أزعجني جداً كما أزعج كل غيور وحريص على أمن وسلامة وطنه تعليق أحد الدكاترة على كلمة أحمد السعدون الذي قال فيها مخاطباً سمو الأمير:(بأنه إذا حجت حجايجها فنحن حرس قصرك) والذي قال فيه متحسّراً بأن هذه الكلمة دليل على أن الربيع العربي بعيد عنا…؟!!
ولا أعلم ما هي المبررات التي تدفع هذا الدكتور للمطالبة وتمني الربيع العربي في بلادنا…نعم بلادنا تحتاج نفضة قوية لازاحة غبار الفساد الذي ضرب بأطنابه في البلاد…ولكن الفساد الذي نعاني منه ممكن علاجه ومحاربة دون المغامرة بأرواح الناس وأمن البلاد كما حدث في البلدان الأخرى التي تعرض فيها المسلمون لأبشع أنواع العذاب…؟!
لو كان هذا الدكتور من ذوي الدراسات الغربية لكان خطؤه أقل جرماً…!! ولكن العجيب أنه أستاذ دكتور في العلوم الشرعية…؟! فأين هو عن كتب الاعتقاد وشروح الأحاديث من لدن السلف إلى وقتنا الحاضر التي ملئت بالحث على الصبر وسلوك الطرق السلمية لمعالجة الفساد…؟!
وسأنقل للقراء نقلاً واحداً للحافظ بن رجب -بتصرف يسير-يقرر فيه معتقد السلف في الخروج حتى لا يطول المقال وحتى يعرف القرّاء بأن هذه الدعوة بعيدة كل البعد عن معتقد السلف…:
(قال رحمه الله شارحاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك، قال: أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني).
قوله عليه الصلاة والسلام:(كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء)، يعني: ما حالكم معهم وما موقفكم منهم؟ ومعلوم أنه قد جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر عند الأثرة، وأن الإنسان لا يقدم على شيء فيه مضرة من أجل حظ فاته من حظوظ الدنيا، أو أنه استؤثر عليه بشيء من أمور الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى الأنصار رضي الله عنهم بأن يصبروا، (وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالسمع والطاعة، فكان أصحابه يبايعونه على الطاعة في عسرهم ويسرهم، ومنشطهم ومكرههم، وعلى أثره عليهم).
أي أن يستأثر بالمال دونهم فلا يدعوهم ذلك إلى الخروج وإحداث فتن تترتب عليها أضرار لا حد لها، فإن الأمن والاطمئنان خير من فوات شيء يريد بعض الناس أن يكون له. فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج وعدم إيجاد أي شيء يحدث الفتن والقلاقل ويفرق الجمع، ويخل بالأمن، ولو فات الإنسان شيء من حظوظ الدنيا.…إلى أن قال:(تصبر حتى تلقاني) . أي: تصبر حتى الموت، وهذا لا يدل على أن الأموات يتلاقون في البرزخ، ولكن كماجاء في الأنصار: (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
قوله: (قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك). معناه: أي أنه سيقاتل من حصل منه ذلك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ما هو خير من ذلك، وهو ما يكون فيه السلامة، وعدم حصول الشيء الذي فيه مضرة، فقال له: (أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني) يعني: أن الإنسان يصبر ولو حصل له ما حصل من المضرة، أو فاته ما فاته من المصالح، وذلك حتى ينتقل من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ولم تحصل منه فتن وأمور يترتب عليها إضرار بالعامة، وحصول اختلال الأمن الذي لا يقر للناس معه قرار، ولا يهدأ لهم بال، ولا يطيب لهم عيش، ولا يأمنون على أنفسهم، ولا يستريحون في بيوتهم. ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر على جور الولاة وتحريم الخروج عليهم ولو كانوا جائرين، لما يترتب على الخروج من أضرار تفوق جورهم، وذلك بما يحصل بسبب ذلك من الفتن واختلال الأمن، وأن الناس لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم.
وقد يقال: هل قوله: (أولا أدلك على خير من ذلك؟) فيه إرشاد إلى ما هو أفضل مع جواز الخروج؟ والجواب: لا يدل على ذلك؛ لأن النصوص واضحة في النهي عن الخروج، وهذا أخذ بالمشتبهات، والواجب هو الأخذ بالأمور الواضحة الجلية التي فيها تحريم الخروج على الولاة ولو كانوا جائرين، أو استأثروا بالمال، ولكن هذا فيه الإرشاد إلى ما فيه السلامة وإلى ما هو خير للإسلام والمسلمين، وهو الصبر وعدم الخروج)انتهي كلامه رحمه.
وليت هذا الدكتور يأخذ بالنصوص الواضحة والمستفيضة عن السلف التي أشار إليها الخافظ في كلامه السابق في حرمة الخروج…ويدع الأخذ بالمشتبهات التي ملأ فيها كتابه الذي يحث فيه على خلاف معتقد السلف باسم الحرية…؟!!.
عبدالكريم دوخي الشمري
تويتر:a_do5y


أضف تعليق