آراؤهم

“أصنام الجزيرة”

من المفاهيم الجديدة في علم الادارة هو مفهوم ادارة التغيير الذي ذكره العالم الاداري Colin Carnal في كتابه ‪Managing Change in Organizations‬ والذي ينص على مبدأ مهم و هو ضرورة أن تكون تكون المنظمة قادرة على مواجهة التغيير في البيئة الخارجية المليئة بالفرص و التهديدات والتي تحتم على المنظمة الأخذ باستراتيجيات الدفاع تجاه التهديدات للسعي حتى تضمن البقاء في سوق المنافسة ، وينطبق ذلك الامر على كل تنظيم او تيار او دولة او ديانة ، فقد كان النبي عليه السلام حذراً جداً من عودة الشرك والأصنام الى جزيرة العرب بعد تطهيرها والتي تسبب تهديداً قوياً لجناب التوحيد وقدسيته ، ففي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة ( فديتها بالعرب والعجم ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى ) ، وهذا ما حصل بالفعل ، فقد استولت الأفكار الهدامة و اللامنطقية على عقول سكان جزيرة العرب في القرن التاسع الهجري كالاعتماد على الاموات في قضاء الحوائج و دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه الا الله و البناء على القبور وتجصيصها وجعلها مرتفعة ومزينة و جعل السدنة يخدمون زوار القبور وتسهيل الطقوس التي تخالف الشرع والعقل كالاستغاثة بالموتى والذبح لغير الله عز وجل والتي كانت للأسف امتدادا لغياب العقل الاسلامي الناضج منذ القرن الرابع في العالم الاسلامي كـ مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان وانتشار المظاهر الشركية المبنية على فهم خاطئ للتعامل مع الاموات وفهم مكانة الصالحين . فكانت مهمة الدفاع عن جناب التوحيد مهمة قدرية الهية بظهور الحركة الوهابية المباركة التي أسسها مولانا محمد بن عبدالوهاب رضي الله عنه و الدعوة التي قام بها لنبذ تلك الشركيات التي انتشرت في ( جدة ) و ( القصيم ) و ( الاحساء ) و غيرها من مناطق نجد وشرق الجزيرة ، ولم تكن الدعوة لتنجح في ظروف سياسية معقدة ومشددة الا بالاستعانة بقيادة سياسية وعسكرية تمثلت في وجود الامير محمد بن سعود بن مقرن و ابنه الامام عبدالعزيز طيب الله ثراهم بجانب الامام محمد بن عبدالوهاب والتي شكل تحالفاً اثمر بما يسمى الدولة السعودية الأولى والتي كانت بحق دولة مباركة سياسية و دينية ذات منطلقات اصلاحية ، والتي أثمرت ثمرةً مباركة في جزيرة العرب و بلغ مداها بلاد الهند و المغرب العربي ، فانهدمت بها أصنام الجزيرة و سُوِّيَتْ قبور الشرك و فقه الناس ما كانوا عليه من جهلٍ عميق و سوء فهم لمكانة الصالحين ، فالله الذي خلق العقل وأمرنا بالتفكر في ملكوته والنظر في آياته الكونية لم يرض للمخلوق أن تكون لغيره وسواه عظمة أجل من عظمة الله ، فان في مساواة الله مع خلقه مشابهة لفعل اليهود والنصارى وهو فعل مُشين بحق المقام المقدس ، فقد قال تعالى في سورة البقرة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) .
ويقول الله تعالى عن أهمية التوحيد و خطورة الشرك في سورة النساء : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) .
فالتوحيد هو افراد الله بما يختص به ، ومن تلك الأمور العبادة ، ومن العبادة الخوف والرجاء والمحبة والتوكل وغيرها ، فلا تكون الا لله عز وجل ، فقد كان الامام محمد بن عبدالوهاب حريصا في مؤلفاته على نبذ جميع صور الشرك و من الصور التي ذكرها في كتابه المبارك ( التوحيد ) هو توحيد الطاعة وشرك الطاعة و خلاصته أن المؤمن الحقيقي لا يطيع المخلوق في معصية الخالق ، فلا يطيع قول علماء السوء في تحريم الحلال ولا اباحة الحرام ، و لا يكون للملوك والامراء الحق في التشريع المبني على غير علم ، وأن لا يخشى السلاطين ان هم خالفوا نهج الرب و رسوله المبارك ، وأن يقول كلمة الحق و لا يخشى في الله لومة لائم ، ولا تكون الفتوى ألعوبة بيد الأمراء والملوك ، ولا يكون العلم سبيلاً لنيل حضوة او رياسة او أموال عند السلاطين ، فقد نبه الإمام محمد بن عبدالوهاب رضي الله عنه في مؤلفاته خطورة جعل العلماء أرباباً من دون الله يحرمون ويبيحون بناءاً على أهوائهم وأهواء الملوك .

بتلك المبادئ و المنطلقات سادت الدعوة النجدية الوهابية المباركة ، و بنقيض تلك المبادئ تكون الدعوة في حكم المتوفى وتعود الأصنام الى جزيرة العرب .

والله المستعان .

* باحث دكتوراة في إدارة الأعمال
@jassimaljezza84