سبر

رأي ((سبر))
في ذكرى الغزو.. لمن كانت الشرعية؟

لا شك أن الديمقراطية الحقيقية ليست مجرد صناديق انتخاب، بل ممارسة لإرادة شعبية تمنح الدولة شرعيتها ووجودها، والكويت رغم الاحتقان السياسي الذي يرتفع وينخفض بين فترة وأخرى، تعاني من مخاض عسير لترجمة الإرادة الحقيقية لتطلعات الشعب. 
وفي ذكرى الغزو العراقي الغاشم الرابع والعشرين الذي يحل علينا اليوم، نستحضر هوية دولة أراد المحتل البعثي أن يلغيها، ليصبغها بهويته ويحوّلها ناحيته، لأنه لم يكن يستهدف الأرض فقط ليضمها إلى أرضه، فهي بلا ساكنيها لا قيمة لها ولا تمنح لاحتلاله الشرعية التي أراد أن يخدع العالم بها. 
ورغم استبداد وطغيان النظام البعثي البائد، لكنه علم بأن مساعيه بالدبابة والسلاح كانت ستفشل إذا لم يحشد للرأي العام من داخل المجتمع الكويتي ليكون معه، ورغم ضعف الإمكانيات والدعم للمقاومة الكويتية، إلا أنها صمدت في وجه المحتل، ومن لم يقاوم بالسلاح رفض التعاطي مع هذا النظام الجديد، لتتظافر كل الجهود الدولية برغبة الشعب في عودة حكامه الشرعيين من آل الصباح، رغم ما كانت تعيشه الدولة آنذاك من حالة احتقان سياسي شديدة تم تغييب إرادة الشعب فيها وأدت إلى حل غير دستوري لمجلس 1985.
واليوم تحضر أمام أذهان الجميع نفس حالة التوتر السياسي التي أدت إلى نتائج مكررة ولكن بصورة أكثر عصرية لتتماشى مع الواقع الذي نعيشه، فبدلاً من إلغاء إرادة الأمة بمجلس وطني معيّن، يتم تشويهها بتعديل الانتخابات إلى صوت واحد لمحاربة أغلبية معارضة فرضت إرادة الشعب على الحكومة وامتلكت زمام الأمور التشريعية والرقابية في تجسيد فعلي للمادة السادسة من دستور الكويت والتي تنص على أن الأمة هي مصدر السلطات جميعاً.
وتدخل الكويت هذه المرحلة الجديدة في ذكرى الغزو العراقي الغاشم وهي تعيش انقساماً شعبياً كبيراً لم يسبق لها أن عاشته عبر تاريخها، حتى وصل الانقسام إلى مؤيدي الحكومة أنفسهم، وبدلاً من أن تسعى السلطة إلى احتواء الأزمة والتعامل معها بواقعية وعقلانية وبعد نظر، عمّقت السلطة هذا الانقسام باستخدامها لأحد أخطر الأسلحة “غير الشرعية” في تاريخها وهو سلاح المواطنة والمساومة على مواطنة الشعب الذي منحها شرعيتها في أصعب الظروف وأحلكها، لتسحب الجنسية من مدير قناة المعارضة الوحيدة اليوم “أحمد الجبر” وصاحب أول استجواب لرئيس الحكومة النائب السابق “عبدالله البرغش”.
إن استخدام السلطة لقانون الجنسية كأداة عقابية ضد خصومها السياسيين، وإبقاء الباب مفتوحا أمام سحب جناسي لمعارضين آخرين، هو بمثابة النكران المباشر والواضح للدور العظيم والتاريخي والتضحيات التي قدمها الشعب الكويتي بجميع فئاته وتياراته السياسية خلال الغزو العراقي.
كما أن ما تقوم به السلطة حالياً هو أخطر بمراحل من الغزو العراقي الغاشم، فإذا كان الغزو العراقي قد وحد الشعب الكويتي رغم اختلافاته، فإن ما تقوم به السلطة التي لا تعي خطورة ما تقوم به، قد مزق الشعب ووحدته الوطنية وجعله يقف في خنادق متقابلة كل منها ينتظر الانقضاض على “مواطنة” الطرف الآخر! وإذا كان الغزو العراقي استهدف “سيادة” الدولة، فإن ما تقوم به السلطة يستهدف “مواطنة” الشعب و”سيادتة”!