اقتصاد

“بيتك”: آسيا أقل تأثرا بالأزمة المالية

– واضعو السياسة في آسيا استوعبوا درس الأزمة واتخذوا إجراءات وقائية لحماية البنوك 
– محاصرة أزمة اليورو ونمو الاقتصاد الآسيوي شروط أساسية لنمو الاقتصادات الاسيوية
– لدى آسيا اليوم القدرة على المناورة في سياستها النقدية والمالية لامتصاص أي ضربة مقبلة
توقع تقرير أعدته شركة بيتك للأبحاث، التابعة لمجموعة بيت التمويل الكويتي”بيتك”،أن تحقق الاقتصادات الآسيوية نموا بوتيرة ثابتة خلال النصف الثاني من العام الجاري، في أعقاب التقلبات التي شهدتها خلال النصف الأول، مشيرا إلى أن هذا النمو المتوقع يظل مشروطا باستمرار التدابير المتخذة بشأن محاصرة تداعيات أزمة الائتمان في أوروبا ، فضلا عن استمرار نمو الاقتصاد الأميركي .
وأشار التقرير إلى أن الاقتصادات الأسيوية باتت اليوم أقل عرضة للتأثر بتداعيات الأزمة المالية العالمية عن بدايات الأزمة في 2008 / 2009 ، بعد أن استوعب واضعو السياسة في آسيا الدرس جيدا واتخذوا العديد من الإجراءات الوقائية .. وفيما يلي التفاصيل :  
شهد النصف الأول من العام 2012 فترة من التقلبات بالنسبة للاقتصاد الآسيوي. فقد حافظت الأنشطة الاقتصادية في الربع الأول من 2012 على درجة كبيرة من المرونة بينما فاقت أنشطة الإنتاج في القطاع الصناعي توقعات المحللين ، ويرجع هذا بصورة جزئية إلى الطلب القوي من أسواق اليابان والولايات المتحدة فضلا عن تلاشي المعوقات عن سلاسل التوريد الإقليمية مثل المصانع التايلاندية التي استأنفت الانتاج بعد الفيضانات المدمرة التي اجتاحت البلاد في نهاية العام الماضي.
ومع ذلك، فإن الزخم القوي لم يتواصل خلال الربع الثاني من 2012. وانخفض مؤشر مديري المشتريات بصورة طفيفة كما أظهرت نشرة صادرات آسيا نموا اقتصاديا معتدلا في الربع الثاني حيث ألقى التباطؤ الاقتصادي في أوروبا والصين بظلاله على النمو في آسيا. وانخفضت قراءة مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك اتش اس بي سي بالنسبة للصين إلى 48.1 في يونيو 2012 في حين كانت القراءة عند 48.4 في مايو من نفس العام، مما يدل على أن إجراءات التحفيز التي أعلنت حتى الآن لا تزال تعمل على دعم الإنتاج. وفي الوقت نفسه، تراجع مؤشر مديري المشتريات الرئيسي بالنسبة لبلدان آسيوية أخرى مثل كوريا الجنوبية وتايوان واللتان تناضلان من أجل البقاء ضمن قائمة الاقتصاديات المتنامية. وذكرت الشركات المصنعة في آسيا أن الطلب من أوروبا والصين لا يزال ضعيفاً على الرغم من مؤشر الطلبيات الإيجابي من أمريكا الشمالية وجنوب شرق آسيا. 
على صعيد متصل، رسمت البيانات التجارية صورة اقتصادية معتدلة في الربع الثاني من 2012 على الرغم من الارتفاع الكبير في الربع السابق وذلك نتيجة لما يلي:
1) تراجع الطلب العالمي 
2) تقييد المخزون المرتفع في الربع الأول من 2012 للإنتاج والصادرات في الربع الثاني 
3) انتظام غالبية سلاسل التوريد الإقليمية بعد الفيضان الذي ضرب تايلاند العام الماضي
وعلى الرغم من التقلبات الاقتصادية، لعبت مرونة الطلب المحلي دورا مخففا للصدمات كما تم الحفاظ على الإنفاق الاستهلاكي من خلال نمو الإيرادات والظروف المستقرة لسوق العمل ، فضلاً عن استقرار أسعار السلع الأساسية على الأقل حتى الربع الأول من 2012 قبل أن يتراجع في ابريل ومايو 2012. وعلى صعيد القطاع الاستثماري، فلا تزال المشاركة المحلية تلعب دورا حاسماً من خلال السياسات الكلية الداعمة والتي تشمل تكييف أسعار فائدة مع الأسواق واستمرار تنفيذ المشاريع العامة ومبادرات القطاع الخاص. 
