برلمان

مركز طروس ينشر دراسة عن نظام الصوت الواحد في الانتخابات البرلمانية

أنجز مركز طروس للدراسات دراسة بعنوان : نظام الصوت الواحد في الانتخابات البرلمانية.. الإشكالية والأبعاد بين الضرورة والواقع.

وتناولت الدراسة أبعاد وحيثيات قضية الصوت الواحد وإشكالياتها ورؤية المعارضين والأسباب التي دفعت للتمسك بهكذا طريقة انتخابية.

وفيما يلي نص الدراسة:

رجعت جدليّة نظام الصوت الواحد الذي أعادت الكويت تأكيد العمل به، بعد انتهاء الدورة البرلمانية لمجلس 2006 المنتهية ولايته وفي ظل الاستعداد لانتخابات نيابية جديدة تحضر لها البلاد في ظل حكم جديد استبشر به الكويتيون خيرًا في استمرار لمناخ الديمقراطية البرلمانية التي تتميز بها الكويت عن محيطها الإقليمي منذ عقود خلت..

وتسبب إبقاء نظام الانتخاب عبر ما يعرف بالصوت الواحد بأخذ ورد في كواليس السياسة والمجتمع الكويتي بين مؤيد ومعارض لذلك النظام الذي يرى فيه منتقدوه أزمة كبيرة تعرقل واقع البرلمان وسعيه للنهوض بالمشهد الديمقراطي للبلاد لأسباب متداخلة؛ في حين يرى مؤيده – وعلى رأسهم السلطة – ضرورة العمل نظرًا للخصوصية التي تميز الكويت مجتمعيًا وفق ضرورات المرحلة..

تستعرض هذه الورقة أبعاد وحيثيات قضية الصوت الواحد وتبرز إشكالياتها ورؤية المعارضين والأسباب التي دفعت للتمسك بهكذا طريقة انتخابية في مسعى لتوضيح عمق الإشكالية وانعكاسها المحتمل على البرلمان المقبل مع سعي لاقتراح حلول وسطية ترضي الجميع وتبقي على تميز التجربة الكويتية وسعيها للتطور والارتقاء

نظام الصوّت الواحد

تتعدد أشكال وطرق الانتخابات بين مختلف الديمقراطيات في العالم؛ وما يعنينا هنا آلية الانتخاب واختيار ممثلي الشعب وتقسيم الدوائر والمناطق الانتخابية بغض النظر عن طريق عمل البرلمان نفسه..

أما الكويت فتمتلك برلمانا منتخبا يعد أول تجربة برلمانية في دول الخليج، حيث جرت أول انتخابات لمجلس أمة عقب إقرار البلاد للدستور العام 1962، لكن شهدت الحياة الديمقراطية منذ ذلك الحين بعض العثرات، وحُل مجلس الأمة عدة مرات بعد تصادمه مع الحكومة.

يبلغ عدد نواب البرلمان الكويتي 50 نائبًا يجري توزيعهم في النظام الانتخابي الحالي على خمس دوائر انتخابية، يصوّت كل مواطن كويتي من سكان تلك الدائرة ممن يحق لهم التصويت لصالح مرشح واحد فقط من بين المترشحين لشغل عضوية البرلمان عن تلك الدائرة.. ثم يصار إلى اختيار المرشحين العشرة الأعلى تحقيقًا لأصوات الناخبين ليصبحوا نوابًا في البرلمان ويمارسوا دورهم التشريعي والرقابي المطلوب منهم لمدة أربع سنوات ميلادية..

كان نظام التصويت السابق للنظام المعمول به حاليًا، يتمثل بتقسيم البلاد إلى دوائر خمسة دوائر انتخابية بدلًا من 25 دائرة في النظام الانتخابي السابق (اتبعت الكويت قبل عام 1981.. نظام دوائر انتخابية عشرة،ثم في بعد ذلك العام جرى رفعها إلى 25 دائرة، وبعد عام 2005 أصبحت خمسة دوائر مع أربع أصوات لكل ناخب.. القانون رقم 42 لسنة 2006)

لكن.. شهد عام 2012 أزمة سياسية حادة عاشتها البلاد وما تزال آثارها ماثلة حتى اليوم مع تغيير آلية التصويت إلى نظام الصوت الواحد بدلًا من أربعة أصوات حيث تقدمت به الحكومة الكويتية حينها للقضاء على ظواهر وأزمات اعتبرتها مرتبطة بنظام التصويت ذاك.. فخرج مرسوم أميري “مرسوم ضرورة” بإقرار ذلك القانون الانتخابي.. ثم حصنته المحكمة الدستورية العليا للبلاد رغم استمرار رفض قطاع كبير لذلك القانون مع السعي لتعديله والعودة إلى النظام الانتخابي السابق أو تغييره إلى نظام صوتين لكل ناخب مع الإبقاء على الدوائر الانتخابية الخمسة للبلاد.

