كتاب سبر

العربكلوجية

أما قبل:

أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا الله

…………. غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ

(المتنبي)

حين يتغطرس عليك الذباب، ويـُصفق لنعيق الغراب، وتجد النعامة بالشجاعة تخطب، والعرين يستوطنه ثعلب، فأهلاً بك ببلاد بني يعرب..!!

أهلا بك.. أنت في حضرة أقوام ورثوا المجد، فتنازع زعمائهم على تركته، فأخذ كل منهم نصيبه كدولة، وكان للدول الغربية (حظ الأنثيين) من التركة، ودفعوا للغرب الجزية وهم صاغرون بمقدار براميل للنفط، فطبع على أغماد سيوفهم لرقص “العرضة” فقط، أما نحن الشعوب قدمنا حقوقنا على صحن من (نهب)، وانشغلنا بنزاع المذاهب وعراك الطوائف برعاية حكوماتنا التي تؤمن أن الفتنة خيراً من العزل، فذهبت ريحنا وهبت أعاصيرهم عاتية تجتث خيراتنا وحقوقنا، وامتلأت السجون بالمعارضين، وفاضت المعتقلات برجال الدين والمثقفين، حتى صاح العاشق فينا (ألا ليت أن الشوق كان مُعارضا عربيا).. ولكل زمان (أغلال) ودولة، وهذا زمن يقبض فيه المرء جمر المبادئ في يده، ومن الطريف أن بعض كبار المسؤولين عندنا لا يخشون فينا لومة لائم، ولكنهم يرتعدون إذا أرادت راقصة ما كتابة مذكراتها..!!

أما نحن في الخليج، القوم الذين أعزنا الله (بالبترول) فلدينا لصوص أقسموا أن لا يبقوا شيئاً ليأجوج ومأجوج ومن يجرؤ أن يقطع أيديهم.. قسمت شعوبنا بين مواطن درجة أولى ومواطن درجة سياحية، ولا فرق بين مواطن ومواطن إلا (بالواسطة)، نتعالى على بعضنا بعض بالنسب والأصل، والأصل فينا أننا سلالة التـُراب وأحفاد الطين، من جهلنا نرفع شعار “ليس الفتى من قال كان أبي إن الفتى من يقول (هذا كشف حسابي)” .. أوطان الخليج كمثل طائرة كبيرة وضخمة ومُترعة بالوقود والبترول، ولكن لم تـُحلق يوما إلا وهبطت اضطرارياً..!!

هذه بلاد العُربان بمجملها، أضحينا دول العالم الثالث وفي الدرك الأسفل من التخلف، ليس فينا صروح يافِعات ولا علوم نافعات، القراءة عند الغرب هواية وعندنا هاوية.. مصابين بداء (العربكلوجية) وبعد هذا كله نصرخ متفاخرين (حنا عرب يا مدعين العروبة) والذي يدعي العروبة الجديدة, يجب أن يفحص بجهاز كشف (الهياط) ..!!

ولكن نحن اليوم في عام الفيل الجديد، العام الذي اطلعت فيه مؤخراً الشعوب العربية على قصة سيدنا موسى الذي أغرق فرعون، بعد أن كانت لا تعرف إلا حكاية سيدنا أيوب والعبرة في صبره، العام الذي ظن فيه الطغاة أن عمر حكمهم كمثل عمر صديقهم إبليس، ليدير إبليس عنهم ظهره، ويهرب حين ضجت مسامعه بهدير الشعوب، كان الطغاة كما يقول الشرقاوي قد آمنوا أن لو اجتمعت الشعوب على أن يضروهم بشيء لن يضروهم إلا بأذن (البيت الأبيض)..!!

ولكن حتى نتقدم فعلاً نحتاج ثورة اجتماعية وثورة بالمفاهيم، ثورة على الأعراف البالية، وثورة تسقط عروش الجهل في قعر الماضي، ثورة تنشر الحق والمساواة وتقيم العدل، ثورة ضد إقصاء الأخر وتوزيع التهم بالقرعة، لنرمم حضارة عاث بها الطواغيت فساداً ونهباً، وإنما الحضارة أخلاق وقيم تسمو بالإنسان وتعلي كلمة الله، ليست حضارة المباني والتنمية المزيفة التي كأنها لوحات جميلة الهدف من تعليقها إخفاء قبح الشروخ في الجدار، فحضارة النبي الكريم لم تكن جدران مزخرفة ومنابر عالية وأبراج شامخة ورواتب طائلة، إنما حضارة العدل والقيم والسلام والمحبة، وتلك حضارة قوم عاد كما وصفها القرآن بذات العماد، لم يفدها علو عمدانها (وأبراجها) وروعة مبانيها..!!

صعلكة:

في عهد حكومة ما.. دعك رجل الفانوس.. وبعد شبيك ولبيك.. طلب من المارد أن يفضح كل مرتشٍ (بشيك) أو مرتشية (منصباً لزوجها).. تعفر وجه المارد وصرخ (ليش يا أخي احنا شنو مسوين لك)..!!

محمد خالد

twitter:@abo3asam

m.k.al.ajmi@hotmail.com