توقعات النصف الثاني 
إننا نتوقع أن يستمر التباطؤ في آسيا بصورة مؤقتة وسوف ينتعش بوتيرة ثابتة في النصف الثاني من 2012 مع حدوث الافتراضات التالية: 
1- أن تستمر أزمة ديون منطقة اليورو في تدبير شئونها ولو إلى مستوى يقارب مستوى الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 و 2009، 
2- أن يستمر الاقتصاد الأمريكي في النمو ولو بوتيرة بطيئة على مدار السنة. 
3- أن يستمر الدور المتنامي للصين في قيادة الطلب الإقليمي. ونرى أيضا أن المنطقة الآسيوية هي أقل عرضة هذه المرة لأزمة الائتمان العالمية، ولكن ينبغي أن تكون العودة إلى ممارسة الأنشطة أكثر هدوءاً من ذي قبل.
وبصورة عامة، تعد آسيا هذه الأيام أقل عرضة للأزمة المالية عن أعوام 2008 و 2009 حيث إن المنطقة تدعمها موازين خارجية صحية بالإضافة إلى قوة أنظمتها المصرفية. وبعد أن تلقن واضعي السياسة في أسيا درس الأزمة المالية العالمية السابقة، فهم على أهبة الاستعداد لحماية اقتصادات بلدانهم من خلال: 
1- توفير سيولة كافية في النظام المصرفي 
2- القدرة على إدارة تدفقات رؤوس الأموال الكبيرة والمتقلبة 
3- إبرام اتفاقيات ثنائية لعمليات تبادل النقد من أجل تخفيف تكاليف التمويل عبر الحدود. 
وعلاوة على ذلك، فإن آسيا لديها مجال للمناورة في سياساتها النقدية والمالية للتخفيف من حدة أي ضربة وشيكة قد تصيبها.
حساسية آسيا لأزمة الديون  
يلقي تفاقم الاضطرابات المالية في الاقتصاد العالمي بظلاله على الاقتصاد الآسيوي ويمثل تهديداً جوهرياً لمخاطر انخفاض قيمة الأسهم في تلك الأسواق. وبصورة عامة، قد تتأثر آسيا من خلال عدة قنوات، وتحديداً من خلال الروابط المالية والتجارية وهي صدمة من شأنها أن تفرض تأثيراً تبعياً جوهرياً على الطلب المحلي وعلى 
الاستثمار بشكل خاص مما دفع البنوك إلى رفع تكاليف الاقتراض ، حيث أصبحت  أكثر حذراً في عمليات التمويل. وعلاوة على ذلك، وإلى جانب فقدان تأثير الثروة نتيجة تراجع أسواق الأسهم وانخفاض قيمة العملات، قد يتآكل مستوى الثقة بين الأعمال التجارية وحتى بين الأسر.
إن أكثر من ثلث إجمالي الناتج المحلي مرتبط بالطلب من خارج آسيا وأن غالبية هذا الطلب لا زالت تأتي من الأسواق التقليدية في الولايات المتحدة وأوروبا. ومنذ عام 2007، أصبحت أوروبا وجهه أكثر أهمية من الولايات المتحدة مسهمة بنسبة 13% من إجمالي الصادرات الآسيوية. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد انخفضت نسبة مشاركة إجمالي الصادرات الآسيوية في الصادرات إلى الولايات المتحدة من 18% في 2000 إلى 12% في 2011. وعلى وجه مشابه، انخفضت نسبة مشاركة الصادرات الآسيوية إلى مجموعة الثلاثة (الولايات المتحدة وأوربا واليابان) إلى 32.1% في 2001 بالمقارنة بنسبة 38% قبل الأزمة المالية العالمية في 2008/2009.
وبالرغم من ذلك، فإننا نرى أن أي انكماش اقتصادي ناتج عن انحدار في مستوى التجارة العالمي سوف يكون سطحياً هذه المرة. وبصورة فعلية، فإن نسبة التجارة بين الأقاليم ارتفعت من 57.6% في 2007 إلى 61.2% في 2011، حيث تقوم اقتصادات عدة في آسيا بتنويع وجهات التصدير الخاصة بهم من كبرى الاقتصادات الصناعية إلى دول آسيا النامية. ويمكن أن يساعد التعزيز المستمر في التجارة بين الأقاليم في البضائع الجاهزة إلى تقليل مخاطر تعرض الاقتصادات الآسيوية للانكماش في الاقتصادات الصناعية، مما يجعل المنطقة أكثر مرونة ومقاومة للصدمات الخارجية. علاوة على ذلك، إن أي انكماش اقتصادي سوف يتم تخفيفه وامتصاصه من خلال مرونة الطلب المحلي.