أقلامهم

خلود الخميس: شعب تركيا تخلص من حكم العصابات للأبد.

وبدأ «القرن العظيم» لتركيا 
بقلم: خلود الخميس 
خلال القرن الماضي ونتاجاً للتآمر «الروسي ـ الألماني ـ الفرنسي ـ العربي» على الخلافة العثمانية وإضعافها وإسقاطها ثم قُضيَ عليها بيد ابنها أتاتورك، عاشت تركيا في قبضة حكم طغمة أسمت نفسها «النخبة» قسمت الشعب طبقات وفرقت بينه في الحقوق والواجبات.
نتحدث عن قبيل قرن عاثت تلك النخبة في تركيا فساداً لمصالحها الشخصية، والنخبة التركية مرادف للدولة العميقة تلك الجذور والأجذع والأغصان التي التفت حول رقبة الشعب المحافظ لتسلخه عن تاريخه وتسلبه خياراته، وهاهي تتفكك بأيد احتملت جراح أشواكه، وتصدرت للغوص في مجهول جذره لتعيد للوطن والشعب حقوقه بلا تمييز عرقي وديني ومناطقي وطبقي، اولئك فريق حزب العدالة والتنمية خيار الشعب بمختلف أطيافه منذ تأسيسه في 2001.
و«النخبة التركية» تتشكل من عدة فصائل، فصيل السياسيين أبناء العائلات الذين اعتبروا المنصب السياسي إرثاً لا استحقاقاً فمنعوا أبناء العامة من الشعب والقرى والفقراء من أي مساهمة سياسية أو مناصب قيادية في الدولة بل اعتبروهم مجرد عالة، ويقذف لكم «الإقطاع الجديد» بالفتات.
وبما أن السياسة والاقتصاد وجها العملة، فالسلطة السياسية هي ذاتها الطبقة المتحكمة والمسيطرة على تركيا اقتصادياً من بنوك ومشاريع ومواصلات وطرق وصحة وتعليم وغيرها، وهذا هو الفصيل الاقتصادي.
أما فصيل الإعلام فبالطبع منشؤه أصحاب القرار السياسي وهو تابع لرأس المال الذي يغذيه ويشغله.
وفصيل القضاء منحاز للعلمانية كونها أساس دستور البلاد وشديد الحساسية في تأويلاته لوقائع القضايا السياسية التي نتج عنها الكثير من الظلم وأحكام الإعدام لتبقى كلمة الدستور هي العليا.
بينما فصيل المؤسسة العسكرية هو قبضة تكريس وبقاء وحماية الفصائل السابقة، وله مصالحه في ذلك ويعتبر مؤسسة حكم رئيسية لا مؤسسة أمن.
تلك الفصائل التي عملت ضد قيم الشعب التركي الأصيلة وحقوقه، النخبة التي في عهدها كانت، على سبيل المثال، اسطنبول، والتي هي اليوم قبلة السياحة في العالم، تغط في ضباب من التلوث الجوي والمائي والجرائم، وشيوع الفقر في ولايات تركيا بسبب تغول النخبة في الثراء على حساب تدني دخل الفرد.
فجاء الفريق الإصلاحي ليبدأ رحلة العمل، خطته التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، حيث لا عدالة بلا تنمية والعكس صحيح، فعمل على تطوير الخدمات العامة الرئيسية لتحسين المعيشة للشعب بمساواة تتفيأ المواطنة وتستند الى القانون، المواصلات، الصحة، التعليم، المشاركة السياسية بالسماح بالعضوية والتصويت بلا تفرقة.
عملوا على تضييق الهوة الاقتصادية بأسلوبين، الأول رفع متوسط دخل الفرد، ثانياً اختيار الموظفين التكنوقراط للمناصب حسب الكفاءة والخبرات لا الأسماء والعائلات والانتماءات، وكأني أرى تطبيقاً عملياً لأمره العادل جل جلاله في إدارة الأموال (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) لمن يظنون أن الدين مكانه المساجد.
العدالة والتنمية لم يكن اسماً يُطلق على حزب، بل كان سلوكاً حقيقياً ورداء، وهذا يتضح بتطبيق المبدأين لكل من موقعه، فأُجريت على القوانين حزم من التغييرات باتجاه تحقيق العدالة العامة، وصارت المشاريع متاحة للكفاءات التنفيذية.
اليوم، يتمتع الشعب التركي بمساواة في الحقوق والواجبات تحت ظلال القانون وبقيادة مراقبين اختارهم الشعب لإدارة الدولة لضمان تطبيق القانون بلا تمييز وعدم دخول الأهواء والانتقائية والمزاجية والشخصانية وعودة سيادة الفكر السلطوي للذين يسمونهم «نخبة».
كل ما سبق كانت الحكومة تراقبه بوسائل تبقي السلطة القضائية مستقلة محايدة لتسود دولة القانون والمؤسسات ويشعر كل مواطن بأنه آمن على دينه ونفسه وماله، وكأنه التطبيق العملي لما حذر منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله «قاض في الجنة وقاضيان في النار»، فليس للقضاة ما داموا بشراً عصمة وحصانة إلا عدلهم.
من 2001 عاشت تركيا 13 عاماً من الحكم برشد، انتشلها من قيد الديون الخارجية الذي يعتبر أحد الأغلال في عنق أي دولة للتسيير والتحكم في قرارها السياسي وتفريغ سيادتها من مضمونها، بعد تفكيك الدولة العميقة، انكشفت «دولة موازية» وتفكيكها جارٍ، انتصار المصالحة الوطنية على العرقية، وإقراض البنك الدولي خمسة مليارات دولار.
إنه بدء القرن العظيم لتركيا الحديثة حقاً، ولعلها قرون مثل أسلافهم، جذورها القيم الإسلامية، وأذرعها العدل والمساواة مع الحفاظ على المنهج القرآني في التدرج بتطبيق التشريع، فهو الوسيلة المناسبة للمجتمع الجاهلي، وهل هناك أجهل ممن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
التاريخ يسرد لنا حكايات العصابات عندما تحكم الدول، وكيف أنها تنتهي بمزابله على أيدي الشعوب المسحوقة بيده، وشعب تركيا تخلص من حكم العصابات للأبد.
اغسطس شهر احتفالين شخصيين بالنسبة لي، واليوم يضاف احتفال ثالث ببدء رحلة القرن العظيم لدولة تركيا العظمى، السائرة بحذر على صراط مشوك بمخلفات المؤامرة والخيانة والخذلان، مستعينة بقيم الإسلام والإدارة الأخلاقية لإعادة البوصلة لحكم الشريعة عبر منهج العدالة والتنمية.