مجلس ملغى وقانون جديد

أبطل القضاء الكويتي مجلس البرلمان عام 2012، فانحل المجلس وأصدر أمير الكويت الراحل (سمو الشيخ صباح رحمه الله) مرسومًا أميريًا غيّر فيه نظام الانتخابات، فبات من حق الناخب التصويت لمرشح واحد، بدلا من أربعة مرشحين..

وصدر المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012، ونصت المادة الأولى منه على ما يلي: “يستبدل بنص المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 المشار إليه النص التالي: (تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها ويعتبر باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد) “.

حيث تتيح المادة 71 من الدستور الكويتي لأمير البلاد إصدار “مراسيم ضرورة” في حال وجود ما يمنع البرلمان من ممارسة مهامه، كاقرار الميزانية العامة للبلاد والقوانين الضرورية.

ليتسبب مرسوم الصوت الواحد برفض تيارات عريضة من المكونات السياسية في الكويت، حيث رأت أن لا توجد ضرورة تحتم تغيير الأمير للنظام الانتخابي، بل انتظار تعديله من قبل مجلس الأمة المنتخب.

حينها، حكمت المحكمة الدستورية في الكويت في يونيو حزيران 2012 ببطلان انتخابات 2 فبراير شباط من العام نفسه، لبطلان المرسوم الأميري الذي حلّ مجلس الأمة السابق، ومن ثم بطلان المرسوم الذي دعا الناخبين إلى انتخاب مجلس أمة جديد، ليتسبب الحكم بإعادة مجلس 2009، الذي يوصف من قبل البعض بموالة الأغلبية للحكومة..

هذا وقدمت الكثير من الطعون القائلة بعدم دستورية التعديل (مرسوم الضرورة) في فترة حل مجلس الأمة.. لكن رأي المحكمة الدستورية اتجه إلى تحصين ذلك المرسوم.

إشكالية الأصوات الأربعة

اتجهت الحكومة في رؤيتها لتبرير قانون الصوت الواحد – الذي حصنته المحكمة الدستورية كاقتناع منها بضروته – أنه جاء بهدف إعطاء فرصة للأقليات من الشعب الكويتي الوصول إلى قبة البرلمان وتوصيل أصواتهم وهمومهم وكفاءاتهم للمجلس..

كما أنه – أي قانون الصوت الواحد – جاء لعرقلة ظاهرة وصول نواب ينتخبون وفقًا لاعتبارات طائفية أو قبلية وعائلية وللعمل على محاربة شراء الأصوات وقضايا تقديم الخدمات وإنجاز المعاملات الحكومية التي يقوم بها الناخب لمن انتخبوه؛ وهي ظواهر أدت إلى بروز المصالح الفئوية والشخصية.. حيث غلبت كفة فئة نواب الخدمات على مصالح الشعب الكويتي ككل في مجلس الأمة فكان أثر ذلك رداءة التشريع وانحدار الرقابة بحسب تبريرات قانون الصوّت الواحد.

عمق الأزمة وحيثياتها

يرى بعض المتابعين بعمق للأزمة النيابية المتعلقة بقضية الصوّت الواحد أن أبعادها تتجاوز الدوافع الظاهرية والذرائع التي قدمتها الحكومة في معرض تبرير اتخاذ هكذا قانون.. وتمس بنية المعارضة البرلمانية وتركيبة التيارات السياسية التي استفادت من المكاسب التي يمنحها قانون الأصوات الأربعة والتي سمحت لتحالفات قبليّة إسلامية بالسيطرة على المجلس مع إقصاء بقية التيارات ما اضطر الحكومة للعمل على تفتيت تلك الآلية نفسها.

وترجع جذور الأزمة ترجع إلى عام 2006، مع محاولات الإصلاحيين في معارضة البرلمان خفض عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5، أما اللجنة الحكومية فأوصت حينها بخفض الدوائر إلى 10 .

ليشتعل جدل وخلاف كان بمقتضاه صدور إرادة أميرية حينها بحلّ البرلمان لأول مرة منذ عقود.. لكن الانتخابات اللاحقة بينت رغبة الشارع الكويتي بدعم التغيير المقترح وتخفيض الدوائر الانتخابية..

