فن وثقافة

“الترجمة”.. رسالة سلام وجسر التواصل الإنساني حلقة نقاشية في قطر

عقدت لجنة تسيير جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في قطر أمس الخميس الموافق السادس من ديسمبر 2018 وبالتعاون مع مكتبة قطر الوطنية حلقة نقاشية بعنوان “الترجمة رسالة السلام وجسر التواصل الإنساني”.
شارك بها كل من د كريم ماجري المستشار التحريري لشبكة الجزيرة ود حنان الفياض المستشارة الإعلامية لجائزة الشيخ حمد ود منتصر الحمد و د علاء عبد المنعم من مركز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ود رضوان أحمد من قسم اللغة الإنجليزية بجامعة قطر، وأ عبد الكريم العوير من شبكة الجزيرة، و أ أحمد النداف أحد اختصاصي البرمجة والبيانات المعرفية في مكتبة قطر الوطنية.
وبينت د امتنان الصمادي عضو الفريق الإعلامي للجنة تسيير الجائزة التي أدارت الحلقة إنها تأتي ضمن سلسلة ندوات وحلقات علمية وثقافية ينظمها الفريق الإعلامي في لجنة تسيير الجائزة للتعريف برسالة الترجمة ودورها في مد جسور التواصل الفكري والإنساني، ودور جائزة الشيخ حمد بأبراز المنجز الإنساني المترجم من وإلى العربية، كما تهدف إلى خلق حالة من الوعي بأهميتها ودورها في النهوض الحضاري لدى جيل المتعلمين. وذلك في سبيل رفد العالم العربي، بأهم المنجزات الفكرية ذات التميز النوعي.
وناقش المشاركون في مدرج مكتبة قطر الوطنية عدة محاور من أبرزها
– آليات صناعة الترجمة بوصفها لغة عالمية
– كيف تكون الترجمة جسرا للتواصل الإنساني؟
– دور جوائز الترجمة العالمية في نقل الفكر الإنساني
– جائزة الشيخ حمد للترجمة وسيلة لتكريم المعرفة العابرة للغات
– مشاريع الترجمات العلمية ، نماذج في الريادة.
وفي مداخلته حول آليات صناعة الترجمة بوصفها لغة عالمية قال د كريم الماجري صاحب ترجمة كتاب من اللغة البوسنية ” العناصر الإسلامية لهوية أوروبا”، تأليف الدكتور فريد موهيتش
لا يوجد تعريف محدد وموثوق للترجمة وإنما توجد توصيفات مختلفة، إما تصف العملية في ذاتها أو تصف المنتج في كليّته. وربما تتفق كل تلك التعريفات-التوصيفات-على أن المعنى هو المقدّم في كل أنواع الترجمة، وليس الأسلوب أو بناء النص. ومع ذلك فلا شكّ أنه لا توجد طريقة أخرى غير الترجمة لدراسة العلاقات الحاكمة لمختلف الآداب فيما بينها ولمعرفة تاريخ الحضارات والثقافات التي تحيلنا عليها تلك الآداب.
ليست الترجمة، كما يعتقد المرء للوهلة الأولى، بحثًا بسيطًا في معادلات معجمية للكلمات التي تشكل النصًوص المراد ترجمتها، مع أن هذا البحث يتطلب معرفة دقيقة وإلماما واسعا بمختلف الوظائف المعقّدة للكلمات. الترجمة هي ذلك الفرع من المعرفة –العلوم- الذي يمنحنا الفرصة لصياغة عبارات تحقق بشكل كبير نفس الوظائف التي أدّتها العبارات المقابلة في لغة أخرى.
وعلى الرغم من أن الترجمة، في مبادئها الظاهرية، تبدو وكأنها جزء من علوم اللسانيات، إلا أن فعل الترجمة في ذاته ينتمي أكثر إلى مجال الفن، فهو يتطلب إحساسًا شخصيًا لدى المترجم بالإمكانيات الأسلوبية لكلتا اللغتين. فالترجمة من هذا المنظور، علم وفن على حد سواء: فهي علم في جانبها اللغوي، وهي فن في جانبها المتجاوز للغة-الما بعد لغوي-.

