كتاب سبر

“أمة القفص”

يقول سيد قطب رحمه الله: قد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر له معها قرار، فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس لاستقبال الحق الظافر ولاستبقائه.. إهـ
وأقول: 
وإن من أهم مظاهر عدم صلاح البيئة لاستقبال الحق واستبقائه، قابلية البعض للاستخفاف بعقولهم، وطبيعة البعض الآخر لقبول الاستعباد، وجَمْعُ البعض بين قابلية الاستخفاف وقبول العبودية.. لقد هزمت الأمة شر هزيمة عام 56 في حربها مع بريطانيا وفرنسا وإسرائيل فيما يسمى بالعدوان الثلاثي، لكنها تقبلت الاستخفاف بعقولها، وقبلت بأن يكون زعيم القومية العربية قد استطاع هزيمة ثلاث دول مجتمعةً، في حين أنه في الحقيقة لا يستطيع هزيمة واحدة من هذه الثلاث منفردةً، ثم لم تكتفِ الأمة بهذه الهزيمة النكراء حتى هزمت في عام 67 هزيمة هي شر من هزيمتها عام 56، لكنها أصرت بأن ترى في قائد هذه الهزيمة النكراء القائد الملهم المخلّص وتتمسك به، وتبكي لطلبه التنحي،وكم بكينا، ثم لما هلك خرجت بملايينها لتشهد جنازته فيما لم تُشهد جنازة مثلها من قبل!! وقد خرجنا.
إنني اعتقد ان قبول هذه النفوس لمثل هذا الاستخفاف يرجع إلى قابليتها للاستعباد، إذ لو كانت هذه النفوسُ نفوساً  متطلعةً لما قبلت باستخفاف عقولها بهذه السذاجة اللامعقولة.. ومن ذلك وشكله قبول الامة الانقلاب على رئيس منتخب، وتصديقها لدعوى القائمين بهذا الإنقلاب وإعلامه،وإن في ذلك مايستبين به مدى ارتباط قبول الاستخفاف بالقابلية للاستعباد، بل ولم يقف الامر عند البعض بقبول هذا الاستعباد، حتى راح يبرره بالصبغة الشرعية في صورة وجوب طاعة المتغلب حقنا للدماء!! بل وبالإصرار على صحة هذه الصورة ولو بُيّن لهم خطؤها بما لايقبل 
الغلط!!
إن أمة “القفص” لاتطيق العيش خارج قفصها، ولما جاء من يخرجها منه سرعان ما استجابت لمن أعادها داخله…لقد اعتادت حياة القفص مادام موجوداً فيه مايكفل لها ماتحافظ به على نوعها!! 
إن أمة يغلب على صفوفها هذه الطبيعة المريضة لابد لها من إعادة تأهيل لانتشالها من اسباب “سعادتها” المتمثلة في توفر شروط المحافظة على النوع، وتعريفها بأن توفر الحاجات الضرورية دون حرية، إنما هو سعادة الأنعام.