أقلامهم

أربع اقتراحات لإصلاح القضاء يقترحها محمد المقاطع .. ويرى أن القضاء بأمس وأشد الحاجة للإصلاح وبأسرع وقت

محمد عبدالمحسن المقاطع 

إصلاح القضاء مطلب ملحّ

العدل أساس الملك، والقضاء محراب العدالة، ونزاهة القضاء واستقلاليته وحياديته ضمان الحقوق والحريات، كم هي جميلة تلك العبارات التاريخية والجوهرية في التعبير عن موقع القضاء ودوره وأهميته، وما تقع عليه من مسؤوليات وما يعبر عنه من مكنونات الضمير الإنساني أينما كان، وليس فقط في الكويت، وكلنا يعلم أن جمال عبدالناصر حينما وجد في القضاء المصري موقفا شامخا في تعزيز العدالة ومواجهة السلطة بأحكام قضائية تُكتب بأحرف من نور، عاجله في صبيحة يوم من الايام بما أُطلق عليه في مصر «مذبحة القضاء» حيث عزل رؤساء المحاكم والمستشارين وأحالهم إلى بيوتهم، وحوّل البعض إلى مستشارين في السفارات المصرية في الخارج، وهو ما اعتبر بحق، ارتكاب أكبر مذبحة بصورة انقلابية على القضاء المصري.

والكل يعلم أن المبدأ الجوهري الذي استقرت عليه التجارب الإنسانية في أنظمة الحكم تقوم على أساس فكرة فصل السلطات وتوازنها في فرض الرقابة على بعضها البعض، إذ أنه لا يمكن أن يحد السلطة ولا يوقف السلطة إلا سلطة مثلها، عملا بمبدأ «لا يحد السلطة إلا السلطة»، ومن أهم الأدوار والمسؤوليات التي تناط بالقضاء هو تصديه لأي من حالات التعسّف في استعمال السلطة أو سوء استخدامها أو تجاوز القانون في ممارستها، وكل تلك الأمور لا يملك القضاء أن يتولاها بصورة سليمة ومنتجة بآثارها إلا إذا كانت الظروف تمكّنه من ذلك، أمّا إذا كان القضاء يخضع لتدخل من قبل السلطة التشريعية أو تنال منه تدخلات السلطة التنفيذية ودورها في تعييناته ودورها في تحديد مرتباته ومكافآته، فإن ذلك يعتبر ضربة قاصمة في حق القضاء.

ونعيش اليوم في الكويت وضعا يتطلب إصلاحا جادا وسريعا للقضاء، وهو بأشد وأمسّ الحاجة لذلك إذا أردنا أن نبعد القضاء في الكويت عن مواضع التأثير أو الفساد أو الانحراف أو سوء الاجتهاد والتقصير بأداء المهام، ونذكر من ذلك على سبيل المثال ما يلي من الأمور:

1 – الإسراع بفصل رئاسات المحاكم العليا عن مجلس القضاء، فيصبح رئيس المجلس الأعلى للقضاء شخصا مختلفا عن رئيس محكمة التمييز، وشخص ثالث يكون رئيسا للمحكمة الدستورية، كما ورد في اقتراح قدّمه النائب السابق ناصر الدويلة.

2 – تكويت القضاء، فلا يصح أن يكون %56 من قضاة الكويت غير كويتيين، ومع تقديرنا واحترامنا وشكرنا لأبناء الدول العربية، الذين تولوا مسؤولية مهام رجال القضاء، فإن وجودهم لم يعد مبرَّرا اليوم في القضاء، بعد أن اصبح خريجو كليات الحقوق في الكويت من الكويتيين بأعداد كبيرة، ويمكن تأهيلهم وإحلالهم بوظائف القضاء خلال ثلاث سنوات من الآن، فلا يقبل بمنطق الدستور ولا القانون ولا العقل أن تكون السلطة القضائية، وهي من السلطات الثلاث التي مصدرها الأمة، يقوم عليها غير المواطنين.

3 – استكمال بناء المحكمة الدستورية بجوانب عدة من حيث تفرغ قضاتها لها وتنوع تشكيلها ما بين أغلبية من رجال القضاء وتطعيمها بما نص عليه في مذكرة الدستور التفسيرية من وجود غيرهم من القانونيين يعينون بمشاركة السلطتين الأخريين، فضلا عن زيادة أعضائها ليصبح عددهم 9 يمكن أن يكون خمسة أو سبعة منهم من القضاة، والبقية من غيرهم من رجال القانون، كما لا بد من إصلاح قانونها ليتم منح الأفراد حق الدعوى المباشرة، الذي قرره الدستور بصورة صريحة وحرمهم القانون من هذا الحق.

4 – إصدار قانون مخاصمة القضاة، فالقاضي في نهاية الأمر بشر، يخطئ ويصيب، كما يحسن أو يسيء، ومن ثم فإذا كان هناك سبب لمخاصمته على عدم أدائه لدوره بصورة سليمة وصحيحة فتكون مخاصمة وفقا للقانون كما في الدول الأخرى وسيلة مواجهة مثل هؤلاء القضاة.

وأخيرا وليس آخرا، أن يتم وضع مدد لرؤساء المحاكم والنيابات، فلا يجوز أن يجلس شخص مدى الحياة رئيسا لمحكمة أيا كانت أو في منصب النائب العام أو في رؤساء النيابات، فالتدوير بين القضاة أنفسهم من شأنه أن يُحدث إصلاحا منشودا في القضاء، أما آخرا فلها وقت آخر.