أقلامهم

راكان بن حثلين: 500 مليار دولار تفرضها أميركا لتمويل استئصال أورام خبيثة زرعتها.

500 مليار دولار عربي.. مكافأة أميركا! 
راكان بن حثلين 
لاشك ان محاربة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش» أمر لابد منه، بل تأخر كثيرا، ولكن قبل أن يدخل أي طرف كجزء من التحالف الدولي لمحاربة هذه التنظيمات، لابد أن يعرف الذي له والذي عليه، وأن تُوزع الاحمال والتكاليف وفقا للمسؤوليات، كما يجب أن يسبق أي حرب دراسة لأسبابها، وتحديد السبل والوسائل الأفضل لعلاجها بشكل يحصر الخسائر في أقل سقف ممكن، وقبل ذلك كله أن يحاسب من زرع البذور الشيطانية التي نتجت عنها هذه الحرب.
ولكن المفارقة العجيبة في بناء وتوزيع المهام في هذا التحالف الذي رسمته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة «داعش»، تحميل أطراف مجن عليها تبعات حرب لم تكن لها فيها لا ناقة ولا جمل، لولا أن لهيب النار التي اشتعلت في المنطقة بفعل المخططات الأميركية والغربية، اقترب من أطراف ثيابها.
500 مليار دولار معظمها من قوت الشعب العربي، تفرضها أميركا لتمويل استئصال أورام خبيثة زرعتها هي نفسها في جسد الأمة العربية، من أجل رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، وضمان أمن إسرائيل، من خلال إشغال الدول العربية بحروب داخلية، واقتتال طائفي هشم هامات القوى العسكرية العربية التي كانت تسبب بتنامي قوتها صداعا مزمنا لإسرائيل، وفي مقدمة هذه الجيوش الجيشان العراقي والسوري اللذان تم إضعافهما إلى حد كبير، وكذلك الجيش المصري الذي تتم تصفية عناصره عبر التفجيرات الإرهابية، وعمليات الخطف والقتل الممنهج والجماعي التي ترتكب بحق هذا الجيش الذي كان ولا يزال يشكل عنصرا يراهن عليه في حسم الصراع العربي الإسرائيلي.
500 مليار دولار، وهو مبلغ يرى فيه الكثير من المراقبين أنه مبالغ فيه كثيرا.. كثيرا، ولكن هكذا هي التجارة بالحروب، تفرض تسعيرتها، وتقسم الحصص فيها وفقا لإرادة الطرف الأقوى في المعادلة.
فأميركا التي تواجه أزمة اقتصادية ألقت بظلالها على «وول ستريت»، دأبت على تنشئة الأزمات واحتواء بعض التنظيمات ورعايتها بأشكال مباشرة وغير مباشرة، ودفعها إلى حروب تخدم مصالح أميركا، وتكون هذه الجماعات هي المظلومة والمستضعفة طالما أن المصلحة الأميركية مستمرة، وتتمتع بالتسليح الأميركي الذي تسدد فواتيره دول عربية، بشكل رسمي، أو عن طريق المؤسسات والجمعيات الخيرية وغيرها من وسائل التمويل غير الرسمي، ثم إذا انتهت المصلحة الأميركية، واستجدت مصالح أخرى، أو حان الوقت لجمع الغلة، تحولت الجماعات التي كانت مظلومة إلى وحش وغول يتطلب مواجهته بحرب عالمية، يقودها شرطي العالم.. أميركا.
شاهدنا هذا النموذج في أفغانستان عندما كانت أميركا تطلق على القاعدة وبعض الجماعات المسلحة لقب «مجاهدون» حينما كانوا يقاتلون الاتحاد السوفييتي بالوكالة عن أميركا، وتجدد في سورية عندما كانت أميركا نفسها تقود جهود تمويل وتسليح الجماعات المسلحة في سوريا، بما فيها «داعش» و«جبهة النصرة»، قبل أن تعلنهما أميركا جماعتين إرهابيتين، بعد ان انتهت صلاحية استخدامهما.
وبما أن الدم الأميركي عزيز، وذو كلفة باهظة ظهرت نتائجها في حرب العراق، فإن البديل الأرخص والمنعدم الأهمية يكون الدم العربي او المسلم، فيكون العرب والمسلمون هم الذين يخوضون الحروب بالوكالة، وتسفك الدماء العربية العربية بسلاح صنع في أميركا وفي دول الدائرة الضيقة من حلفائها الاستراتيجيين.
وهنا نتساءل: إلى متى ستبقى الأمتان العربية والإسلامية قابعتين تحت وصاية وهيمنة أميركا، وتبقى رغباتها ومصالحها وإرادتها هي التي تحدد شكل علاقاتنا الخارجية والداخلية، ومصير أمان بلداننا واستقرارها؟! وإلى متى تبقى هذه الدول مجرد أحجار على رقعة الشطرنج، تحركها أميركا وحليفاتها كيفما تشاء، وتضحي بمن تشاء منها كلما استدعت مصالحها ذلك.
500 مليار دولار كان الأولى ان توجه لتمويل مشاريع تنمية البدان العربية، علميا وعمرانيا واقتصاديا.. وفكريا، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لأمتنا غذائيا وصناعيا وتكنولوجيا.. وحتى عسكريا، بدلا من أن تتحول هذه الأموال إلى تمويل لمصانع السلاح الأميركية والغربية، ومكافأة لهذه الدول على مخططات ومؤامرات حاكتها ضد هذه أمتنا.
لقد أصبحت الدول العربية والإسلامية بقرة حلوب، ولكنها بخلاف البقر،لا تدر ضروعها بسخاء إلا بالضغط الأميركي، وكأنه مفروض علينا أن نبقى صغارا ندفع الجزية والإتاوات كلما شاءت أميركا وحليفاتها، ونشحذ منها الحماية وحفظ أمننا واستقرارنا.
نعم للأسف 500 مليار دولار معظمها «عربي» ستكون هي المكافأة لأميركا وحليفاتها على مخططاتهم الشيطانية في المنطقة، وقيمة سداد فاتورة تصفية أبنائنا الذين سمحنا للأفكار المنحرفة ان تحيطهم من كل جانب، وتدفعهم لعبور الحدود بتسهيلات تركية، لينضموا إلى التنظيمات الإرهابية، ويتحولوا إلى وقود نار تأكل بعضها.