اقتصاد

"ممارسات مريبة وراء ارتفاع أسهم "عيادة طب الاسنان
“بلاعين البيزة” تلاعبوا بأسهم “الميدان”

ربما يذكرنا مشهد سوق الكويت للأوراق المالية هذه الأيام بمشهده في حقبة أزمة المناخ الغابرة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وإن تباينت الرؤى واختلفت الاتجاهات، فعندما توافقت إرادة المشرع مع الإرادة التنفيذية ممثلة في الحكومة على صدور قانون 7 لسنة 2010 الخاص بإنشاء هيئة أسواق المال هلل الجميع وأمّل المتابعون لأداء السوق في مزيد من الرقابة على أداء التداولات وحماية صغار المتعاملين من التلاعبات باعتبار أن القانون الذي جاء متأخراً للغاية سيحمي مدخراتهم.  

إلا أن السفن أتت بما لا يشتهي عامة المتداولين بالأسهم، والتي كلما أحكمت شراعها من خلال أعمدة وصواري القوانين والقرارات، زادت قدرة المتلاعبين و”بلاّعين البيزة” نفوذاً في السوق، والدليل على ذلك ما حدث ويحدث على سهم  عيادة الميدان لخدمات طب الفم والأسنان “ميدان” ، والذي ارتفع سعره السوقي بنسبة بلغت 214% عبر 20 جلسة أو يوم تداول بدأت في 21 مارس من العام الماضي وانتهت في إغلاقات السوق الاثنين 23/1/2012 ، حيث ارتفع السعر من  580 فلساً إلى 1.820 دك للسهم ، وهو أمر يثير شجون رقابية وفنية ، نتمنى أن لا تغفله إدارة السوق ولا هيئة أسواق المال ولا وزارة التجارة وكذلك البنك المركزي أيضا، وأن لا يمر على المؤتمنين على مصالح البلاد والعباد مرور الكرام وكأن شيئاً لم يكن! 

ونأمل أن لا تأتي تلك التداولات على السهم لتعزز من البراهين الكثيرة التي تثبت يوماً بعد آخر أن الجهات الرقابية باتت أحد العوامل المساعدة والرئيسية للأسف في حرق ما تبقى من السوق، وأيضاً أحد العوامل الرئيسية في ضياع مدخرات الأفراد لإنقاذ أطراف معينة ، وربما بالاتفاق المسبق مع مؤسسات مالية دائنة، والذي قد ينتهي إلى تضليل البنك المركزي بشكل أو بآخر بما يتعلق بكفاية المخصصات والملاءة المالية لأطراف منهارة ماليا – وقبل ذلك أخلاقيا – في واقع الحال ، كون ملكية بعض مساهمي “ميدان” مرهونة للبنوك مقابل تسهيلات مصرفية ، ناهيك عن احتمال ارتباط الموضوع بشبهات غسيل الأموال نظرا للمبالغ الفلكية والمشبوهه المتعلقة بموضوعنا هذا. 

ويبدو أن دلائل التضليل على وضع الشركة من خلال  الأداء “المسرحي” للسهم خلال 20 جلسة تداول باتت واضحة لا تقبل الشك ، كما تتطلب الفحص الفني والمهني وأيضا ” العقلاني ” على تداولات أسهم الشركة وغيرها من الشركات المماثلة الواقعة ضمن ملكية كتل استثمارية معينة ، أو أطراف أخرى محددة. 

وخلال متابعة أداء الشركة وأسهمها خلال تلك الجلسات نشاهد ما يلي: 

1-بلغت القيمة السوقية الرأسمالية للشركة وفقا لآخر سعر إقفال (1.820 دك) 273 مليون دك  ، أي نحو مليار دولار أمريكي ! ، وتأتي هذه القيمة ” الفلكية ”  لشركة معروفة تماما من حيث خسائرها المتواصلة وموجوداتها المتآكلة ، حيث تلاشى أكثر من نصف رأسمالها . وما يلفت النظر أيضاً أنه السهم الوحيد بين 13 سهماً آخر مدرج في السوق الموازي كلها لم تشهد أي تحرك بخلاف السهم ” الأعجوبة “، وهو أمر يُثير الدهشة إذا ما عرفنا أن الشركة لم تعلن خلال فترة تداولاتها ” الأسطورية ” عن أية مشروعات تشغيلية أو صفقات أو أرباح تبرر هذا الأداء الملفت والمُثير للدهشة. 

2-لم تحرك إدارة السوق ساكناً يوم 15 /12/2011 الماضي ، حينما ارتفع سعر السهم دفعة واحدة بمعدل 87% ، ومن خلال صفقة واحدة فقط بكمية تداول 2500 سهم من 790 فلساً إلى 1.480 دك ، وبعبارة أخرى ، فإن صفقة يتيمة واحدة بقيمة 3700 دك قفزت بالقيمة الرأسمالية للشركة بمقدار 103.5 مليون دك من 118.5 إلى 222.0 مليون دك !!! وهو خلل يُظهر مدى ضعف نظام التداول  المعمول به في البورصة ، والذي يفتقر لأبسط آليات الرقابة على الأسهم المتداولة ، ويعزز بالتالي من “ثقافة التلاعب” بالأسهم من قبل البعض بالاتفاق غير المعلن بين ملاّك – أو مالك واحد بأسماء متعددة – لتلك الأسهم ، وذلك بغفلة أو ” تغافل ” من المؤسسات التنظيمية والرقابية أو بعضها. 

