شاركت الشاعرة والصحفية والمدونة “منى كريم” في مؤتمر “انعدام الجنسية والتمييز الجنسي” في العاصمة الأمريكية واشنطن, نظمته منظمة اللاجئين في معهد الولايات المتحدة، وذلك بحضور رئيس المنظمة وممثل الأمم المتحدة وممثلة الخارجية الأميركية.
وألقت “منى كريم” وهي من فئة البدون في الكويت وتدرس الماجستير في الأدب المقارن في الولايات المتحدة كلمة مؤثرة أمام الحضور عنوانها “أن تكون بدون”.. قالت فيها:
حينما كنت في الـ 11 من عمري، سألتني جارتنا الكويتية: “من أي بلد أنت؟” فأجبت: “أنا من البدون” لترد بضحكة ساخرة قائلة: “لا يوجد بلد اسمها بدون. لا يوجد بلد للبدون.” عرفت حينها بأن كلمة “بدون” هي الاسم الذي يستخدم لوصفنا في الكويت فقبل هذه الحادثة كنت أعتقد بأن البدون والكويت مجرد شيء واحد! والدتي لم تعرف كيف تفسر الأمر لي وأجابتني قائلة: “يقولون بأننا لا ننتمي هنا.” منذ حينها، عشت مثل مئة ألف من البدون على أمل كاذب لحل مشكلة التجنيس في المستقبل العاجل، فحينما استقلت الكويت في العام 1961، الكثير من الأشخاص الذين ولدوا في البلد ويستحقون الجنسية – بينهم من عاش في الصحراء – لم يعوا أهمية التسجيل من أجل الجنسية، فالبدون الموجودون في الكويت الآن هم أبناء وأحفاد أولئك الذين لم يقوموا بالتسجيل للجنسية ومشكلتنا استمرت في التضخم بشكل تدريجي مع الوقت.
الوضع أصبح أسوأ في العام 1985 حينما قررت الحكومة بشكل تدريجي أن تحرم البدون من التوظيف والتعليم العام والوثائق الرسمية. خلال مراهقتي، تحول الانتظار إلى عذاب وبت أشعر بأنني مكروهة ومهانة في بلدي ومن ثم تحول ذلك إلى غضب تجاه جدي الذي كنت ألومه لأنه لم يحصل على الجنسية قبل أكثر من نصف قرن كما فعل أخوته، وهذا اللوم تحول إلى كره للذات وفقدان الرغبة في عيش الحياة أو البحث عن تحقيق أي طموح ليصل الأمر إلى قمته حينما تخرجت من الثانوية العامة ولم يكن مسموحاً لي أن ألتحق بالجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد.
الفتاة التي تحدثكم الآن تعتبر الأوفر حظاً من البدون حيث حصلت على دعم مادي لإكمال دراستي في جامعة خاصة لأنني كنت قد نشرت ديوانين. هذا الدعم كان طريقي الوحيد للتعليم العالي بحكم أن التعليم الحكومي ممنوع والتعليم الخاص لا يمكن مجاراة تكاليفه. الكثير من زميلات الدراسة لم يكن بمثل حظي وانتهى بهن الأمر في البقاء في المنزل بانتظار معجزة أن تحدث مثل زوج جيد وعلى الأرجح كويتي لكي يحصلن على الجنسية، أو بانتظار الموت خاصة وأن كثر حاولوا الانتحار. بعض زميلاتي شعرن بأن حياتهن دُمرت من غير التعليم العالي لأن الجامعة كانت أملهن الوحيد لبدأ حياة عملية والحصول على بعض الحرية من مجتمعهن المحافظ. ولكن في الواقع ينتهي الأمر بهن في زيجات مدبرة تكرر السيناريو ذاته في الصراع من أجل الوثائق وبالتالي جلب المزيد من الأطفال لذات التراجيديا.
حينما عملت كصحافية، سمعت كثيراً بأن علي أن أكون حذرة لأن الصحافيين البدون لا يملكون طريقاً سهلاً في حياتهم العملية ولن يدافع عنهم ملاك صحفهم الأغنياء. الصحافيون البدون شعروا بالإهانة والخجل من أنفسهم لعملهم في صحف تستمر في مهاجمة ناسهم وتسميهم بالمرتزقة والمتخلفين. حينما فقدت وظيفتي ذات مرة، لم يكن لعقد العمل خاصتي أي معنى في المحكمة لأن البدون غير مسموح لهم بأي عقود عمل بحكم أنهم لا يمتلكون بطاقات مدنية. كما واجهت مشاكل مع الكثير من السفارات التي لم تتردد في رفض جوازي الرمادي. لسوء الحظ، منذ الغزو العراقي للكويت في 1990، أحوال البدون من سيء إلى أسوأ.