ثم صدر في شهر تموز/يوليو 2006، قانون الانتخابات الجديد حيث نصّ على خفض عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5، مع ترشّح 10 أشخاص عن كل دائرة – ما يُحافظ على مجموع المقاعد في مجلس الأمة 50 مقعداً – إلا أن القانون اعتمد كذلك نظام الأصوات الأربعة لكل ناخب.

ورغم التوقعات بوقوع مشاكل سياسية ترتبط بتخفيض عدد الدوائر.. لكن الواقع حينها بيّن أن الأزمة مرتبطة بعدد الأصوات الأربعة التي جاءت في صالح تحالف الإسلاميين -القبائل الذي مثّل كتلة معارِضة ناشئة، حيث استفاد من واقع الرعاية الأبوية السائدة لدى القبائل، والتي تضمن للمرشح الذي يحظى بتأييد الزعيم، الدعم من غالبية أفراد القبيلة، ما سمح للحكومة باتخاذ تعديل لمنع القبلية من التحكم باختيار النواب. (سيناقش تقرير لاحق للمركز بنية المجتمع الكويتي والتيارات السياسية والمجتمعية فيه).

حيث ولضمان انتخاب مرشحيها والاستفادة من قانون الأصوات الأربعة، بدأت القبائل لتنظيم انتخابات تمهيدية لا يسمح بها القانون (الفرعيات والتشاوريات) بهدف أ تختار بشكل مسبق لوائح المرشّحين المفضَّلين، والعمل على التنسيق مع القبائل الأخرى من أجل تطويع اللوائح مع طبيعة الدائرة الانتخابية، ما يكسبها أفضلية تنافسية

وبشرح مبسط إذا تحالفت أربع قبائل، يمكن لأفرادها استخدام أصواتهم الأربعة لدعم مرشّحي هذه القبائل المفضّلين بصورة متساوية.. الأمر الذي يضعف حظوظ المستقلين حتى لو ملكوا تأييدًا أكبر من الناخبين (كذلك حال المرشحات من النساء) في ظل غياب الأحزاب عن الساحة الكويتية.

في انتخابات عام 2012 امتلك الائتلاف الإسلامي-القبلي الذي يمثّل المعارضة، الأغلبية، من خلال الفوز بـ 34 مقعدًا من أصل 50 في مجلس الأمة؛ الأمر الذي قدم دليلًا يدعم وجهة النظر المعارضة لنظام الأصوات الأربعة وزاد من حدّة المواجهات النيابية مع الحكومة.. وتسببت الخلافات بحل البرلمان وصدور مرسوم الضرورة الذي غيّر من آلية التصويت إلى نظام الصوت الواحد لكل ناخب مع الإبقاء على عدد الدوائر الانتخابية الخمسة (وهذه مشكلة أخرى تتمثل بعدم توازن أو تساوي عدد سكان كل دائرة لكن يمثلهم عدد نواب متساوي).

حينها اعتبرت الكتلة المعارِضة ذات الغالبية في البرلمان المنحل – خصوصًا الإسلاميين وزعماء القبائل – في التعديل محاولةً غير دستورية لخفض أعدادها، فقرّرت مقاطعة الانتخابات تعبيراً عن احتجاجها.

لكن المستقلّين أيدوا قانون الصوت الواحد، حيث وجدوا فيه آليةً تهدف إلى منح حظوط متساوية لجميع الأطراف.

هذا واعتبر بعض المراقبين أن الحكومة حقّقت هدفها، بتقسيم التحالف القبلي-الإسلامي خارج مجلس الأمة، مع إضعاف قدرته على الفوز بعدد من المقاعد يفوق حجمه الحقيقي، وذلك عبر اعتماد نظام الصوت الواحد.

ناقدون واقتراحات

تعددت أصوات الرافضين للقانون الانتخابي المتمثل بنظام الصوت الواحد المرتبط بالدوائر الخمسة التي تقسم البلاد.

وينقسم الرافضون إلى من يرى عدم دستورية القانون نفسه والذي يجب أن يتخذ تحت قبة مجلس الأمة وليس عبر مرسوم أميري (مرسوم الضرورة) ويمثل هؤلاء أغلبية الليبراليين المعارضين للقانون..