3-نخشى أن الأمر  يخفي “تربيطات” بين أحد أو بعض ملاّك الشركة من ناحية ، والبنك أو البنوك الدائنة لهؤلاء من ناحية أخرى لرفع قيمة السهم استباقا لاستحققات محددة حتى لا تنخفض قيمة الرهونات ، وهو ما يعني مطالبة المدين بمزيد من الرهونات وفاء لقيمة الدين وهي “لعبة معروفة” تديرها ” جوقة فاسدين ” من وقت لآخر وحسب الحاجة وبشكل معروف للقاصي والداني من المتعاملين في سوق الكويت للأوراق المالية ، وهو ما قد يعني تورّط أطراف رسمية وغير رسمية في ذلك الوضع المريب والمشبوه.  

4-من المعروف أن أداء سهم الشركة في البورصة مرتبط بشكل أو بآخر بالقيمة الدفترية للسهم ، والتي تراجعت خلال الفترة من 31 /12/2009 إلى 30/9/2011 بواقع 63% تقريباً من 133.15 فلس للسهم إلى 49.4 فلس للسهم، إلا أنه ومع هذا التراجع ، ارتفع سعر السهم السوقي بواقع 214% خلال الفترة الممتدة من 21 /3/2011 إلى 23/1/2012، وهو أمر يثير الشبهات ، كما يثير في الوقت نفسه الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات حول الرقابة الغائبة عن السوق، حيث نتمنى من القائمين على تطبيق قانون هيئة أسواق المال الضرب بالعصا الغليظة على أيادي ورؤس المتلاعبين والفاسدين ، والذين عبثوا بالبورصة والاقتصاد ردحا من الزمن ولا يزالون ، وذلك كما يحدث من خلال هذا المشهد ” التلاعبي ” على الملأ ، والذي هو غيض من فيض بكل تأكيد.

وبتحليل بسيط لمؤشرات السهم ، نجد أن سعره ( 1.820 دك ) يبلغ أكثر من 37 ضعف قيمته الدفترية ( 49 فلس )، في حين أن متوسط مضاعف سعر السوق إلى القيمة الدفترية لجميع الأسهم المدرجة في بورصة الكويت يبلغ 1.4 مرة فقط، كما أن ذلك المضاعف للشركات المشابهة من حيث المركز المالي المتردي والأداء السلبي يبلغ 0.5 مرة فقط بالمتوسط ، وبذلك يكون السعر السوقي المنطقي على هذا الأساس لا يزيد عن 25 فلس ، بينما يبلغ 1.820 دك على أرض الواقع!

وعلى الرغم من المطالبات المتعددة بفتح تحقيق رقابي ليس على أداء ذلك السهم فقط ، ولكن على المتورطين في تسهيل تلك التداولات من قبل الجهات الرسمية المسؤولة عن هذا الفلتان ، والتي لم تعط الموضوع حقه رغم الزعم المتكرر لتلك الجهات بتطبيق الشفافية والحوكمة  ومكافحة الفساد … إلخ ، والذي شجع استمرار استهتار المتلاعبين، والذين كلما صدرت تشريعات جديدة منظمة لأداء السوق ، تزداد معها ضراوة وعنف تلاعبهم وكسبهم غير المشروع، كأن تلك التشريعات لا تعنيهم ، كونهم يعيشون – ربما – في دولة أخرى على مزاجهم وشهواتهم !

وتجدر الإشارة إلى أن شركة عيادة الميدان لخدمات طب الفم والأسنان ” ميدان ” تأسست في عام 1992 ، وتم إدراجها في عام 2008 ، ويبلغ رأس مالها 15 مليون دك ، وقد تآكل أكثر من 50 % منه وفقا للبيانات المالية في 30/09/2011 ، كما تكبدت الشركة خسائر بمقدار 6.4 مليون دك للعام 2010 ، وأيضا خسائر بلغت 2.9 مليون دك لثلاثة أرباع العام 2011 ، وتمتلك الشركة المتحدة للخدمات الطبية – والتابعة بشكل غير مباشر لرجل الأعمال السيد / محمود حاجي حيدر – 56.84 % من رأس مالها ، علما بأن تلك الملكية مرهونة وتقدر قيمتها نحو 155 مليون دك وفقا لسعر إغلاق يوم الإثنين الموافق 23/01/2012 والبالغ 1.820 دك ، وهناك مالك رئيسي آخر وهو السيد / محمد جواد بهبهاني يمتلك 11.13 % من رأس مال الشركة.