أختي أسرار التي تبلغ من العمر 17 عاماً تعيش الآن السيناريو ذاته في الصراع من أجل دخول جامعة ما. بالنسبة لي، الصراع الذي عشته في سن صغيرة ممكن تحملة مقارنة بالإهانات والمضايقات التي يواجهها البدون خاصة من قبل السلطات ورجال الشرطة. أكثر ما آلمني كان سماع بعض الكويتيين يطلقون العبارات المهينة عنا ويمارسون التمييز ضدنا ويطالبون بالقضاء علينا بعدما تظاهرنا في فبراير ومارس الماضي. وبينما أحدثكم، هنالك 40 متظاهر من البدون يواجهون محاكمات لكسرهم قانون التظاهر الذي لا يسمح لغير الكويتيين بالتظاهر.
كما يهمني أن أشير إلى أن قانون الجنسية الكويتي يمنع المرأة من منح الجنسية لزوجها وأطفالها وبالتالي حينما تتزوج الكويتية من رجل بدون فإن أبنائها بدون، بمعنى أن التمييز الجنسي في قانون الجنسية يساهم في تضخيم مشكلة البدون. المخرج الوحيد بأن تتطلق المرأة من زوجها أو يتوفى إلا أن الكثير من النساء اللواتي حصلن على الطلاق من أجل مستقبل أولادهن، مازال أطفالهن ينتظرون الحصول على الجنسية الكويتية. مثل غيري من البدون، لدي في عائلتي نساء كويتيات متزوجات من بدون اضطررن للحصول على الطلاق وعاش أطفالهم في عائلات مفككة دون أن يحصلوا على الجنسية بعد.
الذكور الكويتيون مسموح لهم بمنح الجنسية لزوجاتهم البدون إلا أن ذلك لا يحدث بشكل تلقائي، فإحدى قريباتي تزوجت ابن عمها الكويتي منذ 15 عام ولديه منها عدة أطفال إلى أنها مازالت تنتظر وليس أمامها غير ذلك في دولة بيروقراطية مثل الكويت لا تسمح للبدون بأخذ قضاياهم للمحكمة للبت فيها. إحدى صديقاتي لديها أعمام كويتيين، أم كويتية، ابن كويتي، وهي أرملة رجل كويتي، إلا أنها منذ أكثر من ثمان سنوات تنتظر الجنسية ومن نتائج ذلك أنها لا يمكنها الحصول على رخصة لقيادة السيارة وهي مضطرة لأن تقود سيارتها للعمل أو إيصال ابنها للمدرسة أو أمها إلى المستشفى وبالتالي أخذها رجال الشرطة عدة مرات إلى المركز لهذا السبب.
الكثير من الشباب البدون تركوا تعليمهم لأنهم يعلمون بأن التعليم الجامعي ليس متاحاً لهم وبالتالي يعملون في السوق السوداء في بيع الأفلام المنسوخة أو قضاء وقتهم كئيبين في بيوتهم بدلاً من أن يستمتعوا بسنوات شبابهم. لا أحد منهم لديه أي أمل، لا أحد منهم يستخدم كلمة “أمل”. حينما تتحدث فتاة من البدون عن أحلامها في الذهاب إلى الجامعة والحصول على وظيفة، فإنها تواجه بالسخرية والرفض فعائلتها على الأرجح ستجيبها “قد نستطيع توفير تكاليف دراسة أخيك، ما الذي ستصنعينه بشهادة، إن كان هو رجل ولا يستطيع الحصول على عمل.” نساء البدون يواجهن قسوة الجماعة المحافظة وظلم الدولة وبالتالي ليس لهن أمل سوى الزواج من رجل كويتي. صديقتي الذكية التي تبلغ من العمر 23 عاماً لم تستطع الالتحاق بالجامعة وتربي الآن ثلاثة أطفال دون أمل في قلبها. قالت لي مرة: “رجالنا عبيد المجتمع، ونحن عبيد العبيد.”
أنا سعيدة لحصولي على هذه الفرصة للفت انتباهكم إلى هذه القضية وأناشد هنا حكومة الولايات المتحدة والأمم المتحدة للضغط على الحكومة الكويتية لتغيير قانون الجنسية لتتساوى المرأة مع الرجل في الحق بمنح الجنسية، كما أطالب بالسماح لأولئك الذين تم حرمانهم من الجنسية والوثائق بأن يأخذوا قضاياهم إلى المحكمة.
أضف تعليق