آراؤهم

المرسوم والدستور ونفسي والهوى

تباينت الآراء حول المراسيم، ولي رأي يوفق بين الطرفين سأذكره بعد أن أمهّد له. فلا تخطئ عين الراصد الفرحة التي اجتاحتنا ككويتيين بعد إصدار مراسيم الضرورة المتعلقة “بتطهير” جداول الناخبين من سنوات طوال من التزوير، حيث ستعيش الكويت انتخابات نزيهة لم تعشها من قبل. وقد خضنا كشعب-منذ ٢٠٠٦- تجارب عززت في نفوسنا قيمة الوثيقة الدستورية وجعلتنا ننقم على من يجاوز روحها ونصوصها لغاية سياسية في نفسه، لذلك يجب ألا نقع في ما وقعوا فيه، فالنفس وما تهوى قد توردنا المهالك.

فوجود قواعد دستورية صلبة تعصم مؤسسات الدولة من الانجرار خلف أهواء السياسيين هي الحد الفاصل بين الدول المستقرة والمضطربة. فأمريكا كانت عصية على أهواء ترامب الذي غادر الحكم مُرغماً، بينما تونس نسف الرئيس دستورها -الذي لم يجف حبره- بغطاء سياسي من أصحاب “الأهواء”.

إن مظاهرات كرامة وطن وما سبقها وتلاها من حملة مقاطعة كانت حشداً جماهيرياً لرفض مبدأ انفراد الحكومة من خلال مراسيم الضرورة بتعديل قانون الانتخاب. فقد حدد الدستور صراحة في المادة ٨١ أن تكون تحدد الدوائر “بقانون” أي من خلال مجلس الأمة، ولو افترضنا جدلاً أن مجلس ٢٠١٢ قام بذات التعديل الذي قام به مرسوم الصوت الواحد لما اعترض معترض ولا قاطع مقاطع.

نعم، المبدأ واحد لا يتجزأ، انفراد السلطة التنفيذية بتنقيح قانون الانتخاب أمر مخالف للدستور ولا تبرره ضرورة. لماذا؟ لأنه ببساطة أمر محجوز للمشرع العادي وما هو محجوز لمجلس الأمة فلا تبرره أي ضرورة وإلا لفقدت الإجراءات الدستورية قيمتها في نفوس الناس.
وقد أحسنت الحكومة بتأجيل إقرار الميزانية للمجلس القادم وعدم اللجوء للمراسيم في هذا الشأن وذلك التزاماً بالإجراءات التي نصت عليها المادة ١٤١ من الدستور التي أوجبت أن تصدر الميزانية بقانون، ومعناه أنه اختصاص محجوز للمشرع العادي لا يجوز أن يصدر من الحكومة منفردة.
ويرى الكثير من الفقهاء أن قانون الانتخاب -كذلك- من الأمور المحجوزة لمجلس الأمة إذ أن تعديل قانون الانتخاب بمرسوم ضرورة أمر يتعارض مع المبادئ الدستورية، حيث أن حل البرلمان يكون في العادة نتيجة خلاف بين الحكومة والمجلس يتم الاحتكام فيه للشعب لسماع الجديد من رأي الأمة في هذا الخلاف. وعليه، فإن تمكين السلطة التنفيذية من تعديل قانون الانتخاب بما يضمن لها وصول نواب يؤيدون موقفها في النزاع القائم من شأنه أن يهدر فكرة تحكيم الشعب في النزاع.
لذلك، حتى من الناحية السياسية وقليل من الحس الاستراتيجي، فإنه كان يتوجب علينا الحفاظ على مبدأ منع الحكومة من المساس بقانون الانتخاب وترسيخ الجدار الصلب الذي بُني أثناء المقاطعة وما سبقها.
أما وقد تصدّع هذا الجدار من خلال الدعوة ومن ثم مباركة المراسيم الماسة بقانون الانتخاب فلا تأمنوا نوائب الدهر!
ولكن، لم يغلق باب التوبة بعد، ففي يد المجلس القادم طريق وحيدة للحفاظ على هذا مبدأ عدم جواز تعديل قانون الانتخاب بمرسوم وذلك بأن يرفض المجلس هذه المراسيم عندما تُعرض عليه مع اعتماد نفاذها على فترة الانتخابات، ومن ثم إصدار ذات مضمونها بقانون. والسند الدستوري لهذا المسلك نص المادة ٧١ التي نصت “ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة…في أول اجتماع له في حالة الحل…فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون …أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر .”
وبذلك نكون قد رسخنا مبدأ منع انفراد السلطة التنفيذية بتعديل قانون الانتخاب دون المساس بالانتخابات وما تمخض عنها.

عمر صلاح العبدالجادر