كتاب سبر

الإخوان : مصلحتك أولا

لو كان ميكافيللي حيا، لما وجد أفضل من مصر مكانا في هذا الزمان لأن يعيش فيها، وربما أسس حزبا وانضم إلى ائتلاف من بين مئات الائتلافات، وربما حضر إحدى جلسات التوافق الوطني، والحوار الوطني، وذهب إلى إحدى المليونيات، رافعا شعاره الأشهر “الغاية تبرر الوسيلة”.

لكن يبدو أن وجود ميكافيللي ليس ضروريا، فهناك عشرات الأحزاب ترفع شعاره، وتتاجر بالدين، وبالنضال، وبالثورة من أجل الوصول إلى أهدافها، وتستحضر مقولة ميكافيللي الشهيرة أيضا “إن الدين ضروري للجماعات السياسية، لا لخدمة الفضيلة، لكن لتمكين هذه الجماعات من السيطرة على الناس”، وربما تنطبق هذه المقولة أكثر ما تنطبق على الجماعات الدينية بعد الثورة في مصر.

فالدين ليس بابا للفضيلة، ولكنه لإقامة الحرب ضد وثيقة المبادئ الدستورية، وإعلان رفض الوصاية على اختيار الشعب، هكذا يقولون، مع أن رفضهم هذا هو بحد ذاته إعلان للوصاية على رأي الآخرين.

لا أحد ينكر على الإخوان أنهم أوذوا كثيرا في عهد النظام البائد، وأنهم اعتقلوا وسجنوا، لكن هذا أيضا لا يمنحهم الحق في التحدث باسم الشعب، واعتبار رأيهم هو رأي الشعب، ولا يجعلهم هذا أيضا يتحولون إلى صورة أخرى من الحزب الحاكم المنحل، الذي كان يضا يرى أن رأيه هو رأي الناس.

الإخوان هم الفصيل الرئيسى الذى يعارض وثيقة المبادئ الدستورية، ويعتبرها التفافا حول نتائج الاستفتاء على الترقيع الدستوري الذى أجراه المجلس العسكري، رغم أن الاستفتاء نفسه كان التفافا على الثورة ومطالبها، فقد كان المطلب الأساسي والرئيسي للثورة، هو وضع دستور جديد للبلاد بعد إسقاط النظام، وكان هناك إجماع على ذلك من جميع القوى السياسية الداعية للخروج على الحاكم الظالم، جماعة الإخوان لم تكن مع تلك الدعوة وإن حاولت بعد ذلك ترميم هذا الموقف بتصريحات مطاطة مهلهلة على لسان بعض قياداتها.

مشكلة جماعة الإخوان أنها تستعجل الوصول إلى الكرسي الذي خلا برحيل الحزب الوطني، وحل مجلس الشعب، مشكلة جماعة الإخوان الأكبر أنها لا تتحمل طموحات بعض أعضائها فى التطور والرؤى المختلفة فى علاج القضايا وتقديم رؤى مختلفة طموحة، وتأخذ إجراءات تعسفية ضد من يكون له رأى خاص حتى وإن كان في الإطار العام الذى تدعيه الجماعة، ويحظى باحترام قوى أخرى، فيكون الفصل هو الحل، وهو ما حدث مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذى دفع كثيرا من حياته من أجل الجماعة، ولكن عندما دعاه عدد من محبيه ومعجبيه إلى الترشح للرئاسة، وبدأ الرجل فى اتخاذ قراره.. فصلوه من الجماعة، وفعلوا نفس الشيء مع القيادي الإصلاحي محمد حبيب،  وفعلوا نفس الأمر مع مجموعة من الشباب الذين كانوا وقودا للثورة.. وكانوا الشىء الوحيد الذى يربط جماعة الإخوان بالثورة، وهو ما كان يدلل به بعض قيادات الجماعة -بالادعاء- على مشاركة الإخوان فى الثورة من أول يوم، الذين شاركوا هم شباب الإخوان بعيدا عن الجماعة ومكتب إرشادها ومجلس شوراها. 

الإخوان ومن معهم يأتون الآن وينقلبون على مطالب الثورة، ويرفضون وضع مبادئ دستورية أو مبادئ أساسية، وحتى شكل اللجنة الدستورية التى ستضع الدستور فيما بعد،  بعد أن استطاعوا «المغالبة» فى فرض الانتخابات أولا، بمزاج القوى الحاكمة الممثلة فى المجلس العسكرى، وبناء على مستشارين واستشاريين ذوى نظرة قصيرة، واتضح أنهم ليس لهم فى أمر السياسة شىء..

إن أى دولة تريد نقلة جديدة حضارية لا بد لها من دستور جديد يضع خريطة واضحة يسير عليها المجتمع، وبعد ذلك تأتى الانتخابات، انظروا إلى تونس ملهمة وصاحبة الثورة المحفزة للثورة المصرية، فقد استقر الجدل إلى وضع دستور جديد مدنى، ثم تنطلق الحياة بعد ذلك.. فما العيب فى مبادئ تشكل لدولة مدنية ديمقراطية حديثة؟!

لكن إخواننا فى جماعة الإخوان لا يريدون شيئا من ذلك ويريدون «المغالبة»، حتى ولو كان ذلك بتحالفات غريبة ومريبة وعلى طريقة الحزب الوطنى وصفوت الشريف الذى كان يستدعى أحزاب أمن الدولة التى كان يحركها، وهو ما فعلته الجماعة باستدعاء  محمد عبد العال والشهاوى أو الشهابى والفضالى وغيرهم من أصحاب الأحزاب الكرتونية لمساندتهم فى معركة «المبادئ»، رغم أن الجماعة تعلم جيدا أنهم صنيعة النظام السابق، وأنهم بعيدون كل البعد عن أى مبادئ ، لكن ربما تكون هناك صفقة، المبادئ مقابل وضعهم فى قوائم الانتخابات ومنحهم بعض المقاعد، وهو ما كان يفعله صفوت الشريف وأمن الدولة والحزب الوطنى بالضبط.

يا أيها الذين فى «الإخوان» ارجعوا وارشدوا وعودوا إلى الشعب، فجماعتكم ليست وحدها الشعب، ويا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. الشعب يريد دولة مدنية حديثة، فالثورة خرجت ضد نظام استبدادى فاسد وسالت الدماء فى الشوارع من أجل الدولة الديمقراطية.. فكفى تعطيلا وتباطؤا.

ـــــــــــــــــــــ

رئيس تحرير جريدة التحرير المصرية