فن وثقافة

(درب الزلق) عمل فني يعكس الهوية الوطنية للدراما التلفزيونية الكويتية

بعد مضي 41 عاما على انتاجه مازال مسلسل (درب الزلق) الكويتي يتصدر قائمة أفضل المسلسلات الخليجية الذي يتكرر عرضه على القنوات الفضائية العربية باستمرار وكأنه يعرض لأول مرة.
وحقق المسلسل منذ انتاجه في عام 1977 نجاحا جماهيريا خليجيا وعربيا منقطع النظير وبات علامة من علامات النهضة الثقافية الفنية في الكويت حاملا الهوية الوطنية للدراما التلفزيونية الكويتية الى البلدان العربية قاطبة.
وهناك عوامل عدة ساهمت في نجاح هذا المسلسل كدراما كويتية التي مرت بثلاث مراحل الأولى مرحلة الأداء الكاريكاتيري والثانية مرحلة الدراما المنمطة (تقديم شخصيات نمطية واقعية) والثالثة هي (المؤنسنة) وتعني معالجة القضايا بإطار إنساني.
وفي هذا الاطار اشار أستاذ الدراما وعلوم المسرح الدكتور نادر القنة الى عدة عوامل ساهمت في انجاح هذا المسلسل ليستمر حتى اليوم مؤكدا ان هذا المسلسل قادر على الاستمرار لخمسين عاما أخرى بنفس الكفاءة والنجاح.
وقال القنة في حديث مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) ان أول عوامل النجاح هو ان المسلسل من انتاج تلفزيون الكويت وهذا يعطي انطباعا جميلا وهو ان تلفزيون الكويت يحكم قبضته على الأعمال الناجحة.
واضاف ان التسيب الدراماتيكي او تسرب مسلسلات دون المستوى قد جاءت عبر بعض شركات الانتاج الخاص ورأى انه يجب ان تعود الدراما التلفزيونية الى ما وصفه ب”بيت الطاعة” الى تلفزيون الكويت حتى يحكم قبضته على ما الذي يجب أن يقدم وما لا يقدم.
وأشار القنة الى العامل الثاني للنجاح وهو ان تلفزيون الكويت جمع نخبة من الفنانيين الكويتيين امثال (عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وعلي المفيدي وعبدالعزيز النمش وسمير القلاف) وغيرهم وتلك النخبة أعطت دافعا وشكلت أحد عوامل النجاح.
وقال ان اجتماع تلك النخبة التمثيلية حول المسلسل الى أشبه ما يسمى “مباراة” ما بين الفنانين في التمثيل من أجل اظهار مهاراتهم التمثيلية وبالتالي تحسين أداء الدراما الكويتية وتلك المنافسة أعطت الصورة الحقيقية للتمثيل الجاد الملتزم.
وبين القنة ان العامل الثالث لنجاح المسلسل هو مزاوجته ما بين مرحلة الدراما الكاريكاتيرية ومرحلة الدراما المنمطة حيث كانت بداية مرحلة للتحرر من الدراما الكاريكاتيرية التي استمرت من عام 1964 من (مذكرات بو عليوي) حتى 1970 مسلسل (أجلح وأملح) وقد أنتج مسلسل (درب الزلق) عام 1977 ليبدأ مرحلة ما يسمى ب(الدراما المنمطة).
وأوضح ان المسلسل قدم شخصيات منمطة واقعية نشاهدها في الاطار الاجتماعي (الأب والأم والتاجر والزوج والجار والمحامي) بعيدة عن التصوير الكاريكاتيري المبالغ فيه.
وأشار الى ان المضمون الفكري هو العامل الرابع لتميز (درب الزلق) حيث حمل المسلسل تنبيهات عدة وأراد أن يصور لنا بأن الثروة التي هبطت على الانسان بفعل قوانين التثمين ان لم تستغل بعقلية جيدة وادارة صحيحة فان مصيرها الفشل مثل ما حصل في المسلسل مع شخصية حسين بن عاقول.
وبين ان تلك الصورة التي صورها المسلسل تعتبر من الصور التنبيهية العالية التي حملها المسلسل في صورة دراماتيكية فكرية عالية يحذر فيها من مغبة استخدام المال دون وعي وادراك.
كما بين ان المسلسل حمل صور تنبيهية اخرى منها ان الانسان لا يجب ان يرى نفسه فاهما في كل الامور مثل ما حدث مع شخصية حسين بن عاقول الذي عمل في مجالات متعددة منها المحاماة معتقدا ان المسألة لا تحتاج الى مراعاة القواعد العملية والمعرفية وتأتي هكذا “اعتباطا”.
وأكد ان المسلسل قدم سلسلة من حلقات الفشل كانت عبارة عن صور دراماتيكية قدمت للجمهور حتى يستفيد من تلك الخبرات التي صورها ونتائجها.
