{"source_sid":"6FDEF103-F8C3-4A15-8AFD-7D5826B0914F_1594207072682","subsource":"done_button","uid":"6FDEF103-F8C3-4A15-8AFD-7D5826B0914F_1594207072678","source":"other","origin":"gallery"}
آراؤهم

ما فائدة التعليم؟

يتخرج طالب الثانوي من مدرسة تعلم منها الكثير من العلوم… أو على الأقل حاولت أن تعلمه المدرسة الكثير مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها. ولكن عند دخوله للجامعة يُطلب منه أن يعيد دراسة كل ما أخذه من علوم مرة أخرى. ومع ذلك تجد الكثير ينسى كل ما تلقاه فور انتهائه من فرز المعلومات على ورقة الإمتحان المدرسية فيشكي الكثير من سوء التعليم. مدعين الغالب أن المشكلة هي التلقين وأن علينا تغير طريقة التدريس.

لا شك أن طريقة التدريس فيها خلل وأول خلل هي كمية العلوم التي تُلقن للطالب بلا فهم حقيقي لما يتم شرحه. لأن ذلك هي أسهل طريقة لتغطية كمية المناهج الكبيرة في المدارس. ومعنى فهم هنا يبدأ من أن هناك فرق بين حقيقة علمية تُلقن، وذات الحقيقة العلمية يتم ربطها مع حقائق علمية أو أطروحات غير علمية أخرى من قِبل الطالب نفسه فيرسم استنتاجاً ما لقنه إياه أحد. أو أن يأتي الطالب بتجربة فكرية تتماشى وقابل للتطبيق عليها أحد أو أكثر من حقيقة علمية

الناس تشتكي من عدم فهم الطالب للمناهج ولكن لا يشكك أحد لماذا لدينا في الأساس كل هذه المناهج؟ لماذا وجب على الطالب أن يتعلم هذا الكم من الكيمياء وهذا الكم من الفيزياء والأحياء وفي الأخير يعيد دراستها مرة أخرى في الجامعة.

هذا لا يعني أن علينا إيقاف تدريس العلوم، ولربما علينا أن نوقف تدريس العلوم، ولكن ذلك ليست نقطة هذه المقالة. ولكن يجب علينا تخفيف كمية المناهج بشكل كبير واستبدال الوقت الضائع في تحفيظ الطالب معلومات منسية في القراءة أكثر وتحليل الجمل وقوة الاستيعاب.
في الأخير ما الهدف من التعليم؟ أليس إعطاء الطالب الأدوات المناسبة للتعامل مع الحياة. وليس في نظري أهم من ثلاث أدوات: القراءة، الرياضيات والمزيد من القراءة.

ما الذي يجعل العلوم صعبة في الجامعة؟ جزء كبير هو عدم استيعاب الكلام المكتوب في الكتاب. فيضطر الطالب الإعتماد على مدرس يشرح له ما مكتوب، ولكن المدرس لا يستطيع الا أن يلخص المعلومات إلى نقاط للحفظ وفي بعض الأحيان لأن المدرس نفسه تلقى المعلومات بالحفظ. وأفضل طريقة لفهم أي معلومة هي قرائتها بنفسك. فعندما يتم التركيز في المدارس على القراءة وبالذات القراءة التحليلية، يستطيع الطالب قراءة النصوص العلمية المعقدة بسهولة وكأنها رواية أو مجلة عادية.

ولكن كيف يقرأ الطالب كتاباً علمياً ويفهمه دون الإحتياج إلى من يشرح؟ فالكتاب “معقد” وليس من السهل فهم الكلام. هذا الكلام لا أتفق معه. قدرة الكيميائي الذي يستطيع قراءة كتاب علوم في تخصص مقارب لتخصصه وفهم المكتوب دون الحاجة لمن يشرح تعود لعلم الكيميائي بالمصلطحات العلمية الأساسية بالإضافة إلى تعلم أدوات البحث. وكذلك الأمر ينطبق على الطالب، فإن كانت لديه قراءة كبيرة وفهم لكيفية البحث عن المعنى. تتفانى الرغبة في حفظ المعلومات دون ربط أو فهم.