كما أضاف د رضوان أحمد أستاذ علم اللغة الاجتماعي في قسم الأدب الإنجليزي واللغويات في جامعة قطر في هذا السياق ان هناك ظلما في وصف الترجمة جسراً بل هي اكثر و اعظم من ذلك. فالترجمة لم تكن جسراً للتواصل فحسب ‏وإنما أصبحت عنصراً أساسيا في تكوين النشأة الغربية. وجود الترجمة ذات الجودة العالية تضمن التنوع اللغوي و الثقافي و تقف امام هيمنة اللغة الإنجليزية التي قد تودي الى اندثار اللغات و اللهجات. فالترجمة كلغة عالمية تضمن استدامة اللغات و الثقافات.
وقدم د منتصر الحمد المتخصص في اللغات السامية المقارنة من جامعة مانشستر وله العديد من الكتب المترجمة من الإنجليزية إلى العربية والعكس ثلاثة محاور، تركّز الأول حول المفاهيم والمنهجيات التي ينبغي أن تكون حاضرة عند تحليل التواصل الحضاري، مثل: “الأنا والآخر”، و”نظرية التصادم” التي بنى عليها صموئيل هننغتون “تصادم الحضارات”، و”نظرية الاتصال الاجتماعي”، ثم انتقل لمحور “اللغة باعتبارها قوة ناعمة” استقرأ فيه احصائيات عالمية مختلفة حول “اقتصاد المعرفة” و”اقتصاد اللغة”، ثم انتهى للمحور الثالث حيث عرض وحلّل عددا من مشاريع الترجمة الكبرى ومدى انسجامها مع المحورين السابقين.
وتأكيدا لأهمية الجوائز كونها تمثل إحدى أدوات القوة الناعمة قدم د علاء عبد المنعم أستاذ اللغة العربية بجامعة قطر مداخلته بأن المترجم صاحب رسالة حضارية تدعم القيم الإنسانية السامية من محبة وإخاء وسلام، ويتحمَّل المترجم – وبخاصة في سياقنا العربي – أعباء إضافية نتيجة تراجع الدور المؤسسي، وهو ما يضاعف حاجته المتجددة إلى الدعم والمساندة والتحفيز، وهنا يتجلى الدور الأكبر لجوائز الترجمة يما تحمله من اعتراف بأهمية عمل المترجم واحترام منجزه الأصيل.
ومن الأمور التي تدعو إلى التفاؤل الزيادةُ الملحوظة في عدد جوائز الترجمة التي ترعاها بلاد عربية خلال العقد الأخير، وهو ما يعكس في جوهره وعيًا عميقا بالعلاقة الشرطية بين محاولة النهضة وازدهار حركة الترجمة، باعتبار أن الترجمة هي أحد الروافد التي تتجدد بها ثقافة الشعوب، وأحد الآليات التي تقوم عليها الاستراتيجية الحضارية للأمم. ويرتهن نهوض جوائز الترجمة بدورها بعناصر ثلاثة هي؛ وضوح الرؤية، ومأسسة العمل، والانفتاح على جيل الشباب.
واستعرضت الدكتورة حنان الفياض وهي الناطق الرسمي، والمستشار الإعلامي باسم الجائزة، في ورقتها “جائزة الشيخ حمد للترجمة اللغات والمحددات في الموسم الرابع” جهد جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في مد جسور التعاون بين الأكاديميين المشتغلين بالترجمة، مشيرة إلى تاريخ الجائزة التي انطلقت دورتها الأولى في عام 2015 وتهدف إلى التواصل بين أمم العالم وشعوبه، ونشر ثقافة السلام، وتجويد عملية التعريب والترجمة. وسلطت الفياض الضوء على دور الترجمة المهم عبر التاريخ في النهوض بالأمم ومقارنة واقعها الحالي بما ينتجه العالم من ترجمات في ظل العلاقة بالآخر والتي أصبحت شرطا أساسيا في تحقيق الوجود. وشرحت الفياض أهداف الجائزة ومعاييرها وشروط التقدم لها، ولفتت الدكتورة حنان أنظار الحضور إلى أهمية دور الترجمة في رفد الفكر العربي بما يجد من قضايا ومعالجات معرفية وثقافية وأدبية حديثة. وبأن جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تهتم بالتعرف إلى الفكر الإنساني من خلال الاطلاع على ما أنتجته الحضارات في سبيل الارتقاء بالبشرية وإشاعة أجواء السلام في زمن سيطرة التغول المسلح وصراع الأقوى إذ أخذت على عاتقها تشجيع الترجمة من اللغة العربية وإليها بأكثر من لغة. وذكرت الفيّاض أن الجائزة تعمل على اعتماد الترجمات من اللغة العربية وإليها بأكثر من لغة عالمية، لذلك يتم اعتماد لغة جديدة كل عام إلى جانب اللغة الإنجليزية، وقد تم اختيار اللغة التركية في العام الأوّل، والاسبانية في الثاني، والفرنسية في الثالث، وفي هذا العام سيتم اعتماد اللغة الألمانية، بجوائز تصل إلى مليوني دولار.

وتضمن المحور الأخير مبادرات شبابية بدافع الحرص على تقديم مادة معرفية تخدم المشتغلين بالعلوم المختلفة من خلال موقع “نقطة ” العلمي الذي اطلقه بمبادرة فردية ودافع مخلص لخدمة العلم والمعرفة منذ سبع سنوات يختص هذا الموقع بترجمة العلوم من اللغات المختلفة إلى اللغة ىالعربية وأوضح العوير بأن الموقع يحصد 70-100 ألف قراءة شهريا
كما استعرض أحمد النداف جهود مكتبة قطر الوطنية في الاهتمام بالترجمة من خلال نشر ثقافة الوعي بأهمية اقتناء المترجمات ذات القيمة العالية علميا وتحريريا ، كما بين دور المكتبة في استضافة العديد من الفعاليات الخاصة بالترجمة نشرا للفائدة بين جمهور مرتادي المكتبة
واختتمت د امتنان الصمادي الحلقة النقاشية بتأكيد حجم الفائدة التي تنجم عن مثل هذه الندوات والحلقات العلمية التي حضرها عدد من رواد مكتبة قطر الوطنية للتعرف على أبرز القضايا التي تشغل بال المترجمين ومستقبل المشاريع الترجمية العربية التي يمكن أن تضعنا نحن العرب على مصاف العالم المتحضر المشارك في نقل الفكر للإنسانية. كما أن إثارة موضوع “الترجمة رسالة السلام وجسر التواصل الإنساني” إنما يهدف إلى تسليط الضوء على الوظائف التي تقوم بها الترجمة في تجميع الجهد الفكري البشري ومنتجاته النظرية والمادية والتقنية لمعالجة القضايا والمشكلات التي يواجهها الإنسان