وقال القنة ان كل هذه العوامل الفكرية والانتاجية والأدائية التمثيلية اجتمعت لانتاج هذا المسلسل الذي حقق هذا النجاح لأكثر من أربعة عقود ولا زال يقدم حتى اليوم.
وبين ان السبب وراء اعادة هذا المسلسل لأكثر من مرة واقبال الجمهور العربي بشكل عام على مثل هذا النمط من التمثيل يكمن وراء حالة “فينوستالجيا” وهي حالة الحنين الى الماضي والى مراحل عاش بها الأجداد والآباء وبالتالي يريد الجمهور اعادتها ورؤيتها بالكيفية العامة فتشبع تلك المسلسلات رغبتهم مؤكدا ان الحنين الى الماضي يعتبر عنصرا من عناصر نجاح أي مسلسل.
وقال ان المسلسل انتشر عربيا بسبب “العفوية” في الاداء من قبل الممثلين ومن كتابات مؤلف المسلسل عبدالأمير التركي مبينا ان هناك مشاهد قدمت لم تكن موجودة في السيناريو ولم يمانع المخرج المبدع حمدي فريد في حال خروج الممثلين عن النص اذا كانت المشاهد تضيف نكهة جميلة على السيناريو.
وبين ان هذا المسلسل تنبأ بصناعة نجوم آخرين حيث حمل في طياته نجاحا لجيل آخر من الثمانينات والتسعينات مثل ابراهيم الحربي الذي جسد شخصية (الملا) وسمير القلاف (صالح) ابن (بو صالح) وغيرهم موضحا ان هذا الجيل كان حينها في بداية الطريق وهذا المسلسل خط لهم طريق النجاح.
وقال ان ادارة الانتاج بقيادة المرحوم سالم الفهد مع تلفزيون الكويت اثبتت وقت انتاج هذا المسلسل انها قادرة على ان تستفيد من الارث الماضي من عشرات المسلسلات التي قدمت في الستينات ومطالع السبعينات واستثماره في صناعة مسلسل جماهيري ناجح . وأكد ان هذا المسلسل “لم تكتب ولم تقيد له حتى الان شهادة وفاة” وسيبقى حيا في ذاكرة الجماهير وفي ذاكرة ارشيف دولة الكويت.
وأشار الى الشهرة التي حققها هذا المسلسل عربيا مؤكدا ان ليس كل مسلسل يستطيع مغادرة الجغرافيا التي ينتج فيها وان استطاع فلابد ان يحمل علامات النجاح اضافة الى ان المسلسل لم يخاطب المواطن الكويتي فحسب بل كان الخطاب انسانيا عربيا.
من جهته سرد الفنان سعد الفرج الذي جسد شخصية (سعد) في مسلسل درب الزلق كيفية ولادة فكرة المسلسل والجهود التي بذلت حتى انتاجه.
وقال الفرج في حديث لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان هذا العمل جاء بعد ان استدعاه الشيخ جابر العلي الصباح رحمه الله هو والفنان عبدالحسين عبدالرضا والكاتب عبدالأمير التركي وطلب منهم عمل مسلسل مميز ليكون “خالدا”.
وبين ان الشيخ جابر العلي كان وقتها وزير الارشاد والأنباء ووعد بتقديم الدعم المادي غير المحدود لانتاج هذا المسلسل والذي تميز بأنه اول عمل من فيه منتج منفذ وكان من انتاج ثلاثة اشخاص وهم (سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا وعبدالأمير التركي).
واضاف الفرج انه وعبدالحسين وعبدالأمير التقوا في حديقة (دروازة الجهراء) مساء نفس اليوم الذي طرحت عليهم الفكرة من قبل الشيخ جابر العلي مبينا انهم تناقشوا وطرحوا بعض الافكار حول عمل مسلسل مميز.
وبين الفرج انه طرح فكرة مسلسل كان قد قدمها مسبقا للمخرج الكويتي خالد الصديق ليكون عمله الثاني من بعد عمله الأول المميز (بس يا بحر) مشيرا الى ان الفكرة كانت عن (مسعد ومسعود).
واوضح الفرج ان فكرة العمل (مسعد ومسعود) تدور حول شخصيتين سقطت بيدهما ثروة بعد التثمين وقاما بعمل مشاريع متعددة مبينا ان مضمون الفكرة هي ان المال قد يكون نعمة عند حسن التدبير وقد يكون نقمة عند سوء التدبير.
وبين ان هذه الفكرة اصبحت محور مسلسل (درب الزلق) وقام هو وعبدالأمير التركي بكتابة السيناريو والحوار وبعد كتابة كل حلقة يجتمع الثلاثة (الفرج وعبدالرضا والتركي) في شركته لقراءة الحلقة ومناقشتها واضافة ما يمكن اضافته من مواقف وتعليقات وتنقيحها. (النهاية) ش ه د / ا ع س