على سبيل المثال، لو أتيت لك بالجملة التالية: بعض الفيروسات تدخل خلية الإنسان ويتحول الحمض النووي الريبي الفيروسي إلى حمض نووي قابل على الرباط مع الحمض النووي الإنساني عن طريق انزيم نسخ عكسي، وعندنا تتم عملية تكرار الخلية، يتم تكرار الحمض النووي للفايرس وانتاج المزيد من فيروسات ذرية مؤدياً إلى تحلل الخلية.

فهمك للفقرة السابقة يعتمد على مدى معرفتك المسبقة للمصطلحات العلمية، وقد تلاحظ أنك عندما لا تعرف معنى كلمة وتُكمل الجملة، تُصبح القراءة أصعب على الدماغ. ولربما أيضاً تقرأ الجملة وتقول، ليست الفقرة دقيقة بالكامل وهناك مصطلحات أفضل يُمكن استعمالها. ولكن في كلا الحالتين، من أجل أن يتعلم الطالب أفضل يأتي دور التعليم في تعليم الطالب التفريق بين ما يعرفه وما لا يعرفه، ويُعلمه كيف له أن يبحث في معاني المصطلحات وكيف له أن يُكمل القراءة دون الشعور بالتعب (زيادة قوة الإستيعاب)

ولكن طريقة التلقين تأخذ الفقرة نفسها وتقول للطالب “احفظها”. فيحفظها لأن القراءة وتعلم معاني المصطلحات يأخذ وقتاً وجهداً أكثر. ونتيجة الأمر أنه يُعيد دراسة تلك الأمور في الجامعة، ولربما يحاول حفظها مجدداً هناك، وتتراكم المعلومات المحفوظة إلى أن يصل إلى مرحلة التطبيق وهناك لن يكون الأمر سهلاً.

القراءة التحليلية يجب أن تكون في اللغتين العربية والإنجليزية. تتكون من كتب ومقالات عامة في شتى التخصصات والمجالات. يُطلب من الطالب أن يقرأ ثم يحلل ثم يجيب عن أسألة تختبر مدى فهم الطالب لما قرأ. وتنطبق من عمر صغير حتى يكبر الطالب. وهنا يكون قد تعود الطالب على قراءة كميات كبيرة من الكتب والمقالات وذلك أفضل من أن يعتاد الطالب على كميات كبيرة من الحفظ والتلقين.

إننا اليوم في زمن أصبحت القراءة حاسة كحواس الجسد الأخرى مثل النظر ومثل السمع. من خلالها نستطيع أن نستوعب العالم وشتى المجالات والتخصصات. عندما يكون لديك طالباً لا يستطيع قراءة أكثر من مستوى المجلات والصحف، فهذا حد الطالب في التفكير والنقد. وعندما يكون لديك طالباً متمرساً بالقراءة فهذا حده السماء في الفكر والنقد. ويستطيع أن يقرأ ويتعلم من كثير من المجالات دون الكثير من التعب أو الإرهاق. فتصبح حياته الأكاديمية في الجامعة أسهل بكثير من ذاك الذي يقرأ بحد الذي يقدمه التعليم لنا اليوم.

والأداة الأخرى هي الرياضيات، فهي لغة أخرى وجب تعلمها لتمكن من قراءة وتحليل العلوم الأخرى. فإن لم يضطر المدرسين التركيز على علوم سينساها الطالب، تستطيع المدارس أن تركز على الرياضيات والقراءة كشيء أساسي في تعليم الطالب. وأي رياضيات؟ هل هي الرياضيات التي سيعيدها في الجامعة؟ لا بل هي أساسيات الرياضيات. لا يجب للطالب أن يكون لديه كمية كبيرة من “رؤية” الرياضيات بحرفة قليلة. بل يجب على الطالب أن يكون متمرساً جيداً ومبدعاً في أساسيات الرياضيات. وقد يتم التعريف برياضيات متقدمة ولكن ليس قبل أن يكون محترفاً في الأساسيات. لأن الجزء الأخر من صعوبة العلوم الأكاديمية هي ضعف في فهم لغة الرياضيات.

محمد البحري