آراؤهم

لا طبنا ولا غدا الشر

في البداية أود التأكيد على احترامي الكامل للقضاء الكويتي وأحكامه التي تنصف دائماً المظلومين وترد الحقوق المسلوبة لأصحابها وتنتصر للشرعية والقانون وتحقق العدالة، ولكن مما لا شك فيه أن قرار المحكمة الدستورية الذي صدر الأحد الماضي بتحصين مرسوم الصوت الواحد والدعوة لانتخابات جديدة وبطلان مجلس 2012، قد أثار حالة من الجدل بين جموع الكويتين وأصبح الأمر يحتاج إلى رؤية ثاقبة لوضع خارطة طريق تحدد معالم حاضر الكويت ومستقبلها السياسي والبرلماني.
لقد كنا ننتظر أن يكون حكم المحكمة الدستورية مخرجاً لنا من الأزمة السياسية الطاحنة التي عصفت بالبلاد خلال الفترة الأخيرة وكنا نتمنى أن يكون الحكم إيذاناً بعودة المعارضة الوطنية وأقطابها الكبار إلى الساحة من جديد بعد أن قاطعت الانتخابات الأخيرة وفضلت مصلحة الكويت على مصالحها الشخصية ولكن يبدو أن الرياح لا تأتي بما تشتهيه السفن وأننا سنظل في دائرة التأزيم والاستقطاب والاتهامات المتبادلة على حساب الاستقرار والتنمية والنهوض بالكويت. 
وإن كانت الآثار المترتبة على حكم المحكمة الدستورية جيدة في حد ذاتها ومن أهمها حل مجلس الأمة الذي انتخب نهاية العام الماضي دون أن يحصل على أرضية شعبية وسجل أدنى نسبة اقتراع وتصويت في تاريخ الكويت إلا أن الغالبية من الشعب كانت تأمل في سحب مرسوم الصوت الواحد والعودة للتصويت بنظام الدوائر الخمس والأصوات الأربعة وهذا هو المخرج لحل الأزمة أما ما حدث فهو يعني استمرار المشكلة والعبث بمصير ومستقبل البلاد ونسف للدستور وتعد صارخ عليه وعلى الإرداة الشعبية.
لقد وضعنا الحكم الصادر في خانة “لا غالب ولا مغلوب” أو كما يقولون فهو مجرد أنصاف حلول وتأجيل حسم كما أنه منح السلطة التنفيذية “سلطات كبيرة” تمكنها من التحكم في النظام الانتخابي وبالتالي مخرجات العملية الانتخابية وما سينتج عنها من برلمان سيكون موالياً للحكومة مثل المنحل خصوصاً مع استمرار غياب قوى المعارضة الحقيقة التي كانت تفضح الفساد وتحاربه وتقلق مضاجع القائمين عليه والمستفيدين منه.
والحقيقة التي لا ينكرها أحد أن المعارضة استطاعت الثبات على موقفها في رفض مرسوم الصوت الواحد وحاولت جاهدة أن توصل إلى المسؤولين رسالة غضب جموع الشعب الكويتي من المجلس المنحل الذي حاول دغدغة المشاعر واللعب على وتر احتياجات بعض الفئات فأقر قوانين لتحقيق قدر أكبر من الشرعية منها جدولة قروض شريحة من المواطنين ومنح شرائح أخرى مزايا مالية كبيرة ولكن كل ذلك لم ينطل على الكويتيين الشرفاء الذين أثبتوا أنهم أكثر وعياً وحرصاً على مصالح البلاد وديمقراطيتها العريقة.
أن عهد التفرد بالقرارات السياسية قد ولى إلى غير رجعة ومن غير المنطقي أن تصر القيادات على السباحة ضد التيار لأن هذا سينعكس على كل مؤسسات الدولة وسيؤثر بالسلب على التنمية والاقتصاد وسيتسبب في مزيد من الفرقة بين أبناء الوطن الواحد لذا فإن المسؤولية الآن تقع على الجميع فالمعارضة عليها أن لا تقف موقفاً سلبياً بل تخطو خطوات إيجابية وتقدم حلولاً قابلة للتطبيق العملي وعلى المسؤولين الإستجابة لمطالب الشعب وعدم التعنت والمضي قدماً في سياسات لا تخدم مصالح البلاد.
إن الكويتيين بقيادتهم الحكيمة التي عملت دائما لمصلحة الكويت وتماسك وحدتها الوطنية ووحدة صف شعبها أثبتوا أنهم قادرون على الحفاظ على مكتسباتهم الوطنية وتحقيق التنمية والتقدم ونحن نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى الى التكاتف والتلاحم من أجل تحصين الوطن بعيداً عن المصالح الشخصية وتفضيل المصلحة العامة وعلى الجميع أن يدرك خطورة ما يحدث حولنا من متغيرات وأن يستشعر طبيعة الظروف والأوضاع الراهنة التي تستوجب أخذ الحيطة والحذر لحماية وطننا العزيز والحفاظ عليه.. علينا جميعاً أن نفتح صفحة جديدة وننبذ الخلافات السياسية ونسعى جاهدين إلى المصالحة الوطنية من أجل هذا الوطن الذي نستظل تحت رايته وننعم بخيراته.. حفظ الله الكويت من كل مكروه.