهند في عام 1913، وتأثر بالموسيقى الهندية واليمنية، واستخدم إيقاعات جديدة بالنسبة للأغنية الكويتية مثل البيانو ليجعل شهرتها تصل إلى دول الخليج العربي ومصر، وبالإضافة إلى هذه الموهبة فقد كتب  الفضالة الشعر بالعامية والفصحى، ويعتبر من أوائل شعراء الأغاني في الكويت، لحن العديد من الأغاني الشعبية وساهم بتقديم فن السامري، كما لحن وغنى أكثر من 500 أغنية معظمها من أشعاره..

وفي هذه المناسبة، طلبت من سبر من أحد عشاق فن الفضالة كتابة قطعة تعبر عما خالجه من شعور في ذكرى وفاته، فكانت هذه الحروف التي آثر كاتبها ألا يذيلها بتوقيعه:

رحم الله أمّي وزمانها الطيّب..وبيتنا القديم..ووسائدنا الخالية من الحلم..
وأيّامَنا الترابية..و “طينَ الخاوة ” و” الخرّيط ” و”السكة ” و”المرزام” و”المدعاب”..
 وجدرانَ بيوتنا التي تدمع عيونها ـ  كلما غامت السماء و” أنذرت ” بسكب شآبيب من مزنها الثقيلات ـ خشية التفتت والذوبان بماء المزن.. الثقيلات منها والخفيفات..
أترحّم على أمّي وزمانها الطيب..وتلك الراحلات الماضيات كلها..وأنا أتذكّر زعيما من زعماء ذلك الدهر الكويتي..
الزعامة التي أزعمها ليست زعامة سيف..ولا زعامة خيل صهول..ولا زعامة سلطان مهاب الجانب.. يموت له الناس كلما طاف بهم طيفه أو حمحمت ـ  في جنبات مدنهم ـ خيله الصاهلات..
زعيمي ذاك..قيثارة إنسانية تشدو في صدر أمي..فرضعتها ضمن ما رضعت من ذلك الصدر ..
” عبدالله فضالة”..إسم تلك القيثارة الكويتية..
هل عيب أن أقول “ربابة كويتية”..أو ” صرناي كويتي”..
هل تزيد قامة “عبدالله فضالة” طولا إن وصفته بالقيثارة..وتقصر إن قلت “ربابة” أو “صرناي”..
أم أنه حاوٍ الأوصاف الثلاثة كلها.. فهو القيثارة والربابة والصرناي..
هو رنة العود ونقرة المرواس وارتعاشة الأكتاف في “زفانها”..
وميس القدود اللدنات الطريات.. على “طِيران” السامريات والطبول الضاربات..
لم تكن أمي تعرف “فرانك سيناترا”..ولايحرك سواكنها صوت “فيروز”..بل كان قلبها مسطورا بأشعار ” عبدالله فضالة” وأذناها ترعى في حدائق صوته..
هنا عرفت ” عبدالله فضالة”..وهنا كانت محطة المعرفة والإتصال بصوته..
أسطوانات “ملحمته” الشعرية الغنائية ” العجايز”..كانت كأنها بنت بيتنا.. تملأ ـ على الدوام ـ أطراف البيت.. آناء الليل وأطراف النهار..وكلما كلّ الليل..سلّم أمانة السمع لنهار يليه..
ثم كبرت.. وعرفت “عبدالله فضالة” معرفتي الخاصة البعيدة عن ضغط عاطفة الأم وتأثيرها على عواطفي الغنائية..
عرفته في كبري فنانا شاملا..شاعرا وملحنا ومغنّيا..جزيلا في كل منها..
وعرفته يغوص في قلوب الأغاني ولا يسبح على شطآنها..
في شعره الذي يبتدعه..معان لايأتي بها الاّ غواص يعرف كوامن الدرر ومكامنها..
وفي ألحانه سيمفونيات صغيرة..
“الصبر أجيبه منين” رائعة شرقية من روائعه التي غناها المطرب المصري الشهير “كارم محمود” ذو الباع الطولى في الغناء الأصيل..فزاده ” عبدالله فضالة” ولم ينقصه..ولو أنصف الدهر لأضاف تلك الرائعة إلى روائع ما غنّاه “كارم” وأشاعها شيوع بقية أغانيه..
وللفضالة اتصال ونسب ووشيجة  بامهات القصائد العربية فلحّن وغنى ل”علي بن الجهم” ـ  عيون المها بين الرصافة والجسر …جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري ـ ” وللمتنبي ” غنّى “حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا”..  وللبهاء زهير غنّى  “رسول الرضا”..وغنى لغيرهم كثيرا  وأبدع وكسا شجرة الفن الكويتي بما كان ينقصها من ثمار..
ولل”خلوج”.. صوت حزين ـ رسمه على الربابة ـ صوت عبدالله فضالة..
و” ياراكبين كوار”..تلك الملحمة.. ..سطرها عبدالله فضالة بصوته وربابته.. مثلما سطرها بقلمه شاعرها “حمود الناصر البدر”..
إن هذا المكتوب كله هو قول فالت عن “عبدالله فضالة” ومجرد شذرات متطايرات عنه..وليست وقفة على حياته..ولا توثيقا لها ولا سردا مزوّقا عن فنه..
إنها عجالة ـ من ضمير أرجو أنه حيّ ـ يتذكر ميتا..