عبدالله الذروه
آراؤهم

الصراع السياسي وفن الممكن

في أي ممارسة سياسية لابد من تحديد نوع وأطراف الصراع، وعندما ننظر للواقع السياسي في دولة الكويت نجد أن الصراع القائم بين طرفين رئيسيين، يتمثل الطرف الأول في السلطة وحلفاؤها وإن تعددوا في الغايات، والطرف الآخر يتمثل في المعارضة الإصلاحية بكل أطيافها وإن اختلفوا في الأسلوب، فأما السلطة فتملك كل أدوات القوة في اللعبة السياسية حتى أن باستطاعتها تسييس ما لا يجب أن يدخل في السياسة والصراع، وبذلك تملك صناعة الحدث الذي تريد وفق القانون والدستور كمن يقتل القتيل ويبكي عليه، وفي الطرف الآخر لا تملك المعارضة الإصلاحية إلا ردة الفعل والتشتيت وعدم الاتفاق، فتجد أطياف المعارضة يقدمون اختلاف الأسلوب على وحدة الأهداف وبذلك لا يعلمون من طقّاقهم.

اتخذت المعارضة ثلاث مراحل في ردة الفعل تجاه السلطة، كانت المرحلة الأولى بالمواجهة المباشرة ضد مراكز الفساد تمثلت بوجود النواب الأقلية في مجلس 2009 والاستعانة بالشارع فكانت الندوات والتجمعات، وعندما تحقق الهدف بوصول أغلبية برلمانية في مجلس 2012 المبطل الأول كان الرد سريعاً بالإبطال ومرسوم الصوت الواحد وتحصينه دستورياً، هنا كانت المرحلة الثانية في ردة الفعل التي تمثلت بالمقاطعة بنيّة كشف الغطاء كلياً عن الفساد ولكن الحقيقة المؤلمة كانت بترك الخيط والمخيط للسلطة لتفعل ما تشاء وتريد دون رقابة فكانت الطامة الكبرى بأن سحبت الجناسي وتفننوا بوضع القيود الأمنية واعتقال من له رأي سياسي مغاير، عند ذلك فاقت المعارضة من سباتها العميق وأدركت أن أساس الشريعة الإسلامية جلب كل مصلحة تنفع العباد ودرء كل مفسدة تضرّ بهم كما قال ابن القيم رحمه الله، فتغيّر الموقف السياسي من المقاطعة إلى المشاركة في اللعبة السياسية من جديد هنا كانت المرحلة الثالثة من ردة الفعل.

إن العمل السياسي مبني على فقه الواقع وفن الممكن لذلك لا ضير في الرجوع خطوة إلى الوراء والتنازل أحياناً في سبيل تحقيق هدف أو الوصول إلى غاية، عندما اتخذت المعارضة قرار المشاركة لم تكن مخطئة لأنها أيقنت بأن الطرف الآخر لا يقبل بوجود خصم له إلا إذا كان من خلال قواعد هو وضعها، وكان من أولويات المعارضة ملف الجناسي ورفع القيود الأمنية والوثيقة الاقتصادية، وكما ذكرت سابقاً الهدف واحد والأسلوب متعدد فنجد من المعارضة من اتخذ سبيل (ناطح صياح بصياح تسلم) لذلك وجّه الطبطبائي استجواباً لرئيس مجلس الوزراء وفق المادة 100 من الدستور خصوصاً بعد خيبة الأمل بهذه الحكومة ووعودها إثر انقضاء مدة الاتفاق التي كانت بينهم، فما إن كان الاستجواب إلا وتحرك مجلس الوزراء بعدها على ملف الجناسي الذي ينتظر الشعب إغلاقه، ونجد منهم من اتخذ سبيل (الكلام الليّن يجيب الحق البيّن) وبهذا المنطلق لم يوقع نواب الحركة الدستورية الإسلامية على كتاب عدم التعاون مع رئيس الوزراء لأن الأمل لايزال موجوداً ولم يطرق اليأس بابهم في حل الأمور العالقة، وكلا السبيلين على صواب تام لأن هذا ما يقتضيه العمل السياسي من شد وإرخاء للحبل بين الحكومة والمعارضة.

هناك قاعدة سياسية تقول أنه إذا حمّلت الطاولة السياسية من أوزان الأهداف أكثر مما تحتمل فإنها ستنكسر حتماً، لذلك ينظر الكثير للمعارضة في المجلس الحالي على أنها ضعيفة وهشة ولا تملك من أمرها شيء، ويغفل الكثير أن رجل الدولة عادة ما يبدأ – إن كان يصارع خصماً قوياً – من ضعف استراتيجي ثم ينتقل إلى مرحلة التعادل الاستراتيجي ثم إلى مرحلة التفوق الاستراتيجي، كثير من الناس لا ينتبهون إلى التفاصيل الصغيرة مع أن السر يكمن في تلك التفاصيل، ولذلك تستطيع تقسيم البشر إلى فئة قليلة تنظر فترى، وأخرى كثيرة تنظر ولا ترى شيئاً غير ما أريدَ لها أن تراه.