في حين تعتبر أصوات أخرى أن الدوائر الخمسة فيها إجحاف واضح وتقسيم غير معتدل لا يراعي عدد السكان في كل دائرة بحيث يمنحها تمثيلًا متساويًا تحت قبة البرلمان بغض النظر عن عدد المواطنين في تلك الدائرة، فلهم عشرة نواب ينتخبون بنظام الصوت الواحد.. والذي ترفضه تيارات أخرى وترى فيه وسيلة لإبعادها عن المجلس ضمن تحايل قانوني.

وتعددت الاقتراحات السابقة بتغيير القانون حول قانون الصوّت الواحد في ظل التقسيم الحالي للدوائر بين مطالب عودة الأصوات الأربعة أو مقترحات لمنح الناخبين فرصة لاختيار مرشحين اثنين بدلًا من مرشح وحيد مع الإبقاء على الدوائر الخمسة.. في حل يبدو أقرب المنطقية ويراعي الإشكاليات المنبثقة عن كلا القانونين (الأصوات الأربعة ونظام الصوت الواحد).

وعمد خمسة نواب قبل عام لتقديم ذلك المقترح، فقدم النواب عبدالله الكندري وبدر الملا وأسامة الشاهين ومحمد هايف وعمر الطبطبائي.. اقتراحًا بقانون لإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة، متبوعًا بمذكرته الإيضاحية.

حيث طالب اقتراح القانون بتعديل المادة 2 من القانون رقم 42 لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة، في مادته الأولى على أنه يستبدل بنص المادة 2 من القانون رقم 42 لسنة 2006 المشار إليه النص الآتي: “تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشحين اثنين في الدائرة المقيد فيها، ويعد باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد”.

حيث أبدى مقترحو القانون الجديد (نظام الصوتين) حينها تفهمًا لأسباب وحيثيات اعتماد نظام الصوت الواحد – رغم كثرة الطعون بدستوريته – وتحصين المحكمة الدستورية له .. لكنهم اعتبروا أن الواقع العملي بتطبيق الصوت الواحد نتج عنه تجربة عملية استمرت قرابة 7 سنوات من خلال 4 عمليات انتخابية لم تحقق من خلالها هذه الأهداف.

كما ظهر انحدار في الرقابة ورداءة التشريع والتي تأكدت من خلال أحكام المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص القوانين التي تخرج من مجلس الأمة، كما أن الصوت الواحد أدى إلى تزاحم الكثير من الطعون فأثقلت على المحكمة الدستورية بطعون انتخابات لم تشهدها المحكمة على مدى سنوات من عمر المجالس النيابية منذ العمل بالدستور.

ولم ينجح قانون الصوّت الواحد بتحقيق غاياته من القضاء على القبلية والطائفية، بل أصبح لكل طائفة مرشح ونائب يخدم طائفة أو قبيلة بشكل خاص، فتناقص دوره العام باعتباره ممثلًا للأمة.

وقبيل انتهاء دورة البرلمان الحالي، أعيد اقتراح تعديل قانون الصوت الواحد، إلى نظام الصوتين (عبر اقتراح عشرة نواب لذلك) في خطوة جاءت متأخرة في المشهد السياسي الكويتي الذي يشهد عهدًا جديدًا بتسلم سمو الشيخ نواف الأحمد – حفظه الله – إمارة البلاد خلفًا للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد رحمه الله، في خطوة رأى فيها المراقبون والمحللون سعيًا لرفع الحرج الانتخابي أمام الناخبين الذين سبق لهم أن طالبوا بتغيير النظام الانتخابي، وهو ما لم يحدث واقتصر على اقتراح بقانون قدم في يناير 2017 وظل حبيس اللجنة المختصة، بالإضافة لسعيهم إلى مباغتة وجس نبض الحكومة ومعرفة رأيها من تغيير القانون نفسه وهو الذي اتضح بعد الإبقاء على نظام الصوت الواحد.

ختامًا ورغم ما أفرزه قانون الصوت الواحد في دوائره الخمسة، من بعض النواب الأصلاحيين ودعم وصول بعض المستقلين والأقليات لكن تجمع كثير من الآراء أنه لم يسمح بالقضاء على الفساد ومظاهره بالبلاد، بل لم ينجح بالقضاء على الطائفية والقبلية وزاد من نسبة شراء الأصوات وتعزيز ما يسمى بنائب الخدمة، وأضعف قدرة البرلمان السابق وقوته أمام الحكومة والوزراء وجعل صوت البرلمان واضحًا ومسموعًا مما يستوجب تغييره الذي لم يقرر بعد، لكن يبدو أن المرحلة القادمة قد تفرض هذا التغيير بما يحقق مصلحة الكويت وشعبها ويعزز ازدهارها والتنمية فيها.