صحة وجمال

الحجامة وأولمبياد طوكيو

في البداية أود أن أنبه أن هذا المقال كتبته في صيف 2016 أثناء انعقاد أولمبياد ريو في البرازيل. ثم تكاسلت عن محاولة نشره حتى انتهت الأولمبياد فتركته. ثم تذكرته مرة أخرى أثناء انعقاد أولمبياد طوكيو في اليابان.
كان ملفتا للنظر ظهور بعض أبطال أولمبياد ريو التي أقيمت في البرازيل وعلى أجسادهم كدمات دائرية داكنة اللون، ولعل من أشهرهم السباح الأمريكي الأسطورة مايكل فيلبس، الذي حصد 5 ميداليات ذهبية وميدالية فضية في أولبياد ريو فقط. وما مجموعه 28 ميدالية أولمبية منذ أولمبياد أثينا 2004، منهم 23 ميدالية ذهبية.
تسارع البعض إلى الإعلان بأنها الحجامة التي أوصى بها الرسول وهذا دليل على إعجازالطب النبوي وها هم أبطال الأولمبياد يأخذون بها وهذا بحد ذاته دليل كاف.
وحفلت وسائل الإعلام العربية والأجنبية بهذا الأمر، وكتب عنه الكتاب، كل من وجهة نظره.
فأحببت أن أدلي برأيي بالموضوع، خاصة وأني منذ سنوات طويلة، كنت ممن تداوى بالحجامة، بل وتعلمتها ومارستها مع بعض المقربين مني.
وفي تلك الفترة قرأت عنها الكثير.
ثم أتت دراستي للطب، فأضافت لي الكثير.
فتجمع لدي ما أود التعليق به على هذا الموضوع.
فأبدأ بذكر أنواع الحجامة أولاً
فالحجامة نوعان:
الحجامة الجافة (Dry Cupping Therapy)
والحجامة الرطبة (Wet Cupping Therapy)
الحجامة الجافة هي وضع كؤوس الهواء على الجسد ومن ثم تفريغ الكأس من الهواء وتركه لمدة معينة، فيتجمع الدم في منطقة الجلد تحت الكأس ويتغير لون الجلد نتيجة لذلك. وبعد نزع الكأس يبقى هذا الأثر لعدة أيام.
أما الحجامة الرطبة فبنفس خطوات الحجامة الجافة، ولكن بعد نزع الكأس يتم عمل تشققات صغيرة بالجلد باستخدام مشرط ثم يوضع الكأس مره أخرى ويفرغ من الهواء فيخرج الدم.
فأي الحجامة التي ذكرت بالأحاديث وأيها التي يعملها الرياضيون ؟؟؟
بالنظر إلى الأحاديث نجد أكثر من حديث ذكر “شرطة محجم” و “شرط محجم”.
ثم لو عدت إلى الآثار فستدرك بسهولة أن الحجامة المقصودة بالأحاديث هي التي يتم فيها إخراج الدم، أي الحجامة الرطبة، فتم ذكر ذلك بوضوح.
أما الحجامة التي يعملها الرياضيون فبعد بحثي عنها فأستطيع القول بأنها الحجامة الجافة أي من دون إخراج الدم، أي هي غير المعنية بالأحاديث ولا يمكن إنزال الأحاديث عليها.
ثم أنتقل لنقطة أخرى، وتساؤل مهم،
هل للحجامة الجافة أو الرطبة فوائد أثبتها العلم ؟؟؟
لو بحثت في الانترنت سواء في المواقع العربية أو الأجنبية، ستجد العديد من المواقع والمقالات التي تذكر فوائد الحجامة سواء الجافة أو الرطبة، وستجد معها أيضا ذكر للعديد من الدراسات والأبحاث في هذا الموضوع. وسيخيل إليك أن الموضوع لا مجال للنقاش فيه.
ولكن أي شخص يعرف أصول البحث العلمي وكيفية اسخلاص النتائج لن يقبل هذه النتائج بهذه السهولة،
وهذا ما تعلمته بعد دراستي للطب. والمتخصص يعرف كيف ومن أين يأخذ علمه.
فليس كل ما يكتب صحيح أو دقيق ولو كثر !

فأقول، بالنسبة للحجامة الجافة أو الرطبة، فليست هناك دراسات علمية رصينة ومتينة وكافية، بحيث تثبت ما ينسب لها من الكثير من الفوائد. نعم هناك دراسات، لكن إما ضعيفة الاثبات أو غير رصينة أو لم تعمل بطريقة تمنعها من الطعن والنقد، وبالتالي هي غير كافية.
كما أن هناك دراسات لم تجد فائدة لها في كثير مما ينسب لها.
فعلى سبيل المثال،
قام مجموعة من الأطباء بمستشفى الملك عبدالعزيز بجدة بعمل دراسة مقارنة على مجموعتين من المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم.
المجموعة الأولى أعطت أدوية الضغط فقط،
والمجموعة الأخرى أعطت أدوية الضغط وتم عمل لهم الحجامة الرطبة لعدة جلسات.
وبمتابعة المجموعتين استخلصوا أن الحجامة أدت لخفض بسيط لضغط الدم مدة 4 أسابيع فقط لمجموعة الحجامة ثم عاد لارتفاعه بعد ذلك.
وشملت الدراسة 80 مريضا ونشرت بشهر 11/2015
ثم حتى لو ثبتت فائدتها في تخفيض الضغط مثلا، فليس هذا كافيا في الطب للأخذ بها والعمل بها، مثل علاجات كثيرة غيرها. إذ لا بد من معرفة جوانب عديدة منها على سبيل المثال:
ما هي دواعي استعمالها وموانع استعمالها أيضا ؟
وأين أماكن عملها لكل مرض ؟
وكم مرة تعمل سواء في اليوم أو الأسبوع أو الشهر أوالسنة ولأي مدة ؟
وفي أي وقت وزمن ؟
وما هي آثارها الجانبية ومضاعفاتها المحتملة ؟

ولن تستطيع الاجابة على كل هذه الأسئلة دون أبحاث علمية تسخلص منها هذه النتائج والمعلومات.
وأما عن كيفية التعامل مع الأحاديث الواردة في الحجامة الرطبة وهل هي تتعارض مع العلم ؟
فرأيي الشخصي أن الأحاديث مجرد مرشد وإشارات، وهي أتت بصيغ عامة.
وتبقى التفاصيل هي من جهد البشر وعليهم العمل لاستخلاصها…

د.هشام المهيني
أخصائي أمراض باطنية