كتاب سبر

اضراب النفط .. فشل حكومي

بعد تحرير الكويت، كانت هناك فرصة ذهبية لتصحيح مسار الدولة دستورياً وقانونياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً، كانت البداية الجديدة بعد التعثر وكانت الانطلاقة لنعود للصدارة، لكن لم تتعلم حكوماتنا الدرس، واستمرت متعاقبة في التخبط والضياع في الرؤية، لم تعرف البلد قراراً واحداً دون أن تكون به رائحة تنفيع أو مصلحة شخصية أو أنه كان وليد ردود أفعال غير مدروسة، لم نسمع كمواطنين إلا عن قضايا الفساد دون مشاهدة متسبب واحد فيها خلف القضبان ، بدأت الدولة بالسقوط الحر في كل المجالات حتى بدأ البعض من المواطنين يشعر بأننا بلد مؤقت لأنه يرى بعينه مايحصل من فئات قليلة تحاول اقتسام ثروات الوطن.
نحن أمام قضية أكبر بكثير من هل أنت مع أو ضد اضراب عاملي القطاع النفطي؟ فالاضراب لايتعدى أن يكون قمة جبل ظهر رأسه والخوف من ماهو اسفل البحر وما قد تتكشف عنه انحسار المياه مع الأيام.
اننا نحصد ثمار الفساد التي غرست في البلاد، وندفع ثمن سياسة الضياع وغياب الرؤية، نواجه النتائج الكارثية للعبة المحاباه والمحاصصة وكسب الولاءات، انها ضريبة سنوات هدر الثروة .
من انزعج لحجم خسائر اضراب القطاع النفطي عليه أن يتحسر قبلها على المليارات التي تبخرت دون سبب ودون أن نعرف أين ذهبت،عليه أن يسأل لماذا لم يحاسب أحد عن أكبر خسارة نفطية شهدتها الكويت بعد تلك المتعلقة بحرق 732 بئر نفطي والتي بلغت قرابة 120 مليون دولار في ذلك الوقت وهي حرق 2 مليار دولار بصفقة الداو ، عليه أن يتألم لانفاق 11 مليار دينار على خطة التنمية التي فشلت .. وعلينا جميعاً أن نبكي ماهو أعز من المال، تحطيم الكفاءات وتقييد الحريات وضياع دولة الدستور والقانون وقبل هذا كله خسارتنا لسنوات من عمر الوطن كانت يفترض أن تكون سنوات من الازدهار والتقدم.
ودون الخوض في مشروعية الاضراب من عدمه إلا أن الجميع يتفق على أن الاضراب الشامل غير جائز، بالمقابل لايوجد اضراب بالعالم بلا خسائر حتى لو كان جزئياً ومحدد المدة ، ولا يمكن القبول بفكرة النقابات والاتحادات العمالية دون القبول بحقهم في الدفاع عن منتسبيهم .. فلهذا وجدت هذه الكيانات أساساً وهذا هو جوهر العمل النقابي.
وانسجاماً مع رأي سابق لي والذي طرحته بتاريخ 28-10-2011 أن “الغرض من الاعتصام و الاضراب هو الحصول على الحقوق العمالية أو تحسينها لكن مشاركة أعضاء مجلس الأمه بها وتحويلها لتجمعات ضد الحكومة يخرج هذه الأدوات العمالية من أهدافها و يحولها لسياسية وهو مخالف تماما لفكرة الاضراب العمالي و يسقط عنها القانونية ويحولها لمظاهره سياسية”، فكنت ولازلت اطالب أن يبتعد الساسة عن الاضرابات لكي لاتستغل السلطة مايحدث في معاقبة العمال ولا يتسلق السياسي على حقوقهم، لكن هذا لايمنع من المساعي النيابية في المفاوضات أو باقرار القوانين والدفاع عن ماقد يتعرض له المضربين من جزاءات، وفي النهاية من لايريد مساندة حقوق العاملين في القطاع النفطي عليه أن لايمنعهم من الدفاع عن مصالحهم، فاليوم هم ومن يدري قد تكون أنت غداً.
اليوم لا مجال إلا لأن نكون أكثر صراحة ونوجه اصابع اللوم للمتسبب الحقيقي لكل ماتمر به البلاد وهي “السلطة التنفيذية” هذه السلطة المهترئة التي لانعرف حتى الآن هل هي تعي واقعنا المرير أو لا؟ هل يدرك رئيسها ماوصلت اليه حال الكويت؟ هل ستنجح حكومته في اجتياز الأزمات وهي التي لم تستطع أن تدير البلد بأيام الرخاء؟ هل يصلح المعدن الصديء للبناء الجديد؟
أسئلة كلنا نطرحها اليوم ولا نجد لها إجابة .. لكن الإجابة الأكيدة التي يعلمها الجميع بأننا لسنا أمام حكومة قادرة على العمل، وأبسط مايطلق عليها بأنها حكومة تصريف الأعمال الاسبوعية للدولة .. ردود أفعال اسبوعية باجتماع مجلس وزراء لوزراء بلا خطه ولا رؤية.
في النهاية لاداعي لتخوين الشعب لنفسه بنفسه ولاداعي للبحث عن المتسبب عن خسائر الكويت خلال كل هذه السنوات ولاداعي لتقاذف المسئولية بيننا، فمن زرع الانقسام هي الادارة التي فشلت في توحيدنا، من اختلق الازمات هو من كان يفترض أن يجنبنا اياها ، ازمة عاملي القطاع النفطي ليست الاضراب بل فشل الحكومة التي أوصلت النقابات لهذا القرار الصعب بدلاً من احتوائهم.
ختاماً أصبح بقاء حكومة جابر المبارك مكلفاً على الميزانية أكثر من تراجع أسعار البترول أو تأثر البلاد باضراب عاملي القطاع النفطي، كلفة الفشل الذريع في إدارة الدولة واحتواء الأزمات، كلفة سياسة التعنت وغياب الحكمة، كلفة مستقبل أجيالنا الذي نخشى أن يضيع إن استمرت هذه الحكومة بإدارة البلد بهذا النهج.