آراؤهم

وداعا منصور

هذه المرة الثانية التي يشاء الله تعالى أن أُمسك قلمي برثاء قريب لي يصغرني في العمر فقبل ما يزيد على العام كتبت مقالا أودع فيه ابنة عمي مريم التي فارقت دنيانا واليوم يُقدر الله تعالى أن تنساب حروفي الدامعة في رثاء ابن عمي منصور أحمد الإبراهيم.
الموت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن توقعه والله تعالى يقول في كتابه العزيز “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت”، منصور شابٌ أكمل عامه السابع عشر انهى دراسته الثانوية بتفوق هذه السنة ويوم دفنه هو يوم تكريمه وحفل تخرجه من الثانوية! وهذه لعمري صدفة حسنه فوالله عندما عرفت هذه المصادفة فرحت وتفاءلت وكأننا نحتفل بتخرجه من الدنيا ودخوله الجنة بإذنه تعالى وكيف لا يكون ذلك والله يقول في الحديث القدسي ” أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي عبدي ما يشاء” فاللهم إننا لا نظن بك إلا خيراً فلا تحرم منصور الجنة ولا تحرمنا الاجتماع به فيها.
من هو منصور لأكتب عنه مقالا ما الذي يميزه عن أقرانه الذين سبقوه وانتقلوا إلى الرفيق الأعلى ،منصور يا سادتي شابٌ متميز لا أقول ذلك لأنه من أقرابي فهو لا يحتاج تزكيتي لكنني أنقل ما شاهد من أفعال الفقيد في حياته ، الرجل دائم الابتسامة صاحب خلق وأدب عندما تلتقيه لأول مرة تحسبه قد تجاوز العشرين من عمره من رزانته وجميل ألفاظه يعرف متى يتحدث ومتى يُنصت.
غالب لقاءاتي معه كانت في ديوان العائلة أو في مدرسة الرؤية حيث يدرس أبنائي ولا أذكر أنني رأيت منه ما يزعجني يبادر بالسلام دائما يسألني عن حالي وعن حال الأولاد وإن كانوا يحتاجون أي مساعدة ولطالما قلت لمحمد وسعد “منصور هو المسؤول عنكم داخل المدرسة إن احتجتم لشيء فابحثوا عنه!”
بالأمس انقلب تويتر صفحة رثاء كبيرة لمنصور ،أحبابه يدعون له، أقرباؤه يعلنون وفاته ومن لا يعرفه صار يقول “أنا لا أعرفك يا منصور لكن ذكرك الحسن دفعني للترحم  عليك” فيا الله هل هناك أجمل من هذه الجملة!
ألسنا شهود الله في الأرض خلال ساعات من وفاته انتشرت صوره في تويتر تارة وهو مبتسم وأخرى وهو يمسك مصحفه وثالثه وهو مرتديا ثوب التخرج من الثانوية وكلما شاهدت هذه الصور قلت هنيئاً لك يا منصور حسن الخاتمة ان شاء الله.
قرأت العديد من الكتب التي تتحدث عن أهمية الصحبة الصالحة لكنها كانت معلومات نظرية حتى شهدت بعيني ماذا يعني أن يكون لك أصدقاء صالحون، فما إن أُعلنت وفاته رحمه الله حتى تسابق أصدقاؤه فهذا يذكر محاسنه وذاك يقسم بالله أن منصور كان نعم الأخ والصديق وثالث يرجع بالذاكرة ايام المعتكف فيروي لنا حرصه على حفظ القرآن ورابعٌ كان مدرسا له فيكشف الستار عن حسن خلقه ويشهد له بالخير وخامس يجمع تغريداته ويعيد نشرها ليترحم الناس عليه وكلهم تعاضدوا لفعل الخير فأسسوا مشروعاً خيرياً باسمه وجمعوا له التبرعات فلله درهم من صحبة ولله درك يا ابن عمي.
وهل وصل منصور لهذا الخلق وهذه السمعة لوحده؟ لا والله فأبوه أحمد من أفاضل الرجال توفي ابنه وهو خارج الكويت فكتب ” اللهم اني اشهدك انني رضيت بقضائك” ثم أعقب ذلك فذكر قصة حدثت له مع منصور عندما كانا يوماً في المقبرة فطلب أبو منصور من ابنه أن لا يضع شاهدا على قبره بعد وفاته تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان جواب الشبل منصور “لا تدري يا والدي من يموت أولاً وإن كانت منيتي قبلك فلا تضع أنت شاهداً على قبري”
 
أحسن الله عزاءك يا أبا منصور وغفر الله لميتكم يا أم منصور وجمعنا واياه في الفردوس الأعلى، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار ولا نقول إلا ما يرضي والله ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا منصور لمحزونون.
 
T: alibrahem_a