أقلامهم

وليد المجني: لا يمكن أن نجهل معنى الجنون، مع معرفة قيمة نعمة بهاء العقل.

ومضات
تُعرف الأمور بأضدادها 
وليد المجني
قيل لأحد العقلاء: ممن تعلمت الحكمة؟ فقال: أرى أفعال السفهاء فأتجنبها، وقيل للجاحظ: ممن تعلمت الأدب؟ فقال: من قليل الأدب. لو أمعنا النظر في حقيقة عكس بعض الأشياء، نجد أن المعاكسة في علم المنطق تشير إلى تبدل طرف القضية لتنشأ قضية أخرى مساوية للأولى في الصدق، والعكس في «البديع»، تقديم جزء من الكلام على جزء آخر عكسه، وديدنهم هو الاختلاف في المعنى، والحاصل من هذا الاختلاف هو «لولا وجود عكس المعنى، لما صار للمعنى معنى»، فلولا وجود العسر ما كان لليسر معنى، وقس على هذه القاعدة.
فالتناقضات في الحياة هي حياة أخرى بحد ذاتها، ومجموعة من المتغيرات، فلا هي بالقاعدة، ولا هي بالاستثناء .. لذلك، الضد دائما يظهر حسنه الضد. وبالإشارة لذلك، نجد أنه لولا صخب الحركة، لما أدركنا صمت السكون، ولولا لحظات التعاسة، لما عرفنا ومضات السعادة. هي كذلك الأشياء تعرف بأضدادها، ونلاحظ هذا جليا في الحياة الدنيا، عندما تكون ساحة للصراع بين الخير والشر والفضيلة والرذيلة والحق والباطل، فلولا الأول لما علمنا سر الآخر.
ربما يستغرب القارئ الكريم عندما يرى أن للتناقضات في الإنسان أو على مستوى الحياة فائدة وضرورة تجعله يشرع ويسبر أبواب النعم التي منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بها، لتكون مصدرا للمعرفة وكوكبا للتأمل، لندرك من خلالها عكس الأشياء وأهميتها من حولنا.
فلا يمكن أن نجهل معنى الجنون، مع معرفة قيمة نعمة بهاء العقل. حاول أن تجلس مع نفسك وتفسر لماذا توجد كل هذه التناقضات في حياة الإنسان؟ والإجابة بكل بساطة، هي لمعرفة قيمة الأشياء الأخرى.
وكما قال أ.إبراهيم الفقي – رحمة الله عليه -: فلو كان جميع الناس أصحاء، لما عرفوا معنى الصحة، لأنه لا توجد أمراض، ولو كان كل الناس أغنياء، لما عرفوا معنى الغنى، ولما أحسوا بأهميته، لأنه لا يوجد فقر. ولكن يبقى هناك تساؤل صغير، بعد أن علمنا أن سر الأشياء وقيمتها في تناقضاتها، هل للكلمات التي ليس لها ضد قيمة ومعنى أكبر لو اكتشفنا عكسها؟!