أقلامهم

إبراهيم المليفي: تسليم “رقابنا” بالكامل للتكنولوجيا يعني أننا سنعيش دوما على حافة الخطر.

الأغلبية الصامتة: باللمس والنقر  
كتب المقال: إبراهيم المليفي 
يا لها من نكبة جديدة تضاف إلى رصيد نكباتنا الحضارية، فنحن كعرب عندنا مشكلة مزمنة مع القراءة، وهنا أعني القراءة خارج المنهج الدراسي، وأي شيء مفروض، فكيف الحال ونحن ندخل مرحلة جديدة عنوانها «اللمس والنقر» فقط؟ اللمس على شاشة الهواتف الذكية والنقر على أزرار «الكي بورد»؟ إني أتوقع أن يتحول الكتبة في مجتمعاتهم إلى طائفة منبوذة موصومة بالتخلف.  
من قال إني استعملت القلم في كتابة هذا المقال؟ وكيف جاز لي أو لمن ينقل عني أنها كُتبت بقلم فلان ابن فلان؟ المعذرة لقد مارست الغش والتضليل وأستحق “إسقاط” هويتي الصحافية حفاظاً على المصالح العليا للوطن، لأني “أرص” حروف كلماتي بالضغط على لوحة أزرار الكمبيوتر (كي بورد)، ولم أعد أستعمل القلم وورق “السندويتشات” كما كنت أفعل في جريدة آفاق الجامعية وجريدة السياسة قبل 25 سنة.
يا الله، ما الذي حدث لعادة– وليس مهارة– الكتابة بالقلم؟ وكيف تقلص دورها إلى التوقيع وتعبئة الاستمارات بخطوط هيروغليفية، و”الشخبطة على جدران المدارس والمحولات”؟ هذه العادة الجميلة التي نتعلمها في الصغر لكتابة أسمائنا وتدوين دروسنا توشك على الاندثار.
ويا لها من نكبة جديدة تضاف إلى رصيد نكباتنا الحضارية، فنحن كعرب عندنا مشكلة مزمنة مع القراءة، وهنا أعني القراءة خارج المنهج الدراسي، وأي شيء مفروض، فكيف الحال ونحن ندخل مرحلة جديدة عنوانها “اللمس والنقر” فقط؟ اللمس على شاشة الهواتف الذكية والنقر على أزرار “الكي بورد”؟ إني أتوقع أن يتحول الكتبة في مجتمعاتهم إلى طائفة منبوذة موصومة بالتخلف.
تخيلوا معي ونحن نندفع في مسار التحديث الأعمى، كيف سنقتل إبداع خطاط عالمي لأننا في المنزل أعطيناه لوحاً رقمياً للتسلية، وفي المدرسة فرضنا عليه حل واجباته وكتابة بحوثه على الكمبيوتر، تخيلوا معي مصير الخطوط العربية: النسخ، والرقعة، والكوفي، والثلث، وبقية أفراد العائلة، فلا نسّاخ سيبقى ولا رقّاع سيرتقي ولا كوفي سنرى ولا ثلث الثلث سيستمر.
نعم لنقفر معا نحو التحديث في حياتنا وعقولنا ومدارسنا ومناهجنا، ولكن ما العيب في المحافظة على المهارات الأساسية خصوصا تلك التي تشكل صلب هويتنا الثقافية؟
قد أذهب بعيداً عندما أقول إن تسليم “رقابنا” بالكامل للتكنولوجيا يعني أننا سنعيش دوما على حافة الخطر، والإبقاء على حد معقول من المهارات الأساسية سيضمن لنا تخفيف حدة “الانكشاف” عند مواجهة خطر انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة، أو خصم يمتلك جميع المهارات في حين نحن لا نعرف غير “اللمس والنقر”.