يرتبط أهل الكويت ارتباطا عاطفيا وثيقا بالفن العدني منذ عشرات السنين وذلك عندما بدأت الموسيقى العدنية تنتشر في الحفلات الشعبية (السمرات) في الكويت على يد الفنان اليمني الراحل محمد جمعة خان.

ومثلت موانئ اليمن في ثلاثينيات القرن الماضي بداية تعرف الكويتيين على الفن العدني حيث كان خان يصعد مع فرقته على متن السفن التجارية الكويتية الراسية في الموانئ ليحيي جلسات السمر مؤديا أغاني الصوت الكويتي التي اجادها اضافة إلى أغانيه من اللون الغنائي الجديد الذي ابتكره.
وفي هذا الصدد قال المهتم في تراث الفن العدني في الكويت الدكتور ضاري الرشيد لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس ان الفنان اليمني الراحل محمد جمعة خان ولد في منطقة دوعن اليمنية لأب هندي وأم يمنية.
واضاف الرشيد ان هذه الخلفية الاسرية المختلطة أتاحت لخان ان يبتدع لونا غنائيا جديدا يختلف عن الألوان الموسيقية اليمنية الدارجة آنذاك فاستلهم من تراث ابيه الهندي بعض الالحان والاوزان والضروب الايقاعية ثم فرش عليها القصائد العربية الكلاسيكية والاشعار الحمينية اليمنية.
واوضح ان تسمية هذا اللون من الفنون ب(العدنيات) “ليس دقيقا” حيث عاش خان في مدينة حضرموت ومارس فنه فيها لذا فالأصح تسمية موسيقاه ب(الحضرمية) ولكن مريدي هذا اللون في الكويت نسبوه إلى عدن مجازا “ربما لكون ميناء عدن هو المحطة الأشهر في خطوط سفر الكويتيين الأوائل”.
ولفت الى انه في الحقبة ذاتها بدت أيضا مؤشرات تأثر المغنين الكويتيين بالألوان الموسيقية اليمنية بشكل عام فعلى سبيل المثال حوت اسطوانات الفنان الكويتي الراحل عبدالله الفضالة في الاربعينيات بعض الأغاني اليمنية الرائجة كما تبعه الفنان حمد خليفة في الخمسينيات بأغان حديثة لحنها وأداها على طريقة الأغاني اليمنية.
واشار الى انه في مطلع الستينيات قام خان وفرقته بزيارة الكويت ومكث فيها شهرا احيا خلاله العديد من حفلات الزفاف والجلسات الشعبية كما وقع عقدا مع شركة الإنتاج الفني الكويتية (بوزيد فون) ونفذ لها مجموعة اغان.
وبين ان خان غرس بذلك بذرة فنه المبتكر في الكويت اذ تزامنت تلك الفترة مع قدوم عدد من الموسيقيين اليمنيين الى الكويت اما للاستقرار والعمل فيها او لتسجيل الأغاني واحياء الحفلات حيث ساهموا بدورهم في رواج الألوان الغنائية اليمنية في البلاد.
وذكر انه في أوائل سبعينيات القرن الماضي برزت باقة من المغنيين الكويتيين ممن تبنوا (العدنيات) اكثر من أي لون غنائي آخر مثل الفنان راشد الحملي وجمعة الطراروة وتبعهم حمد سنان.
وافاد ان بروزهم تزامن مع ازدهار سوق الإنتاج الفني وظهور استديوهات التسجيل التجارية ذات التقنيات الحديثة فأطلقوا ألبومات حوت كثيرا من أغاني محمد جمعة خان التي تم تنفيذها بجودة عالية نسبيا سهلت على الجمهور الكويتي تذوقها اضافة إلى اغان جديدة قاموا من خلالها بتلحين قصائد فصيحة وحمينية على طريقة أغاني خان.
واكد الرشيد أن اولئك المطربين لم يقفوا عند ذلك الحد بل كانت لهم إضافة نوعية على الفن العدني حيث دأب الحملي والطراروة على ابراز مهاراتهما في العزف على العود من خلال التقاسيم والفواصل المنفردة.
ولفت الى ان استعراض المهارات العزفية اصبح ركنا أساسيا في (العدنيات) حتى زمننا الحاضر اما حمد سنان بصوته الحاني والجهور ومحاكاته لأسلوب خان في الغناء فقد صار بمثابة المرجع لهذا اللون الغنائي في الكويت.
وبين ان حقبة السبعينيات تميزت بانجذاب شرائح جديدة من المستمعين للفن العدني على وجه الخصوص وذلك بسبب أداء الفنانين الكويتيين المرهف للعدنيات التي حوت قصائد العشق الكلاسيكية منها لعنترة بن شداد وبهاء الدين زهير واحمد شوقي والمقرونة بجودة التسجيلات وتسويق الشركات المنتجة لها.
وبين ان ذلك ساعد على اخراج هذا اللون من حدود الجلسات الشعبية المغلقة التي اقتصرت على الرجال إلى فضاء أوسع ومفتوح لفئة المراهقين والشباب من الجنسين.
وقال الرشيد ان هذا النجاح أدى الى ظهور عدد من المغنين الهواة في منتصف السبعينيات منهم -على سبيل المثال لا الحصر- مشاري العريفان ومحمد الشعلان وعبدالعزيز السيب وفهد الماص ومحمد البناي وجمال المجيم وفيصل الفرج وشاكر التتان وصلاح بوناشي.
واضاف ان السمرات (الجلسات الشعبية) اضحت منصة انطلاق الفنانين الشباب ومنها جذبوا انتباه المنتجين الذين قاموا بدورهم باقتناصهم وإنتاج ألبومات لهم حوت في مجملها اغان جديدة منفذة على طريقة العدنيات.
واوضح انه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ظهر مطربون شباب مثل فاروق الفرحان ويوسف المطرف وجمال الراشد ويوسف بورسلي ونسيم المعيلي قاموا بإكمال مسيرة إعادة غناء عدنيات خان او تأليف عدنيات جديدة.
وذكر ان اكثر ما كان يميز هؤلاء تمرسهم الملحوظ في العزف وتحضيرهم الاحترافي في السمرات الخاصة واهتمامهم بجودة تسجيلها حتى أصبحت تلك التسجيلات الخاصة تنافس بجودتها وإبداع محتواها الألبومات التي تصدرها الشركات المنتجة بأحدث التقنيات الفنية.
وقال الرشيد ان فترة التسعينيات شهدت انتهاء ظاهرة اصدار الالبومات العامة المنفذة على طريقة العدنيات والاقتصار على نشاط السمرات الخاصة.
واضاف ان هناك مغنين مثل عبدالعزيز الضويحي وعبدالله القطان وفواز المرزوق وقتيبة اسد وفهد الحداد ساهموا في مد مسيرة العدنيات في الكويت ليتذوقها جيل الالفية الذي ظهر منه مغنون جدد مثل مطرف المطرف ومشاري المشاري وعبدالله العساف وبدر نوري وغيرهم ممن يشكلون بدورهم الجيل الجديد والمعاصر للعدنيات في الكويت.