محمد فاروق الامام
كتاب سبر

آذار وبحار الدم (46)
مأساة تبديل بطاقات الهوية الشخصية في حماة

ابتداءً من مطلع شهر تشرين أول 1981 قامت السلطة بالبدء باستبدال بطاقات الهوية القديمة بأخرى جديدة من نوع آخر، وكانت السلطة قبل ذلك بعامٍ تقريباً قد أصدرت أمراً للمواطنين بضرورة تقديمهم طلبات للحصول على بطاقات هوية جديدة بدل بطاقات الهوية الشخصية القديمة التي تقول السلطة أن الإخوان المسلمين تمكنوا من تزويرها وتوزيعها على مستوى واسع في البلاد، وكان مركز استلام بطاقات الهوية الشخصية فخّاً كبيراً لاعتقال من تريد السلطة اعتقاله، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت السلطة ومن خلال دورياتها الراجلة بنصب حواجز تفتيش ثابتة وغير ثابتة تفاجئ المواطنين للكشف عن هويَّاتهم الجديدة، واتخذت من هذه اللعبة القذرة ذريعةً لإهانة الناس وخصوصاً منهم كبار السنِّ المُسنين من النساء والرجال، أمّا الشباب الذين لم يكونوا يحملون هذه البطاقات الجديدة فكانوا يلاقون أقسى أنواع التعذيب والاضطهاد حتى يتبين للمجرمين ويتأكدون بأن ذلك الشاب أو تلك الفتاة لم تستلم بعد بطاقتها الجديدة، وكثير من الشباب اختفى من على هذه الحواجز الثابتة والطيّارة.
اضطهاد السلطة للناس في شوارع حماة
لقد صبّت السلطة العذاب والقمع على سُكّان مدينة حماة جملةً واحدة، فلم تميز حقيقة بين مسلم ومسيحي ولا بين إخوانيّ أو بعثيّ، فأولاً يأخذ كُلٌّ نصيبه من التعذيب والاضطهاد ثم يرى قائد الدورية من يكون ذاك الشخص الذي أمامه، فبداية أول ما يوقفوا شخصاً ما للتفتيش والاستفسار عن هويته توجه إليه البنادق من كل صوب وتوجه المسدسات إلى رأسه وتحيط به الرشاشات من كل جانب، وكل ذلك يتم بمرافقة السبِّ والشتائم بأبشع وأقذر ما عرفته قواميس الشتيمة والسباب، والويل لمن تشابهت كنيته بكُنية أحد الملاحقين المطلوبين للاعتقال، فعندها يقوم عناصر الدورية بضربه بأعقاب بنادقهم ومؤخرات مسدساتهم على رأسه ووجه وأنحاء جسمه المختلفة، وإذا ما سقط إلى الأرض تناولته أقدامهم بالركل والرفس كالبغال والحمير الهائجة، ولا يخرج الشخص من هذه الحفلة إلا وقد أدمى رأسه وجسده، وكثيراً ما كانت تتكسر بعض أطرافه.
ومن الصور التي شاع استخدامها لإذلال المواطنين وقمعهم وإهانتهم وتمزيق كرامتهم هو إخراج الناس من بيوتهم عند تطويق أحد الأحياء وتفتيشه، وذلك بإيقافهم ووجوههم إلى الجدار ولساعات طويلة وعلى رجل واحدة مرفوعي الأيدي، ثم يقوم بعض الزبانية بضربهم بشكل عشوائي بالسياط على ظهورهم وأرجلهم والويل لمن تذمر أو اعترض، ثم تبدأ حلقات التعذيب المختلفة فيختارون عدداً من الناس فيحلقون نصف شعر رؤوسهم، والبعض يحلقون لهم نصف الشارب، والبعض الآخر يحرقون لهم بالنار لحاهم وينتفونها للبعض الآخر، أو يطلبون من الرجال المُسنين الذين تجاوزوا السبعين من العمر أن يرقصوا وبقوة، ويأمرون بعض الناس على الاستلقاء على الأرض ويرغمون بعضاً آخر أن يدوسوا فوقهم بأرجلهم، أو يرمونهم على منحدر قاسي فيتدحرجون وبقسوة إلى أسفل الحفر، ويأمرون بعضاً آخر من الناس بالركوع والسجود لصورة حافظ الأسد ومن يرفض تفقأُ عينه حتى يركع ويسجد، وإذا رفضَ فيكون مصيره القتل.
هذه صورٌ بسيطة من التعذيب والاضطهاد الذي كانت تمارسه السلطة ضد أهالي مدينة حماة أبي الفداء الباسلة التي كانت عصية على الفرنسيين، وأخيراً وبعد نهارٍ طويل من التعذيب الوحشيّ يعود من يعود من الناس إلى بيوتهم مقهورين مُهانين، فكيف لا يريد هؤلاء أن يبقى الشعب يُكنُّ لهم أي نوع من الحب أو حتى الكره البسيط، لا بل إنه حقد وكره ملأ جنبات قلوبهم ضدهم.
يتبع